داعش ليس مجرد تنظيم ارهابي، وإن مارس أبشع انواع الارهاب. فلا القتل باسم الله حتى في رمضان وبقية الاشهر الحرم في الاسلام وقبله في الجاهلية سوى وسيلة تبررها فتاوى لمتشددين ضيقي الافق من اجل غاية هي التمكين لمشروع ايديولوجي. ولا توزيع الموت في يوم واحد على الصائمين المصلين في الكويت والسياح في تونس، مع الهجوم على الحسكة وعين العرب وقطع الرؤوس فيهما، هو اقل من عمل منهجي لتسجيل اهداف، وإن بدا ارهابا عشوائيا أعمى.
ذلك ان التفجير الانتحاري بالمصلين في مسجد الامام الصادق في الكويت هو، بعد تفجير مسجد للشيعة في السعودية، استكمال لمنهج الزرقاوي ايام الاحتلال الاميركي للعراق في ضرب الوحدة الوطنية والدفع نحو حرب اهلية تبرر قيام دولة دينية. وقتل السياح على الشاطئ في سوسة، وسط انشغال رجال الامن بملاحقة المفطرين، يتجاوز رفض السياحة الى ضرب التجربة الديمقراطية في تونس تحضيرا للدولة الدينية. وليس الهجوم على الحسكة وتجديده على عين العرب سوى توسيع لمساحة الدولة الاسلامية المعلنة في ثلث العراق ونصف سوريا، مع خدمة واضحة لتركيا الخائفة من منطقة حكم ذاتي كردي على حدودها.
والسؤال هو: هل يملك تنظيم داعش امكانات غير عادية تسمح له بأن يواصل حرب دولة الخلافة في العراق وسوريا، ويسيطر على درنة وسرت في ليبيا، ويقوم بعمليات في السعودية والكويت وتونس وفرنسا ولبنان؟ وهل الذين يقومون بالعمليات الارهابية هم اعضاء خلايا نائمة مرتبطة تنظيميا بداعش ام متطرفون سلفيون يعملون بالتسيير الذاتي؟ الواقع ان قوى مختلفة توظف داعش في خدمة اهداف متناقضة، ومن الطبيعي ان تدعمه بشيء ما. ولا فرق في النهاية، سواء كان الارهابيون من داعش أو من خارجه. فمن لا تحركه داعش، تحركه الداعشية التي هي الخلافة بكل ما تمثله في الذاكرة التاريخية والخيال المستقبلي.
واذا كان ضباط من الجيش العراقي ايام صدام حسين يقودون معارك داعش، وانصار القذافي يساعدونه في سرت، كما يشاع، فان داعش ليس خارج نسيج البلدان التي يضرب فيها. اذ هو يضم آلاف التونسيين والكويتيين والسعوديين والفرنسيين والبريطانيين والالمان والبلجيكيين والشيشان وسواهم. ومبايعة الخليفة ابراهيم المسمى ابو بكر البغدادي تبدو موجة تتسع في افريقيا وآسيا من بعض الذين لم يروه ولا عرفوه.
ومن هنا الحاجة الى تنوع الوسائل في محاربة داعش عسكريا وامنيا وماليا وسياسيا وايديولوجيا. فلا قوة اميركا، ولا القوى المذهبية، ولا الانظمة الشمولية، قادرة على انهاء داعش. ولا خيار ناجحا سوى الحرب بكل الوسائل، وعلى كل الجبهات من قاعدة وطنية ديمقراطية.