لا تقدّم في الملف الرئاسي والخلافات عميقة والتصعيد سيكون العنوان المقبل
كتب المحرر البرلماني
استكمل المتحاورون في اليوم الثاني من الجلسات الماراتونية طرح تصوراتهم لمواصفات رئيس الجمهورية، وجمع الرئىس نبيه بري هذه التصورات الخطية من عدد منهم على ان يتزود من الباقين باوراقهم من اجل اجراء مقارنة لكل الاوراق تمهيداً لجولة ثانية من النقاش على ضوء هذه العملية في جلسة تعقد في السادس والعشرين من الشهر الجاري.
واذا كان هذا المسار قد حقق نوعاً من التقدم البطيء، فان ما جرى خلال المناقشات التي دارت نهارا ومساء، يكشف عمق الازمة التي تتخبط بها البلاد في ظل هذا التدهور الحاصل من جهة ويظهر مدى الحاجة الى استمرار الحوار في كل البنود المدرجة على جدول اعماله.
وكما عبّر احد المشاركين فان ما احرز حتى الآن يقاس على خطوات السلحفاة، لكن يكفي ان نستمر بالتحرك افضل من ان نبقى مكتوفي الأيدي.
وبرز حسب المصدر ان فريق 14 آذار يحاول استثمار طاولة الحوار للضغط باتجاه انعقاد مجلس الوزراء، متجاوزاً أيّ تسوية ممكنة للاسباب التي أدت الى توقف جلسات مجلس الوزراء اي ما يتعلق باعتراض التيار الوطني الحر مدعوما بحلفائه على آلية عمل المجلس وتأكيده على الشراكة الكاملة، او ما يتعلق بأزمة التعيينات الأمنية.
وقد تجلت هذه الحقيقة خلال مداخلات بعض هذا الفريق الذي ركز على انعقاد مجلس الوزراء رغم تأكيد الرئىس بري ومعه النائب وليد جنبلاط وآخرون على وجوب عدم ربط الحوار بهذا الموضوع، مع تذكير رئىس المجلس مرارا بموقف وزرائه الذين واظبوا على حضور جلسات الحكومة الى النهاية.
وتسربت معلومات بعد رفع الجلسة الحوارية المسائية عن ان بعض اعضاء الحوار في 14 آذار المسيحيين والكتائب و«حرب» يتجهون الى مقاطعة الجلسة المقبلة في حال لم ينعقد مجلس الوزراء قبل هذا التاريخ، مع العلم ان النائب ايلي ماروني كشف بعد الجلسة ايضاً ان الكتائب اقترحت نقل الجلسة المقبلة الى عين التينة وان الرئىس بري أعرب عن استعداده وقال ان ليس لديه مانع في ذلك.
وفي خصوص التسوية التي كانت تجري لاستئناف عمل الحكومة والمجلس النيابي والاتفاق على التعيينات الامنية علم من مصادر مقربة من التيار الوطني الحر ان النائب ابراهيم كنعان الذي مثل العماد ميشال عون خرج من القاعة عند طرح احد الحاضرين هذا الموضوع التزاما بموقف «الجنرال» الذي كان اكد على عدم اثارة هذه المسألة على طاولة الحوار.
وفي المعلومات ان المحاولات التي جرت اول امس على هامش جلسة الحوار وعلى ضوء ما جرى التفاهم المبدئي حوله في الحوار بين «حزب الله» وتيار المستقبل لم تثمر عن اي تقدم، لا بل ان العقدة القانونية التي يتسلح بها البعض جعلت الامور تعود الى دائرة التعقيد.
ووفقاً لهذه المعلومات فانه يفترض ان يوقع وزير الدفاع مرسوم الالوية الثلاثة بمن فيهم العميد شامل روكز ليكتمل عدد الالوية الى ثمانية بناء لاقتراح قائد الجيش على ان يطرح المرسوم بعد ذلك على مجلس الوزراء لتوقيعه من قبل رئىس الحكومة والحصول على العدد الكافي من التوقيعات في غياب رئىس الجمهورية.
ويبدو، حسب المصادر، ان هناك اصرارا من قبل وزير الدفاع على عدم الاقدام على ذلك بناء لتوجيهات الرئيس السابق ميشال سليمان، مع العلم ان محاولات جرت لدى رئىس الحكومة لمعالجة هذا الموضوع بالتعاون مع الرئيس الحريري الا ان هذه المحاولات بقيت تراوح مكانها.
ومما لا شك فيه ان فشل هذه المساعي أرخى بظلّه ايضاً على اجواء الحوار وزاد من الثقل الذي القي على كاهل الطاولة المستديرة.. مع العلم ان هذا الموضوع لم يطرح في الجلسات الثلاث الاولى، وطرح في آخر الجلسة الرابعة من قبل النائب سليمان فرنجية من باب المساهمة في حلحلة الأمور وليس لمناقشتها على الطاولة.
وفي شأن مقاربة موضوع رئاسة الجمهورية ومواصفات الرئىس برزت تقاطعات ايجابية في شأن المواصفات يمكن البناء عليها، غير ان هناك مواصفات اخرى طرحها المتحاورون تظهر الخلاف بين الاطراف حولها.
والى جانب ذلك ابدى بعض اطراف 14 آذار تمسكهم في حسم موضوع الرئاسة قبل مناقشة اي بند آخر، ما استدعى الرئىس بري التأكيد على اولوية تنفيذ هذا البند، لكنه اوضح ان ذلك لا يعني عدم طرح المواضيع الاخرى مثل قانون الانتخابات وان هناك حاجة الى الاتفاق على السلة لأن الأمور مرتبطة بعضها ببعض.
وقد عبر النائب جنبلاط وآخرون عن توافقهم مع وجهة نظر الرئيس بري، لجهة الاتفاق على السلة مع ان تكون الاولوية في مرحلة التنفيذ للاستحقاق الرئاسي. بينما تمسك النائب كنعان باجراء الانتخابات النيابية قبل انتخاب الرئيس.
واستهلت الجلسة المسائية بمداخلة للنائب سامي الجميل فاعتبر ان الحوار هو آخر فرصة في ظل تعطل الحكومة والمجلس النيابي، وركز ايضاً على وجوب اجتماع مجلس الوزراء.
وجرى بعد ذلك نقاش خصوصاً بين النائب كنعان والنائب بطرس حرب حول الرئاسة قبل الانتخابات النيابية او بعدها.
وتدخل الرئىس بري متسائلاً امام الجميع هل يمكن اجراء انتخابات على اساس القانون الحالي الذي يرفضه الجميع؟ واذا اجرينا المعادلة نفسها مع تغيير طفيف غير مؤثر. من هنا علينا المضي في مناقشة مواصفات الرئىس لا سيما انه لم نستكمل النقاش بعد في هذه النقطة على ضوء الطروحات التي سمعتها، كما انه من الطبيعي ان تطرح الامور الاخرى بما في ذلك قانون الانتخابات انطلاقاً من الحاجة الى حسم السلة الكاملة مع الأخذ بعين الاعتبار ان الاولوية في مرحلة التنفيذ بعد ذلك هي لانتخاب الرئيس.
وكانت للرئيس سلام مداخلة في الجلسة المسائية تحدث فيها عن التعقيدات التي تواجه معالجة ملف النفايات، مؤكداً المضي في السعي لحلها والا فانه سيدعو مجلس الوزراء الى الاجتماع لحسم هذا الموضوع.
} الجلسة النهارية }
وكانت الجلسة النهارية تركزت على مواصفات رئيس الجمهورية من وجهة نظر كل مشارك في الحوار، لكن العديد من المداخلات تطرقت الى عناصر جوهر الازمة السياسية التي لا يختصرها الشغور الرئاسي.
ووفقاً للمعلومات التي توافرت حول سير النقاش فان مسار المداخلات أظهر بوضوح ارتباط بند الرئاسة بهذه المواضيع، ما جعل الرئىس بري يلفت المتحاورين الى «انكم لن تستطيعوا حسم انتخاب الرئيس ما لم تتوافقوا على الأمور الاخرى، اي على السلّة التي يتناولها النقاش»، داعياً الى الاخذ بالاعتبار ان النقاش بطبيعته مفتوح على هذه المواضيع المحلية دون المواضيع الاخرى.
وحسب مصادر مشاركة في الحوار فان رئيس المجلس حث المتحاورين على المضي في هذا النقاش الجدّي، واصفاً اجواء الجلسات التي عقدت بانها جيدة وفي تقدم. وقال ان الدوحة او غير مكان ليسا افضل من المكان الذي نجتمع فيه اليوم لتحقيق النتائج التي نتوخّاها.
واستعرض تفاصيل ولادة اتفاق الدوحة فجراً بعد موافقة العماد عون على التقسيم الانتخابي في بيروت، مكرراً التذكير باجماع المتحاورين على قانون انتخابي يعتمد النسبية. وقال ان مثل هذا القانون هو الذي يساعد على الاعتدال، لا بل انه يساهم في تخفيف الطائفية واضعافها.
واضاف «لقد اجمعتم على تطبيق الطائف والدستور لكن للأسف حتى الآن لم نستطع تشكيل الهيئة الوطنية للبحث في الغاء الطائفية». واقول «ان قانون النسبية وان ادى الى ان يخسر بعضنا عدداً من المقاعد لكنه بالطبع يجعلنا جميعا نكسب الوطن».
وكانت للمتحاورين مداخلات مفصلة حول رؤيتهم لمواصفات رئىس الجمهورية فأكد عدد منهم في مستهل النقاش (ميقاتي، مكاري، وسليمان فرنجية) على ان يكون الرئىس ممثلاً حقيقياً لدى المسيحيين ومقبولاً من الآخرين، لكن وجهات النظر تباينت في ما بينهم حول توصيف وطبيعة هذا القبول.
وركز النائب طلال على أن الرئيس الحيادي لم يعد يصلح بعد الكوارث التي نشهدها. وقال يجب ان يكون للرئيس حيثية شعبية، وان يكون صاحب توجه وطني وقومي يرتكز على المعادلة الذهبية (الشعب والجيش والمقاومة).
وركز ايضاً على العناصر الاخرى في الازمة ولا سيما قانون الانتخابات مؤكداً على اعتماد النسبية، وداعياً الى مناقشة والاتفاق على سلّة هذه العناصر المرتبطة بل التي تشكل جوهر الازمة.
وشدد النائب محمد رعد ايضاً على ان يكون للرئيس حيثية شعبية وان يكون صاحب تمثيل حقيقي متبنياً للمقاومة ومتعاونا مع المؤسسات الدستورية، وان لا يكون محل تبنٍ من دول اجنبية خصوصاً التي تدعم العدوان الاسرائىلي.
وركز ايضا على الشراكة الوطنية وان يكون عامل اطمئنان للمسيحيين في ظل ما يتعرض له المسيحيون في الشرق.
اما النائب سامي الجميل فقال انه الى جانب التمثيل فان الرئىس وان كان من 8 او 14 آذار يجب ان يكون مقبولآً من الطرف الآخر او من قسم منه، وان هذا يساعد في حصر الخيارات.
وشدد على ان يلتزم مقدمة الدستور ويعمل على تطبيق الدستور كاملا، داعياً الى الابتعاد عن الغوص في التفاصيل التي تدخلنا في المتاهات.
وقدم النائب ابراهيم كنعان مداخلة شدد فيها على عنوانين اولا الشراكة الوطنية انطلاقاً من الدستور وفي المؤسسات الدستورية ايضاً، والتمثيل الشعبي على الصعيد المسيحي والوطني.
وركز على مسألة التمثيل، مؤكداً على اهمية قانون الانتخاب واعتماد النسبية كما عبر العماد عون في جلسة سابقة. وقال انه لا يجب علينا تبسيط مسألة مواصفات الرئيس بل يفترض التركيز على جوهر دور الرئيس وقوته والمشاركة الوطنية.
وكانت للرئيس السنيورة مداخلة ركز فيها على التمثيل الحقيقي لكن شرط ان يكون مقبولاً من الآخرين، وان يحظى بغطاء وطني. وقال ان هذا الامر هو العنوان الذي يجب ان يرسم مقاربة مواصفات الرئيس.
ورأى النائب سليمان فرنجية ان فكرة الحياد ساقطة، مؤكداً على التمثيل الحقيقي والقبول، لكنه اشار ايضا الى ان هذا لا يكفي فان هناك رؤية واضحة يجب ان تقرن بهذا الشرط تتعلق بالثوابت وبنهج الرئيس السياسي، عدا عن العناصر الاخرى التي تنتج النظام لا سيما قانون الانتخاب.
اما النائب وليد جنبلاط فرأى انه لا يكفي ان يكون الرئيس قوياً في بيئته بل يجب ان يكون قوياً في قيادة الحوار مع الاطراف في البلد.
وقبل المباشرة بمناقشة مواصفات الرئيس رد النائب محمد رعد على مداخلة الرئيس السنيورة التي قدمها اول امس وغمز فيها من قناة المقاومة متهماً اياها بأنها اخذت دور الدولة.
وقال رعد ان هذا التشكيك غير مقبول، مشدداً على دور المقاومة على المستوى الوطني. وقال انه خلال المواجهات التي خاضتها المقاومة ضد العدو الاسرائيلي في حروبه على لبنان، كانت الامور تسير بانتظام وكانت الاستثمارات جارية على قدم وساق في البلد، ولم تشكل عمليات المقاومة اي عائق في وجه هذا المسار على عكس ما يحاول البعض تصويره اليوم، وهذا يدحض الادعاءات التي نسمعها.
وردّ السنيورة بأن المقاومة اخذت دور الدولة، ثم عندما اخذت تلعب دوراً اقليمياً في سوريا والعراق واليمن لم تتشاور مع الشركاء في الوطن ولم تأخذ مشورة أحد. نحن شركاء في هذا الوطن وهي في ذلك خرجت عن الدور الذي كان موضع تقدير ومشرع عندما واجهت اسرائىل والاعتداءات الاسرائيلية.
وردّ رعد بأن المقاومة كانت تتشاور باستمرار مع الرجل صاحب هذا الموقع التشاوري (الرئيس رفيق الحريري)، وهي على تشاور اليوم مع العديد من الرجال والمراجع الوطنية، ولكن لا مشورة مع ليس صاحب مشورة.
وتدخل الرئيس بري قائلا: ان الخروج عن موضوع جدول الاعمال من شأنه ان يستدعي ردوداً وردوداً اخرى كما حصل من قبل الحاج محمد بعد مداخلتك يا دولة الرئىس (السنيورة).. وفي كل الاحوال «لا انت رح تقنعنا بموقفك من المقاومة ولا نحن رح نقنعك». وادعو الى العودة لجدول الاعمال والمباشرة بمناقشة مواصفات رئيس الجمهورية.
«منجيبو من الصين»
} جرى نقاش بين النائبين سليمان فرنجية وسامي الجميل عندما تحدث الثاني عن مرحلة القهر (اثناء الوجود السوري) والتضحيات التي قدمها حزب الكتائب وضريبة المنفى.
ورد فرنجية بالتذكير بما تعرض له الفريق الذي ينتمي اليه بعد العام 2005 والشهداء الذين قدمتهم المردة، وكذلك شهداء المقاومة.
} في مستهل الجلسة واثناء اخذ صورة للمتحاورين صودف هطول الامطار فقال الرئيس بري: «كنا نتمنى ونصلي لهطول المطر والآن بفضل النفايات صرنا نتمنى ان لا تمطر».
} بعد المواصفات التي وضعها النائب سامي الجميل لرئىس الجمهورية رد عليه جنبلاط بالقول «شو منجيبو من الصين».
ميقاتي : الأجواء جيّدة لكن المسار ما زال طويلاً
اوضح الرئيس نجيب ميقاتي، اثر انتهاء الجلسة، ان «اجواء الحوار جيدة والنقاش مثمر، لكن حتى لا نعطي اوهاما للبنانيين، فان المسار ما زال طويلا، على الرغم من ان الجلسات بناءة والحوار كان جيدا ويقرب وجهات النظر، وان شاء الله خير».
وعن مواصفاته لرئيس الجمهورية، قال: «من مواصفات الرئيس ان يحترم الدستور بكل مكوناته وان يحترم ميثاق الطائف، وان يعي تماما الامور والتحديات القائمة في المنطقة، وان يكون مارونيا ولكن لبنانيا في الصميم، وان يعرف كيف يتعاطى مع السلطات الاخرى ويحافظ على التوزنات في الساحة، اضافة الى امور اكدنا عليها بان يكون معروفا بتاريخه وبالنزاهة وحسن التعاطي مع كل الاطراف».
ورأى ان «انتخاب الرئيس لا ينتج الا من هنا»، متسائلا: «هل انتخاب الرئيس هو اولوية ام سلة متكاملة تؤدي الى انتخاب رئيس»؟