سقطت حلب بيد النظام والتحقت بسائر المدن الكبرى، دمشق وحمص وحماة واللاذقية، التي يسيطر عليها النظام صورياً، فيما السيطرة الفعلية هي لروسيا جواً ولإيران وميليشياتها براً. فقد تبدلت موازين القوى الإقليمية بما صمّ آذان الإقليم والعالم عن صرخات نساء وأطفال يُقتلون بوحشية في ظل استحالة خروجهم من المحرقة، بعد انهيار اتفاقات هدنة إنسانية عدة ووقف لإطلاق النار وآخرها بالأمس بين الولايات المتحدة وروسيا بمشاركة تركيا.
سقوط عاصمة سوريا الاقتصادية بيد النظام كان ثمنه تدمير شبه تام لمدينة تميزت بأهمية تاريخية وثقافية وقلعتها مسجلة على لائحة التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو، لكن ذلك لا يعني حكماً نهاية الحرب أو أنه يقضي على «داعش»، بل قد يؤدي الى تناسل جماعات متطرفة وأكثر تطرفاً رغم خسارة المعارضة كثيراً من أراضيها. كما أنه لن يساعد في التوصل الى حلّ سياسي متوازن خصوصاً أن داعمي المعارضة لم يعد بإمكانهم اشتراط شطب بشار الأسد من المعادلة، لتكون بذلك مرجعية «جنيف واحد» قد دفنت، لتحيا مرجعية «فيينا» التي قالت بحكومة وحدة وطنية مع الأسد.
فمع تسلّم الرئيس الاميركي الجديد دونالد ترامب رسمياً مقاليد الحكم في العشرين من الشهر المقبل تكون روسيا وإيران قد استعادتا حلب، لكن السؤال الأساسي يتمحور حول موقف روسيا: هل ستنجرّ الى معارك إضافية أم تمسك بيد الأسد الى طاولة التفاوض السياسي؟ لكن التطورات وحشد المنسحبين من حلب، مدنيين ومقاتلين، في إدلب يوحي بأنها ستكون المحطة التالية ولو بعد حين. كذلك ماذا عن مستقبل الحلف الروسي – الإيراني وهو ليس استراتيجياً إنما منبعه تقاطع مصالح في سوريا بالذات. فإعلان طهران عن مقتل ألف من مواطنيها على الأراضي السورية يدرجه ديبلوماسي عربي في إطار المزايدة على روسيا.
لقد استغلت روسيا في الأشهر الأخيرة تراجع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لترسي قواعد جديدة منها استعادة حلب والتقارب مع تركيا بما سيرسم بالتأكيد حدوداً لمواقف ترامب المحتملة، لا سيما وأن التفاوض الأميركي – الروسي لا يقتصر على سوريا بل يشمل ملفات عدة.
فسياسة الرئيس الأميركي الجديد حيال سوريا وإيران لا تزال «المجهول الأكبر» في ظل ما يشي به خلاف بين تصريحات حملته الانتخابية حول القضاء على داعش والإرهاب بالتعاون مع الأسد وبوتين، ووزير دفاعه الجنرال المتقاعد جيمس ماتيس خصوصاً بشأن طهران.
فقد اعتبر ماتيس نظام إيران «أكثر الأخطار التي تهدد الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط» وهي تستغل «داعش» كذريعة» لتوسعها. فهي ليست عدو «داعش» بل تكسب الكثير من الاضطراب الذي يسببه هذا التنظيم في المنطقة. وفي تعليق على مواقفه قال موقع «تابناك» التابع للحرس الثوري الإيراني «هو يكره النظام الإيراني بشدة».
كما انتقد ماتيس تخييب أميركا أمل حلفائها في الإقليم مشيراً في مداخلة في «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» في واشنطن الى ارتباك إدارة باراك أوباما المنتهية قريباً عبر نقل تركيزها من منطقة الى أخرى: من الشرق الأوسط الى المحيط الهادئ، ما أدى الى «شعور أصدقائنا في الشرق الأوسط وأوروبا بقلق بالغ». ففعلياً تُعدّ سوريا أوضح هزائم أوباما، بعد فشله في فرض حلّ الدولتين لوضع حد للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وبعد أن أدى سحب قواته من العراق الى وقوعه في حضن إيران، كما وقعت أفغانستان بعد سحب قواته في يد طالبان، فيما الفوضى لا تزال تعمّ ليبيا.
ولسقوط حلب أسباب متعددة منها تناقض مرجعيات المعارضة بما أدى الى شرذمة سهلت اختراقها وأدت الى عجزها عن التوحد في إطار جامع، إضافة الى عجز عربي وإسلامي وضعف أوروبي، وذلك بعد أن حمتها لثلاث سنوات على الأقل خطوط حمر أولها من تركيا. لكن تركيا بسبب دعم واشنطن للأكراد وتلكوئها في دعم مطالبة أنقرة بمنطقة حظر جوي، وخصوصاً بسبب تأخر مساندتها، وكذلك من حلف شمال الأطلسي، في مواجهة الانقلاب الفاشل، التفتت ناحية موسكو خصوصاً لتأمن شر احتمال قيام كيان مستقل للأكراد على حدودها مع سوريا.