ماذا بعد خمس سنوات على ثورات ما سمّي الربيع العربي تشبيهاً بثورات ما سمّي ربيع الشعوب في أوروبا؟ لماذا بدا مصير الثورات العربية في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين يشبه مصير الثورات الأوروبية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر؟ هل كان قدراً لا يرد أن تتغلب القوى القديمة في النهاية على القوى الجديدة التي انتصرت في البداية؟ وأين يبدأ الرهان على الحتمية التاريخية لانتصار الشعوب في الثورات، حسب خطاب الثوار، وينتهي الاصطدام بنوع من الحتمية التاريخية المضادة لانتصار الثورات المضادة، حسب الوقائع؟
المشهد تراجيدي من حيث كان الخيار هو الخروج من ظلام الأنظمة الاستبدادية الى ضوء مطالب واقعية هي عيش، حرية، عدالة، وكرامة الانسان. وهو مقلق ومخيف بأكثر من وقوع الربيع العربي ضحية الصيف الاحتكاري والخريف العسكري والشتاء الاسلامي. ولا فرق في الفتك بالثورات والشعوب والأوطان بين قوى ظلامية تقتل بالسكاكين والسيوف وقوى تقليدية أو حداثية تقتل بالصواريخ.
ذلك انه في تونس، حيث كانت الريادة الثورية، يعود الشباب الى الشارع احتجاجاً على العجز عن تدبير فرص عمل، وتكاد لعنة الوراثة التي تضرب حزب نداء تونس تهزّ تجربة الاستثناء الديمقراطي حيث التساكن بين العلمانيين والاسلاميين. وفي مصر خوف من التظاهر في ذكرى ثورة ٢٥ يناير التي صادرها الاخوان المسلمون، ثم أخرجتهم من السلطة ثورة ٣٠ يونيو ليعود العسكر الى الامساك بالسلطة ورجال عهد مبارك الى مجلس النواب. أما في ليبيا فإن الحرب الأهلية أكلت الثورة ولم يعد ممكناً حتى قيام سلطة واحدة، لا فقط اقامة دولة. وأما في اليمن، فإن الثورة تعرضت لانقلابين، ثم صار البلد مسرحاً لحرب أهلية وحرب اقليمية. والتراجيديا الأقسى في سوريا، حيث نجحت خطة عسكرة الثورة في تحولها حرباً محلية واقليمية ودولية دمرت العمران ومزقت النسيج الاجتماعي الوطني.
ولم يكن ظهور داعش واعلان دولة الخلافة في أجزاء من العراق وسوريا العامل الظلامي الوحيد، بحيث جاء الى سوريا سلفيون ارهابيون من مئة بلد للمشاركة في حرب لها وظائف عدة لدى قوى متعددة. ولا كان سقوط رأس النظام في بلدان سقوطاً للنظام، وبقاء رأس النظام في بلدان أخرى ضماناً لبقاء النظام كما كان.
لكن ما أحدثته الثورات، بصرف النظر عما انتهت اليه، هو اخراج الشعوب من السجن وفتح الطرق لثورة الشباب من جديد. وخمس سنوات من عمر التجارب الثورية بعد دهر من السكون هي مجرد مرحلة في مسار يعرف الجميع أن وقفه مهمة مستحيلة.