بعد ان سجّل الاشتباك السياسي بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل، اشتدادا غير مسبوق في بحر الاسبوع، على خلفية صلاحيات الرئاستين الاولى والثالثة في لعبة تأليف الحكومة، يبدو ان الاتصالات التي حصلت في اليومين الماضيين، في الظل وتحت الضوء، وأبرزها الزيارة التي قام بها الوزير غطاس خوري الى بعبدا، نجحت جزئيا في إرساء هدنة بين الطرفين. واذا كانت التهدئة ستعيد ضبط النقاش في أطره الطبيعية، بحيث يرجّح ان يُسحب السجال حول الدستور والميثاق تدريجيا من التداول، فإنها لن تؤدي بالضرورة الى تسريع الولادة الحكومية المنتظرة، بما ان العقد لا تزال على حالها. مع سفر المعنيين بالتشكيل، كلّهم، الى الخارج، ما سيثبّط حكما، دوران عجلة المشاورات الداخلية، الضرورية لتعبيد الطريق الى الحكومة..
فالرئيس المكلف سعد الحريري غادر الى لاهاي عن طريق باريس، ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون يغادر اليوم الى ستراسبورغ في فرنسا حيث يكون اول رئيس لبناني يلقي كلمة في البرلمان الاوروبي ويرافقه وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل الذي سيتوجه الاربعاء الى كندا لترؤس اعمال مؤتمر الطاقة الاغترابية، ومنها يلاقي الرئيس عون في نيويورك حيث يرأس الأخير الوفد اللبناني الى اعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل ان ينتقل منها لاحقا الى يريفان للمشاركة في اعمال مؤتمر الفرنكوفونية.
وفيما شكلّت المواقف التي أطلقها الرئيس المكلف سعد الحريري اخيرا، دليلا واضحا الى إصراره على تطويق آثار التوتر الذي ساد ضفة التشكيل، واعادة الخطاب السياسي الى السقوف المعقولة بعد ان تجاوزها وطاول اتفاق الطائف ومندرجاته، بقوله أعرف الدستور، وأعمل كرئيس مكلف على أساس الدستور، وليس هناك أي داع لسجالات وجدليات غير مطروحة، وليست لها أي علاقة بالهدف الحقيقي لعملنا جميعا، الذي هو التوصل إلى تشكيل حكومة بأسرع وقت… حمل خطابه ايضا طرحا من شأنه نقل لعبة التشكيل الى مستوى آخر.
رسائل جعجع
وامس كان موقف متجدد لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الذي دعا في خطاب بمناسبة القداس الذي أقامه في معراب لراحة أنفس شهداء المقاومة اللبنانية الرئيس عون الى المبادرة لإنقاذ عهده بيده، بدءاً من تأليف الحكومة الجديدة، معتبرا نه جل ما هو مطلوب منه ان يشهد للحق ويلجم طمع البعض وينقذ التسوية الرئاسية الكبرى المهددة في الوقت الراهن.
وتوجه إلى التيار الوطني الحر بالقول: مهما حصل فمن بعد تفاهم معراب يجب ألا يردّنا أي شيء إلى الوراء، صحيح أن النبرة تعلو بين الحين والآخر إلا أننا يجب ألا ندع هذا الأمر يفرقنا من جديد.
كما توجّه جعجع برسالة إلى حزب الله، قائلاً: ماذا ينفع الإنسان لو ربح المعارك كلّها وخسر وطنه؟ عودوا إليه بكل المعاني وعلى جميع المستويات. عودوا إلى لبنان ونحن جميعاً في انتظاركم.
ودعا جعجع من جهة ثانية الى قلب المعادلة الاقتصادية – الاجتماعية – المالية، رأسا على عقب، والبدء بملف الكهرباء.
من جهته جدد رئيس التيار الوطني الحر التأكيد ان من حق رئيس الجمهورية ان يضع معايير محددة من أجل التوقيع على الحكومة واعتبر من بشعله ان البعض يطلب اكثر من حقه في الحكومة، ومن يأخذ أكثر من حقه يتعدى على حق غيره.
وأمس كان للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي صرخة معبرة خلال ترؤسه قداسا عن شهداء المقاومة اللبنانية في سيدة ايليج بالقول: نأمل ونصلي كي يرسل الله لنا سامريين صالحين يقيمون المواطن اللبناني والدولة من المعاناة الكبيرة والخطرة، بدءا من تأليف الحكومة لكي يبدأ الوطن باستعادة قدرته على التحرك. فكيف يرى المسؤولون السياسيون ويعبرون، مثل ذينك المسؤولين، الكاهن واللاوي، أمام دين عام يناهز التسعين مليار دولار أميركي، وبات يشل النمو الاقتصادي وحركة الانتاج، ويعطل فرص العمل، ويرمي اللبنانيين في مزيد من الفقر، ويقحم قوانا الحية الشبابية المنتجة على هجرةالوطن، ويحرم الدولة من الاستثمار في مشاريع إنمائية، فيما الهدر والانفاق غير المجدي بالمقابل يتزايد؟ فالمطلوب خفض الانفاق، وتخفيف العبء عن الخزينة وضبط الهدر بالتعاون مع القطاع الخاص، وزيادة الواردات، وإبعاد المصالح السياسية عن الإدارة توظيفا وأداء، كيف يرون ويعبرون، وهم مأخوذون فقط بمناقشة الأحجام وتقاسم الحصص، وبأزمة الصلاحيات وهي من دون أساس، بعد الانتخابات النيابية التي كنا نتوقع فيها بصيص أمل بحياة أفضل، علما أن واحدا وخمسين بالمئة من الشعب اللبناني لم يشارك فيها، لفقدان الثقة، فيتبين اليوم أن شكهم كان في محله.