استبعدت مصادر ديبلوماسية في عاصمة كبرى أن تتحقق أي ضغوط فعلية سيمارسها النظام السوري على الحكومة اللبنانية، بعد «الانتصار» الدموي الذي أحرز من جراء القصف العسكري الروسي لحلب وإسقاطها. وهناك عوامل عديدة تقف وراء عدم تغيير لبنان لسياسة النأي بالنفس، كما تؤكد أن لبنان «لن ينسحب من هذه السياسة، وهي سياسة حكيمة ومتاحة في ظل الظروف الداخلية والإقليمية الموجودة».
ولاحظت المصادر أنه بعد سقوط حلب يمكن أن تكون هناك محاولات من النظام لإعادة النفوذ إلى لبنان. إنما كل الأطراف الخارجية تُدرك أن النظام ليس هو من يحقق الانتصار، ولا حتى حلفاءه الإقليميين، بل الانتصار تحققه روسيا. فضلاً عن أن أمام النظام مراحل طويلة وصعبة في سوريا يقتضي الاهتمام بها. فضلاً عن أن الأطراف تعتقد أنه حتى لو ربح النظام في معركة حلب، فإن ذلك لا يعني أنه ربح الحرب السورية.
في المسألة، أن النظام يحاول إعادة التموضع في الخارج وتكبير حجمه في مرحلة الوقت المستقطع الأميركي بين إدارة تودع وإدارة ستتسلم الحكم. فالعديد من الأفرقاء الإقليميين يحاولون أيضاً سلوك هذا المنحى، لكن بعد تسلم الرئيس دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة، سيعود كل طرف إلى حجمه الطبيعي. حتى أن ترامب وإن كان على علاقة جيدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكن الأمر لا يعني أنه سيسلم رقبته ورقبة بلاده إلى الروس، وأنه سينفذ لهم ما يريدونه هكذا، وبكل بساطة. ليس من الضروري حالياً أو بعد حين أن يصطدم مع روسيا، إلا أنه من المؤكد أنه سيقدم مصالح الولايات المتحدة على أي مصلحة أخرى.
وتشير المصادر إلى أن ترامب رجل مناورات، وليس بالضرورة ما يقوله سيعمد إلى تنفيذه بحذافيره. إنه مناور جمع ثروته بهذه الطريقة، وهو جيد في التفاوض والأخذ والرد. إنه الآن يُبدي مرونة تجاه الروس، لكن هذا لا يعني أنه سيسير في الخط الذي ترسمه القيادة الروسية التي تريد أن تتسلم المنطقة إن استطاعت. وبالتالي، لا يمكن التكهن بردّ الفعل الأميركي حيال روسيا وحيال حلفائها في سوريا، وإذا لم تتفق الدولتان العظميان، يمكن أن يحصل عداء بينهما. من المحتمل أن يتفاهم ترامب مع الروس، ومن المحتمل أن لا يتفاهما.
وتعتبر المصادر أنه بعد تسلم ترامب سيكون هناك مسعى أميركي لحل في سوريا على حساب السلطة القائمة. الروسي يهمّه أن يبقى النظام موجوداً، فقد تكون هناك خطة للإتيان بشخصية موالية للنظام بديلة من الأسد، الأمر الذي يمكن به إسكات العالم عن تصرفات الأسد، التي بحسب المصادر، أقل ما يُقال فيها إنها غير إنسانية.
أمام ترامب شهران لدراسة الملفات وسيسعى لإعطاء الحجم لكل اللاعبين في المنطقة، وسيضع الخطوط الحمر للمصالح الأميركية في العالم والمنطقة. فلا الروس يستطيعون تحمّل المزيد من الانغماس في سوريا، ولا الأميركيون أيضاً. كذلك لن يقبل الأميركيون باستمرار الأسد، بسبب وجود رفض دولي للتعامل مع النظام القائم. والروس ليست لديهم مشكلة إذا تم رفع العقوبات الدولية والغربية عنهم مقابل إيجاد حل معقول في سوريا. حتى مع إيران كلام ترامب يمكن أن يأتي على سبيل المناورات.
عندما يتسلم ترامب السلطة ويدرس توزيع مصالح أميركا في العالم، سيرسم خطته. إنه متناقض حالياً مع نفسه، في التفاهم مع بوتين ومجابهة إيران.
أما الأسد، وعلى الرغم من نتيجة معركة حلب، فإن المصادر تؤكد أن ذلك أثبت مزيداً من الضعف الذي وصل إليه، والسبب أن كل ما يتحقق على الأرض هو بفضل قوات دولية (روسية) وإقليمية (إيران) وميليشيات مستوردة من دول عدة، وهذا يدل على أن الإنجاز يعود لغيره، وأن مصالحه لم تعد في يده إنما وضعها في مصالح خارج حدود سوريا، ولم يعد في يده التصرف، بل مَن ساعده وانتصر فعلياً هو الذي سيقرر عنه، وليس واضحاً التوقيت الذي يتفق حوله الكبار، في أن وجوده في السلطة قد انتهى.
كل تصاريح الأسد لا سيما حول ضرورة تغيير لبنان لسياسة النأي بالنفس، تأتي لشد عزيمة حلفائه المضعضعين، ومن أجل أن لا يعتقدوا أنه لم يعد لديه وزن على الساحة اللبنانية وغيرها، وذلك بهدف أن يطالبوا بأقصى ما يمكن في الحكومة اللبنانية التي تتشكل، إلا أن هذه اللعبة أصبحت مكشوفة وكل الضغوط في هذا الإطار وغيره لم تعد تنفع.. ولن تنفع.