كانت ثورة «الحجارة» في فلسطين المُحتلّة في بداياتها، عندما أطل الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله على الإعلام ليقول من جملة ما تحدّث به في حينه: «لا نريد أن يتحوّل قتل المواطنين الفلسطينيين إلى أمر عادي في يومياتنا». اليوم وبعد مرور كل تلك السنوات على بداية الثورة، أصبح «حزب الله» هو من ينظر إلى مقتل الشعب السوري بشكل يومي، بأنه أمر عادي يمر مرور الكرام في يومياته.
لا يحتاج «حزب الله» إلى من يُذكّره بالجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في لبنان إبان اجتياحها له، ولا إلى الأذى المتنوّع والمُتعدد الذي تسبّبت به للشعب اللبناني عموماً والجنوبي على وجه الخصوص، ولكن يبدو أنه بحاجة إلى من يُذكّره أو يُنبهه بأنه يقف إلى جانب حليف يهوى مشاهد الدماء ويتلذّد بقتل الأطفال وتأخذه النشوة عند سماعه بكاء الأمهات والآباء. ولا يحتاج الحزب إلى من يوقظه من غيبوبة الدماء التي يغرق فيها عن طريق دعمه لسفّاح دمشق الذي حوّل ليل «حلب» ونهارها، إلى لهيب مُشتعل وأحياءها ومنازلها إلى مستشفيات ميدانية، تُعالج جرحاها بالمياه والدعوات لهم بالشفاء.
افتتح «حزب الله» وحلفاؤه «المُمانعون» مدينة «حلب» بأريافها، ميدان حرب لكل من يهوى الدماء والقتل وإلى واحة استقبال لوافدين عرب وأجانب، جميعهم يسعون إلى الاستثمار بدماء أطفالها. صور لضحايا تعجز الألسنة عن وصفها، أفظعها لطفلة شهيدة لم تتجاوز العام فارقت الحياة وهي ترفع أصبع يدها الصغير نحو السماء، وكأنها أرادت قبل الرحيل الأخير، أن تُشهد الله والعالم على موت مجّاني يوزّعه نظام بشّار الأسد بين أحياء الفقراء، فيما يتولّى حلفاؤه الإجهاز على من كُتب له أن التأكد من بصمات الإجرام، لكي لا تبقى حقيقة تشهد عليهم أمام عدالة الدنيا.
«مسرح» حلب الغارق في الدماء والذي كان قد افتتحه النظام بالتعاون مع حلفائه، شكّل بالأمس نقطة للكشف عن زيارة كان قد قام بها أكرم الكعبي، قائد ومؤسس «حركة النجباء» العراقية التي تُقاتل إلى جانب «حزب الله» و»الحرس الثوري الإيراني، وذلك آخر أيّأم عيد الأضحى الفائت ضمن زيارة تفقدية لعناصر ميليشياته. وقالت مواقع للمعارضة السورية بأن الزيارة أظهرت السيطرة الكاملة لهذه الميليشيات على مطار حلب الدولي وهذا ما بيّنته أعلام «حركة النجباء«، والعبارات الطائفية، وقولها إن المطار ما عاد يُستعمل من قبل قوات الأسد منذ فترة بعدما سيطرت عليه ميليشيات تتبع مباشرة لإيران. وتشير معلومات إلى أن إيران استقدمت إلى مناطق مُحددة في حلب في الفترة الأخيرة، مقاتلين شيعة من أفغانستان تحت ذريعة حماية المراقد الشيعية بعد إيهامهم بأن الحرب التي تُخاض هناك، حرب دينية مقدسة.
تتشابه أجسادهم المُمددة في الأحياء وعند مداخل المستشفيات وداخلها. لا لون لموتهم ولا أصوات تدل على أماكن أوجاعهم. الجميع في «حلب» يرحلون مُرغمين عن هذه الدنيا من دون أن تشفع لهم صرخات الأمهات وبكاء عيون الآباء ولو بصمت. ومرّة جديدة، ينصاع الحلف الإيراني وعلى رأسه «حزب الله» إلى قرارات الموت التي يوزّعها بشّار الأسد وأحكام الإعدام التي يأمر بتنفيذها بحق الأبرياء. و»حزب الله« الغائب الأبرز عن حلقات الاستنكار لما تتعرض له «حلب» وأهلها، يُصرّ إعلامه على مُجافاة الحقائق وتصوير المجازر على أنها من فعل «الشيطان»، وأفعال «الشيطان»، رجس، لا يجوز الإقتراب منها.
داخل بيئة «حزب الله»، ثمة تناقض لجهة حرب الإبادة التي تحصل في «حلب» والتي يُعتبر الحزب أحد أهم الأطراف المشاركين فيها. ثمة فئة توافق إعلام «حزب الله» بتحميلها الفصائل المسلحة، مسؤولية المجازر تحت حجّة تقليب الرأي العام على نظام الأسد، وتذهب هذه الفئة أبعد من الدفاع عن أنظمة القتل حين تدّعي أن الحرب تستلزم في بعض جوانبها سقوط ضحايا أبرياء لكي يكتمل «النصر». في المقابل، تنتفض فئة أخرى على هول المجازر والجرائم، وتُحمّل الحزب وإيران، المسؤولية إن من خلال المشاركة بشكل مُباشر، وإن من خلال تغطيتها عبر تضليل الرأي العام وتحميل مسؤوليتها لأطراف غير النظام القاتل.
أبرز الأصوات الشيعية التي صدحت أمس باستنكارها لمجازر «حلب»، الأمين العام السابق لـ»حزب الله» الشيخ صبحي الطفيلي حيث قال: «كربلاء هذا العام في حلب، ورضيع الأمام الحسين تحت أنقاض البيوت».