أحداث «حلب» الأخيرة فتحت أبوابا ونوافد على كثير من الوقائع والتوقعات، ودفعت إلى مزيد من مراقبة ما يجري هناك، بدءا بالحرب الضروس التي سبق أن شنها النظام على المدينة التاريخية، جنبا إلى جنب إيران وميليشياتها المستقدمة من أمكنة قريبة وبعيدة، لا يجمعها معا إلاّ الرابط المذهبي والإستنفار الإيراني والإستغلال الروسي المرافق لها بطلعات جوّية على مدى الليل والنهار، أدت في مراحل سابقة إلى قطع الطرقات والمنافذ على المعارضة السورية، وكان هناك منْ صرخ بأعلى صوته وبحركات أصابعه التحذيرية: إنتظروا نتائج معركة حلب حيث تلوح بوادر النصر الإلهي من بين لمعات سيوفها وحصار سكانها وهزيمة مقاتليها. وانتظر الجميع، فإذا بهم يرون ما يدهش: إنقلب السحر على الساحر، وإذا بالمعارضة السورية تنسى خلافاتها وتهرع إلى وحدتها وتصب جام نيرانها على كل من له علاقة بالنظام السوري وملحقاته، وإذا بالطيران الروسي يهرع إلى الساحة الحلبية مجددا يصب حممه على كل أحيائها ومساجدها ومستشفياتها ومدارسها وكل معالم الإنسانية والحضارة فيها، والنتيجة ظلتِ طوال الأيام القليلة الماضية، واحدة، بوقائعها ونتائجها وحصيلتها العسكرية، وتمثلت في اختراق كلّ الحصارات القائمة واستعادة معظم الأماكن التي سبق للنظام وملحقاته أن استولوا عليها، واحتلال عدد كبير من المواقع الإستراتيجية التي كان للنظام وزن فيها، ومن بينها ثكنات عسكرية طرد منها ما جرت العادة على تسميتهم «بالشبيحة» وملحقاتهم، وتمّ الإستيلاء على كمّيات من السلاح والذخيرة ذات التمويل الإيراني والمصدر الروسي، وهي التي مثلت قواما أساسيا، إعتمده الثوار في متابعة مهامهم التحريرية من قلب حلب إلى ما حولها، وصولا إلى أكثر من مكان وأكثر من محيط عائد للنظام.
ما دفعنا إلى ذكر غنائم السلاح والذخيرة التي تم الإستيلاء عليها وشكّلت جزءا من تلك الإندفاعات المعارضة المستجدة، تلك الأنباء التي توافرت مؤخرا عن كميات ضخمة من الأسلحة المتطورة التي أودعت على سبيل الأمانة في تركيا، وقامت القوى العسكرية التي نفّذت ذلك الإنقلاب الفاشل بمنعها من الوصول إلى الساحة السورية حيث كان يمكن لصواريخها الأرضية والجوية أن تقلب الأوضاع رأسا على عقب، ولكن الضغوط الأميركية كانت قد فعلت فعلها لدى العسكر الإنقلابي من جهة ولدى تردّد الحكومة التركية آنذاك أمام تلك الضغوطات وأمام جملة من المصالح التركية التي دفعت بها إلى مصالحة مستعجلة مع روسيا التي يشاع في هذه الأيام بأوسع السبل الإعلامية، بأنها هي التي كشفت لأردوغان مشروع الإنقلاب التركي، وتركيا اليوم، ومعها الثوار السوريون وكثير من مواقع العالم العربي، في انتظار نتائج زيارة أردوغان إلى روسيا وتوقعات تلك المقابلة التي تمت ما بين الرئيسين أردوغان وبوتين، فعلى ماذا اتفق الزعيمان في ما تعلق بالساحة السورية، حيث ستكون قراراتهما بصددها هي الأهم والأصعب؟ هل يكتفيان بحفظ مصالحهما المشتركة، وفي طليعتها مصلحة تركيا، في لجم الإندفاعات الكردية باتجاه تحقيق نوع من الإستقلال الكردي المعادي لتركيا والمهدد لكيانها ووجودها القوي والموحد، أم يتجاوزان هذه المصالح إلى تحقيق بعض الحلول على الساحة السورية؟
هل يتناسى الأتراك ما سبق لهم من تصرفات وإجراءات ووعود بالصدد السوري معاداةً لنظامه إلى درجة الرفض الكامل لبقاء الأسد في السلطة؟ وما هو دور الولايات المتحدة الحقيقي في هذه المعمعة القائمة، خاصة وأن الأتراك يشيرون بالأصابع الواضحة والفاضحة إلى دور الولايات المتحدة في الإنقلاب العسكري التركي الفاشل؟
استنتاجات وتوقعات وترقب لمزيد من الإستعدادات العسكرية المتقابلة وعمليات الكرّ والفرّ القائمة في إطار مدينة حلب خاصة وأن الفرقاء المتقاتلين على الساحة السورية يتحضّر كلٌّ منهم لمعركة مقبلة يذكر أنها ستكون حاسمة ومصيرية، ومدخلا إلى حل ما، قد يبقي الأسد وقد يزيله من مواقع السلطة؟ هل يبقى الوضع السوري إذا على حوافي الهاوية إلى أن ينجز فريق ما نصرا عسكريا نهائيا ما، أو يتمم المجتمع الدولي مراحل تفاهماته وتخطيطاته الغامضة، القائمة فوق وتحت الطاولات؟
وفي الإنتظار يبقى لبنان مربوطا بعشرات الجهات والدول والمصالح المتناقضة، ونبقى بين المتسائلين، هل كتب علينا في لبنان أن ندفع كل هذه الأثمان الباهظة والمتفاقمة.
وفي الإنتظار كذلك: هل ترسم «حلب» بمستجدّاتها مصير سوريا، ومصير المنطقة بأسرها، بما فيه المصير اللبناني، بكل تعقيداته.
باقون على السمع، في مواقع التنبه الشديد، و«يا دارة دوري فينا، تننسى أساميهن وينسوا أسامينا».