IMLebanon

حلب.. بيروت

ليست حلب المدينة الأولى في التاريخ العربي الحديث التي كان «انتصار» أعدائها في معركتهم ضدها، نقطة تحوّل باتجاه خسارتهم الحرب.

ولا تضير هذا الرأي شبهة الأماني فيه! ولا الانفعال المضاد لسيادة الوحشنة من جديد! ولا الإمعان في الاندهاش من كثرة الغلط إلى هذا الحدّ! ومن تجرّؤ الطغاة على الذكاء العام! واستسهالهم الوقاحة في إلباس جرائمهم ثياباً موشّاة بشعارات تدغدغ عصب العامة أينما كانوا.. كأن يقول هؤلاء مثلاً، إن «انتصارهم» هو على الإرهاب في حلب الشرقية! وإن آلافاً مؤلّفة من أهلها هم خلايا مستيقظة (وليست نائمة!) في تنظيمات تكفيرية روّعت وتروّع المدنية الآسرة المشعّة في زوايا النظم الفاضلة الممتدة من طهران إلى موسكو إلى بغداد مروراً بصاحب السلطة المفترى عليه في دمشق، وهو التنويري الحداثي المدني الدولتي المؤسساتي الحقوقي الديموقراطي التام الوضوح والكمال!

ولا بأس من المقارنة، برغم كثرة المطبّات: في صيف العام 1982 حاصرت إسرائيل بيروت ولم تترك شيئاً في خزائنها العسكرية إلا واستخدمته. وطريقة همجية وحشية إلا واتبعتها. وتمكنت في الخلاصة من «تحرير» العاصمة من منظمة التحرير الفلسطينية، بعد أن دمّرتهما (المدينة كما المنظمة!) مستفيدة من جملة عوامل مُضافة كثيرة ومتشعبة محلية وخارجية، أبرزها «الموافقة الأميركية» وأسفلها أطنان من الإدانات والاستنكارات التي لم تُنقذ طفلاً واحداً من ضحايا ذلك الصيف الحار!

كان الوضع الفلسطيني يومها يحتمل كل مثلبة وكارثة ممكنة! وكانت الأخطاء بل الخطايا المرتكبة في حق لبنان، دولة ومؤسسات وشرعية وسيادة ومجتمعاً سياسياً ومدنياً وطائفياً، كافية لتكوين «قضية» مضادة سهّلت على إسرائيل الكثير من الصعاب في الطريق إلى تحقيق هدفها! أي بمعنى ما، شيء شبيه اليوم بـ»القضية» المثارة ضد «الإرهاب» المتأسلم، الذي قام بما عليه! وقدّم ما يكفي من تبريرات للفتك بثورة السوريين عموماً!

والتوضيح واجب: ارتكابات السلاح الفلسطيني الداشر كانت حقيقية ومنظورة وكارثية، ولم تراع كرامات اللبنانيين بمن فيهم حلفاء «الخندق الواحد»! وهو الأمر الذي لم تتردد القيادة الفلسطينية لاحقاً، في الاعتراف التام والصريح به والاعتذار عنه وعن كل «التجربة» اللبنانية… في حين أن الفيلم الإرهابي المركّب حالياً، في حلب خصوصاً وعلى مساحة الجغرافيا السورية عموماً، يتضمن الكثير من الافتعالات والتركيبات والمؤامرات والصفقات والمخزيات المؤلمات، بما يكفي لقلب عاليها سافلها وصولاً إلى اعتبار بشار الأسد «منقذاً من الضلال» والنظام الإيراني المتهم برعاية الإرهاب على مدى سنوات وسنوات، «محارباً ضد الإرهاب»، ومثال غروزني الإبادي عيّنة يمكن استعارتها وتطبيقها في حلب على أيدي الاحيائي الروسي، ومن دون أي استطرادات خارج النص، أي باتباع سياسة الأرض المحروقة حرفياً واستهداف المدينة بأهلها، من دون أي تمييز!

.. سقطت بيروت و»انتصرت» إسرائيل! لكن لم يطل الوقت، قبل أن تنطلق مسيرة مضادة انتهت بهزيمة إسرائيلية – أميركية مزدوجة لا غبار عليها! بغضّ النظر عن التفاصيل والأدوات والحيثيات.. إلخ!

هذا سرد للتاريخ وليس تفسيراً ولا تحليلاً له! ووظيفته الأولى، القول، من دون أي تنظيرات وتكبير أحجار، إن «قضية» حلب لن تختلف في الموضوع السوري، عن «قضية» بيروت في الموضوع اللبناني! وإن المقاومة المضادة التي انطلقت من العاصمة اللبنانية (ولم يكن «حزب الله« موجوداً يومها لو سمحتم!) جعلت «المنتصر» يئنّ تحت أثقال «انتصاراته» وصولاً، ولو بعد ربع قرن، إلى خروجه ذليلاً مكسوراً منتوفاً من آخر نقطة حدودية محتلة!

.. وبالتالي ولإكمال حلقة المقارنة: هناك «قرار» موجود اليوم باستمرار «المقاومة» في سوريا! ضد المحور الإيراني – الروسي وملحقاته الأسدية. وليس من الحصافة في شيء الظن بأنها ستكون مقاومة أقل وطأة على «المحتلين» من تلك التي قامت في لبنان؟ ولا حاجتها إلى ربع قرن قبل أن تنتصر!

.. «وتلك الأيام نداولها بين الناس»!