IMLebanon

دولة علوية جائزة ترضية؟

عندما يقول ميخائيل بوغدانوف “إن الولايات المتحدة فهمت الآن أنه ليس هناك بديل من الرئيس بشار الأسد وحكومته”، فليس المهم الإزدراء الضمني لأميركا “الغليظة الذهن” التي استوعبت أخيراً نظرية المعجزة الروسية التي طالما قالت لا بديل من الأسد، لكن الأهم هو المساحة التي سيبقى الأسد رئيساً عليها.

قياساً بالواقع الميداني المنحسر والمتراجع للنظام السوري يصبح التساؤل المعكوس ضرورياً، بمعنى هل فهمت روسيا الآن انه لا يمكن الأسد ان يبقى رئيساً إلا لدويلة علوية، ترتسم حدودها فوق ركام من مئآت آلاف القتلى ودمار ساوى سوريا بالأرض وشرّد ملايين السوريين في أصقاع الأرض؟

يحتاج بوغدانوف الى كثير من الأوهام لكي يصدّق ان الأسد سيبقى رئيساً وان لا بديل منه، ولكي يفترض ان شعار”الأسد أو نحرق البلد” الذي رفعه النظام قبل أربعة أعوام لا يزال قابلاً للترجمة. فالواقع بات مختلفاً تماماً، اذ احترق البلد واحترقت معه شرعية الأسد وبقاؤه ايضاً، إلا اذا كان الرفاق في موسكو يريدون الاستعاضة عن دولة سوريا بجائزة ترضية تتمثّل في ترئيس الأسد على دولة علوية وشاطئها طرطوس!

أيضاً وقياساً بالوضع الميداني المتراجع للنظام ومؤيديه، تصبح الدولة العلوية جائزة ترضية للإيرانيين الذين قاتلوا ويقاتلون عن النظام، وسيتشبثون حتماً ببقاء هذه الدولة العلوية، ليس بديلاً من سوريا كقاعدة حيوية لنفوذهم في الإقليم فحسب، بل كبديل حيوي يبقي لهم ممراً حيوياً بحرياً وبرياً الى لبنان شرفتهم البرّاقة على فلسطين وقضيتها والعدو الإسرائيلي.

لندع الأوهام الروسية جانباً، فمن الواضح ان جون كيري لم يذهب الى سيرغي لافروف ليبصم على بقاء الأسد إلا إذا كانت خريطة التقسيم على الطاولة: تتمسكون ببقاء الأسد… حسناً خذوه رئيساً للدولة العلوية. ثم ان واشنطن تعمّدت ان تحفظ الوجه الآخر للصورة فسرّبت معلومات عن انها باقية على موقفها المعلن من ان الأسد فقد شرعيته، وان وجوده على رأس النظام تسبب ويتسبب بتأجيج المشاعر المذهبية والتطرف والإرهاب ليس في سوريا وحدها بل في المنطقة كلها !

في أي حال، بدا كلام نائب وزير الخارجية الروسي بوغدانوف بمثابة هرطقة واهمة زاد هامشيتها إنسحاب الجيش السوري من مدينة تدمر، بعد إنسحاب الجيش العراقي من مدينة الرمادي، في ما بدا لبعض المراقبين كأنه تناغم محسوب هدفه وضع العالم أمام خيارين: في سوريا “داعش” أو النظام؟ وفي العراق “داعش” أو الحشد الشعبي؟

لكن الإرهابيين الذين سيطروا على كل المعابر بين البلدين يستعدّون الآن للتحرك نحو بغداد في العراق ونحو حمص في سوريا، وهم في الأساس ليسوا سوى صناعة أميركية روسية اسرائيلية هدفها تقسيم المنطقة كقطعة من الجبنة!