IMLebanon

اغتيال البلعوس يُفجّر «انتفاضة السويداء»: خيارات إصلاحية لا إنقلابية!

جنبلاط في يوم «الوفاء لشهداء الكرامة»: الحياد والواقعية لحماية جبل العرب

اغتيال البلعوس يُفجّر «انتفاضة السويداء»: خيارات إصلاحية لا إنقلابية!

القطيعة مع النظام عبر رفض تواجد أي ركن من أركان الأسد خلال التشييع أو تقديم التعازي

بدا واضحاً أن الزعيم الدرزي وليد جنبلاط انتقى كلماته بعناية في يوم «الوفاء لشهداء الكرامة»، الذين سقطوا في تفجيرات السويداء، الأسبوع الماضي، والتي استهدفت قائد «مشايخ الكرامة» الشيخ وحيد البلعوس ورفاقه. ومَـرَدّ الانتقاء والحذر يعود إلى واقع دروز سوريا والعوامل الجغرافية والسياسية والعسكرية والاقتصادية المحيطة بهم، وإلى فهمه لدقة المرحلة التي يمرّ بها «جبل العرب» راهناً.

وإذا كانت السويداء، بما تُمثّـل من ثقل درزي، لم تلتحق بركب الثورة السورية التي انطلقت شرارتها في آذار 2011 من جارتها درعا، على رغم تأييد كثير من نخبها للثورة والانضواء في كنفها، وشكّل شبانها وقوداً لقوات النظام في معاركه مع المعارضة السورية، فإن نقطة التحوّل التي شكّلت علامة فارقة في موقف شريحة واسعة من أبناء تلك المحافظة هي امتناع آلاف الشبان الدروز عن الالتحاق بالخدمة العسكرية، وهو تحوّل ساهم فيه الشيخ البلعوس مع انبثاق تشكيل «مشايخ الكرامة»، إذ وصل عدد المتخلفين عن الالتحاق بالخدمة إلى 27 ألفاً، في وقت آلت الواقعية السياسية بجزء من الرموز المؤثرة في البيئة الدرزية إلى الدفع أكثر لانتهاج طريق الحياد في النزاع السوري، وإلى التركيز على أولوية حماية السويداء وأبنائها، ولا سيما مع تحديات شكّلتها التنظيمات المتطرّفة، من «جبهة النصرة» إلى تنظيم «الدولة الإسلامية»، بقدرتها على تهديد المحافظة. وكان دور الشيخ البلعوس بارزاً في هذا المنحى، خصوصاً يوم منَعَ جيش النظام من سحب آلياته الثقيلة، التي ترافقت مع سقوط «اللواء 52» في درعا على يد فصائل الجبهة الجنوبية في آذار الماضي. وأخذ دوره يكبر مع  تحوّل «مشايخ الكرامة» إلى قوة فعلية بوجود آلاف المقاتلين في صفوفها، واتساع رقعة تأثيره في السويداء.

وفي قراءة متابعين من داخل السويداء، أن النظام - الذي يتواجد فيها أمنيا واستخباراتياً لا عسكرياً - بدأ يرى في حركة «مشايح الكرامة» خطراً متزايداً عليه، خصوصاً أن مدينة السويداء شهدت مع بداية شهر أيلول الحالي تظاهرات واعتصامات سلمية، أمام مبنى المحافظة،  ذات طابع مطلبي حياتي أكثر منه سياسي، إلا أنها أثارت الريبة والقلق لدى النظام لما حملته من بداية انكسار جدار الخوف لدى الجيل الشاب، خصوصاً بعدما ظهر أن الشيخ البلعوس تعهّد بحماية التظاهرات ومنع الأجهزة  الأمنية مِن فضّها بالقوة. وقد عمدت أجهزة النظام إلى قطع شبكة الانترنت بغية الحد من انتشار الحركة الاعتراضية وتأثيرها، والتحكّم بها إعلامياً، قبل أن تحصل عملية اغتيال البلعوس في تفجير سيارة ملغومة لدى مروره في منطقة «عين المرج»، واستكمالها بتفجيرين في المستشفى الوطني لدى نقله إليها.

ولعل التغيير الذي تقف عنده بعض القيادات الدرزية المعارضة هو النموذج الجديد الذي انتهجه النظام في إزاحة البلعوس من المشهد السوري، إذ أن النظام كان يتعامل مع كل مَن يُجاهر بموقفه الرافض أو المعادي للنظام من خلال الاعتقال والقتل تحت التعذيب, لكن الأسلوب تبدّل هذه المرة لجهة آلية التفجير التي اعتمدت في تصفية خصوم النظام في لبنان. هذا التبدّل يشكّل، من وجهة نظر هؤلاء، مرحلة متقدمة في أسلوب التصفية الجسدية هدفه تخويف الناس ودبّ الرعب في نفوسهم بشكل جماعي، إلا أن نتائجه جاءت معاكسة لمحاولة إجهاض الحراك، و لِما كان يُـتوقع أن تحدثه التفجيرات مِن رعب، بحيث أدّى اغتيال البلعوس ورفاقه وأسلوب التفجير إلى ردة فعل شعبية قوية، تشبه في نمطيتها «الانتفاضة أو الثورة» التي سُجلت في غير مكان. فكان إسقاط ثمثال الرئيس السوري السابق حافظ الأسد رمز انكسار شوكة النظام. هكذا كانت البدايات في كل المحافظات التي شهدت انتفاضة الشعب السوري على نظامه، وهكذا تكرّر المشهد في السويداء، حيث رفع المتظاهرون سقف المواجهة مع مطالبتهم بسقوط النظام ورحيل الأسد ورفع علم الثورة السورية.

على أن السؤال الذي يطرح نفسه يتمثل بالمدى الذي يُمكن أن تصل إليه «انتفاضة السويداء»، وما إذا كان من أفق أمامها، وإن كانت المعطيات تؤشر إلى حصول تراجع في الحضور الأمني في المدينة مع السيطرة على عدد من المراكز الأمنية والحواجز وتسيير شؤون المواطنين، ولا سيما في ما خص تأمين الأفران والمتطلبات الحياتية.

في رأي عضو الائتلاف الوطني السوري السابق زياد أبو حمدان أن ما بعد اغتيال البلعوس ليس كما قبله, وأي محاولة لإعادة الممارسة التي كان ينتهجها النظام ستواجَه بعنف أكبر من قبل الشباب والمتظاهرين. ذلك أنه حين سالت الدماء، انتفضت الناس دفاعاً عن كرامتها. ومن أولى النتائج أن ثمة قطيعة حصلت اليوم بين الأهالي والنظام، الذي باتهامه لأحد أبناء السويداء (وافد أبو ترابة) بالوقوف وراء عمليات التفجير، زاد من الهوّة بينه وبين أبناء المنطقة الذين فقدوا أي مصداقية به، ورأوا في ذلك محاولة واضحة لنقل الفتنة إلى الداخل عبر الدفع باقتتال درزي – درزي. ولعل أبلغ تعبير عن حال القطيعة هو رفض الأهالي لتواجد أي من أركان النظام في مراسم التشييع أو تقديم التعازي بالشهداء.

غير أن هذا الحراك، وفق قراءة المتابعين، والذين يشاطرهم فيها أبو حمدان، سيأخذ في المدى المقبل خيارات إصلاحية أكثر من خيارات انقلابية – ثورية، نظراً لاعتبارات عدة، أولها أن دروز سوريا ليس لديهم مشروع سلطة أو مشروع دولة درزية، ولا يعيرون كبير أهمية  لمن يحكم سوريا، بل ما يهمهم أن مَن يحكم عليه أن يحفظ كرامتهم. أما ثاني هذه الاعتبارات، فهو أن الثورة السورية التي ترنحت كثيراً منذ انطلاقتها لم تستطع أن تشكّل قيادة موحّدة ذات مشروع وطني واضح للنهوض بسوريا، بعدما تحوّلت سوريا إلى ساحة صراع إقليمي ودولي. والأهم، حسب رأي هؤلاء، أن غياب أي سند إقليمي – دولي، حتى الآن، لأي حراك في السويداء، ولا يبدو أنه آت في الأفق، يلغي أي إمكانية لتطور الحراك إلى حالة ثورة كاملة، ما يحوله إلى أداة ضغط لتحسين الوضع المعيشي وانتزاع حيز من الحرية وهامشاً من الديموقراطية، إلى حين تبلوّر الصورة المستقبلية للتطورات في المشهد السوري.

من هنا يُمكن فهم انتقاء جنبلاط لكلماته، في يوم التأبين الذي أقيم في دار الطائفة الدرزية، رغم وضوح موقفه الداعم للثورة السورية في وجه نظام الأسد. فالأزمة السورية تحتل مراتب متأخرة في أولويات الدول المؤثرة، وما يشهده الشعب السوري المتروك لمصيره وسط غياب القرار الدولي عن وقف آلة القتل التي ينتهجها النظام ببراميله المتفجرة فوق رؤوس شعبه، كفيل بأن يُدرك الدروز، وهم أقلية لا تحظى بحماية إقليمية أو دولية، بأن تكريس نهج الحياد وانتهاج الواقعية السياسية قد يُشكّل، في المرحلة الراهنة،  استمراراً للخيار الأمثل!