وسط دفع لسحب فتيل التشنج الذي ألهب الساحة السياسية في اليومين الأخيرين وكاد يمتّد الى الشارع بفعل انزلاق مسار التشكيل في اتجاه حرب كلامية وتبادل اتهامات بلغت حدّ النزاع السني- الماروني، ما دفع بالرئيس سعد الحريري الى ايفاد وزير الثقافة غطاس خوري الى بعبدا، انهمكت الدولة من أعلى رأسها حتى أخمص قدميها في فضيحة توقف نظام الاتصالات المخصص لتسجيل حقائب الركاب المغادرين عبر مطار رفيق الحريري الدولي ما ادى إلى توقف كلي لعملية التسجيل وازدحام في قاعات المغادرة اعتبارا من الحادية عشرة من مساء امس الأول وحتى الرابعة فجرا، فتأخر اقلاع الطائرات وارجئت الرحلات وسادت اجواء بلبلة بلغت اصداؤها دول العالم قاطبة.
وعلى وقع استنفار شامل للمعالجة، بدا ان ثمة اتجاها قضائيا للمحاسبة، اذ أفيد أن رئيس التفتيش المركزي القاضي جورج عطية إستدعى الى مكتبه، كلا من رئيس مطار رفيق الحريري الدولي فادي الحسن والمدير العام للطيران المدني محمد شهاب الدين، للتحقيق في ملابسات ما جرى. وأشار وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال سليم جريصاتي الى أن النيابة العامة المختصة تحركت لتبيان ما إذا كانت هناك أفعال جرمية.اما في المواكبة الرسمية، فرأس الرئيس سعد الحريري بعد الظهر اجتماعاً موسعاً في بيت الوسط مع مسؤولين في المطار حضره وزراء الأشغال يوسف فنيانوس والداخلية نهاد المشنوق والمال علي حسن خليل اضافة الى مسؤولين أمنيين معنيين في ملف المطار.
لتحييد الدستور
الى ذلك، وفي وقت غابت اي اتصالات على خط التأليف، باستثناء لقاء عون -خوري في قصر بعبدا، حضرت الحكومة في المواقف السياسية. حيث أعلن الرئيس الحريري من السراي ان الحكومة التي يسعى الى تشكيلها يجب ان تكون حكومة وفاق وطني، تجمع القوى السياسية الرئيسية، لكي تتمكن من تنفيذ برنامج الإصلاحات والإستثمارات الذي وضعناه وأمنّا التمويل لمرحلته الأولى بحوالى ١٢ مليار دولار في مؤتمر سيدر، لأني اعتبر ان هذا البرنامج هو خشبة الخلاص لبلدنا من الأزمة الواضحة للجميع. وقال: أنا أعمل ليل نهار بصمت وكتمان وهدوء لنصل الى هذا الهدف، وسنصل إليه بإذن الله.
مضيفاً: وبما أنني سأجمع هذه القوى السياسية حول طاولة مجلس الوزراء، وأطلب منها ان تعمل جميعاً يداً واحدة لإنجاح هذا البرنامج ولخدمة البلد والمواطنين، فليست هناك اي فائدة من الكلام فوق السطوح والتصعيد والإتهامات والمواقف العنترية.
وقال: انا أعرف الدستور، والكل يعرف الدستور، وأعمل كرئيس مكلف على أساس الدستور، وليس هناك أي داع لسجالات وجدليات غير مطروحة، وليست لها أي علاقة بالهدف الحقيقي لعملنا جميعاً، الذي هو التوصل الى تشكيل حكومة بأسرع وقت.
وتابع: الآن يأتي من يقول ان التشكيلة الحكومية يجب ان تحترم نتائج الانتخابات النيابية، وهذا أمر طبيعي، وقمة الإحترام لنتائج الإنتخابات النيابية، لا بل المقياس الوحيد، هو أن الحكومة، وكما يقول الدستور، تتقدم من المجلس النيابي، المنبثق عن الإنتخابات النيابية، بطلب الثقة. فإذا كانت تشكيلة لا تحترم الإنتخابات النيابية، فإن المجلس يحجب عنها ثقته. وأما إذا نالت الثقة فلا يمكن ان تكون مناقضة لنتائج هذه الإنتخابات. فرأى وزير المال في حكومة تصريف الاعمال علي حسن خليل، ممثلا رئيس مجلس النواب نبيه بري في عرس جماعي في الجية، ان من الخطر ان تصل المواقف المسبقة التي اتخذها البعض الى مرحلة اصبحنا نناقش فيها، في وقت استثنائي، محظورا سياسيا استثنائيا وهو مسألة الميثاق والدستور والصلاحيات. وقال: ان من المخاطر الكبرى في لحظة سياسية كالتي نمر بها على مستوى المنطقة وعلى مستوى لبنان، أن نتعاطى بخفة مع هذه المسألة التي تشكل اليوم التحدي الأكبر أمامنا جميعا. من حق الجميع أن يطالب، من حق الجميع أن يضع قواعد وشروطا، لكن ليس على حساب الدستور والنظام العام وعلى حساب الوصول الى تفاهم يخرجنا من أزماتنا التي نعيش. واضاف نعم اليوم نحن نرى ان الخطاب السياسي الذي انطلق به البعض خلال الايام الماضية، لا يخدم أحدا على الإطلاق، وبشكل اساسي من يطلقه، لأن الكلمة عندما تنطلق والموقف عندما يعلن، يصبح البعض او الواحد أسيرا له، ويصبح من الصعب ان نتناقش بهدوء ومسؤولية للوصول الى الحلول المرتجاة. لهذا نتوجه للجميع لتجنب رفع وتيرة الخطاب السياسي، وتحييد المسائل الميثاقية والدستورية عن النقاش التفصيلي بتشكيل الحكومة.
وفي السياق، لفت انتباه المراقبين السياسيين هدوء حرب الصلاحيات فجأةً وسط تساؤل عن الجهة التي اضطلعت بدور الاطفائي بعدما بدأ التصعيد يبلغ الشارع بيافطات رفعت في بعض المناطق واتخذت طابعا طائفيا خطيرا. وفيما رجحت بعض المعلومات ان يكون حزب الله وعبر قنواته المعهودة فعل فعله في هذا المجال انطلاقاً من حرصه الشديد على الاستقرار وعدم انزلاق البلد الى صراع مذهبي، اكدت مصادر الحزب حسب وكالة الأنباء المركزية، ان هناك قراراً حتى الان بعدم التدخل في ما يحصل على صعيد التشكيل واستتباعاته، مشيرةً الى ان لا ازمة نظام كما يروّج البعض، ولا خوف من انزلاق البلاد الى حوادث امنية ذات طابع مذهبي، فالامور ممسوكة والامن مستتبّ.