IMLebanon

ما بعد حلب  ما قبل حلب

معركة حلب سجلت، حسب خبراء عسكريين، تطورا بارزا في حرب المدن: دور القوة النارية الهائلة والأسلحة المتطورة التي استخدمها الروس في ضمان نصر سريع نسبيا على مسلحين متحصنين منذ سنوات في مواقع قوية وأحياء ضيّقة وسط كثافة سكانية. فالقتال في المدن هو من أصعب المعارك وأطولها وأخطرها على المهاجمين. ولم يكن ممكنا، ولو كان المسلحون فريقا واحدا لا فرقا متعددة متناحرة أحيانا ومعظمها من خارج نسيج المدينة، الحفاظ على المواقع تحت القصف التدميري من الجو وفي مواجهة الجيش السوري النظامي وحلفائه من مقاتلي حزب الله ونخبة الحرس الثوري الايراني والميليشيات العراقية والافغانية والباكستانية.

ولا حديث يتقدم حاليا على حديث ما بعد حلب. أولا لجهة النظرة الى حجم النصر الذي وصفه الرئيس بشار الأسد بأنه كتابة للتاريخ ووضعه في مستوى الأحداث الكبرى في التاريخ، متصورا انه سيغيّر الأوضاع في سوريا والمنطقة والعالم. وثانيا لجهة الأسئلة عن الدروس التي تتعلمها المعارضة وهل تتخلّى عن العسكرة وتعود الى الانتفاضة السلمية أم تندفع في حرب عصابات، وعما اذا كانت معركة حلب نهاية حرب روسيا وان لم تكن نهاية حرب سوريا. وثالثا لجهة التوظيف السياسي لتوحيد حلب في حسابات أطراف النصر: هل يكمل النظام الحرب الى النهاية في بقية مناطق سوريا أم يفتح بابا لتسوية سياسية؟ هل يذهب النظام والمعارضون الى كازاخستان للتفاوض على تسوية بناء على مبادرة الرئيس فلاديمير بوتين بالاتفاق مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان؟ وكيف ينفذ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب مشروعه لاقامة مناطق آمنة في سوريا على ان تدفع الكلفة دول الخليج؟

مهما يكن، فان من الصعب تجاهل ما قبل حلب، وسط الأحاديث والنظرات والسيناريوهات المختلفة لما بعد حلب. ففي العام ٢٠١١ كانت سوريا كلها بلدا يمارس سيادته كاملة ويحسب الجميع حسابه كلاعب اقليمي ويتمتع بالأمن شبه المطلق تحت عيون أجهزته الأمنية القوية. وكانت هناك أيضا أزمة مع النظام مكبوتة تتفاعل في السرّ الى ان انفجرت بعد تعذيب الأطفال في درعا. اليوم سوريا ملعب مملوء باللاعبين الاقليميين والدوليين وتدور فوقه حرب تستقطب المسلحين من نحو مئة بلد، وفيه دولة خلافة داعشية. وامارة لجبهة النصرة، وفي حاجة الى روسيا وايران وحلفائهما لحماية النظام.

وكل ما يحدث في الحرب من انتصارات لا يلغي الأزمة الوطنية والسياسية التي سبقت الحرب، ولا يغني عن حاجة الجميع الى حلّ سياسي. وهذا كان التحدّي في بداية الانتفاضة، وبقي خلال الانفجار، وسيبقى كيفما انتهت الحرب.