لن يعطي «القيصر» فلاديمير بوتين، «الضوء الأخضر« للرئيس بشار الأسد، ليهاجم حلب. لم يحن، برأي موسكو، الوقت لخوض «أم المعارك» في سوريا. يرى عائدون من سوريا، أن «القيصر»، لن يشعل «الضوء الأحمر» الذي ينتج كسره من الأسد، مخالفة جسيمة. سيبقى على «الضوء الأصفر».
العائدون من دمشق، يؤكدون أن موسكو لن تشارك بالطيران في أي معركة في حلب على المدى المنظور. لكن هذا القرار لا يحول دون مشاركة كتيبة مدفعية أو أكثر من أحدث الكتائب عدة وعدداً في المعركة، وليتحمل الأسد والإيرانيون المسؤولية كاملة. أما موسكو فإنها ستبقى الرابحة الكبيرة، في حالتَي الربح والخسارة. في الأولى، لأنه يمكنها القول إن «مدفعيتها الثقيلة والحديثة (عملياً ستتم تجربتها ميدانياً لتحديد ايجابياتها وسلبياتها، كما حدث في أسلحة أخرى، من السوخوي الى الذخائر الجديدة النوعية) هي التي لعبت الدور الأهم، وإذا فشل الهجوم «وتكسرت أسنان» الأسد وحليفه الإيراني، يكون قد تلقى «درساً» لا ينسى، بحيث لا «يتنمّر» كلما حقق مكسباً ولو محدوداً.
مجزرة «مستشفى القدس» في حلب، أكدت وجهة نظر موسكو حول عدم المشاركة مباشرة بالطيران. لقد وضع الأسد معركة حلب قبل أن تقع عارية أمام العالم. وجود المستشفى تحت رعاية «أطباء بلا حدود»، أكد «الكارثة» التي وقعت ومسؤولية طيران الأسد عنها.
مقتل آخر طبيب أطفال في حلب مأساة إضافية. لا يمكن للعالم أن يبقى «أعمى» أمام «كارثة» في عملية قصف واحدة فماذا عن «كوارث» هجوم كبير؟
التباين الروسي – الأسدي من معركة حلب، قائم على خلاف حقيقي وعميق. موسكو تريد نجاح الحل السياسي في جنيف والذي يتطلب «هدنة» ميدانية مقبولة كما حدث في البداية لتنجح المفاوضات، علماً أن هذا النجاح يتطلب تقديم تنازلات حقيقية. أما الأسد فإنه لا يريد أي حل سياسي لأنه سيكون على حسابه حتى ولو كان جزئياً فكيف إذا كان لا مكان له في الحل سواء في الغد أو بعد 18 شهراً؟!.
سيبقى الأسد «مسمار جحا» روسياً يستخدمه «القيصر« حسب متطلبات نقلاته على رقعة الشطرنج. لا يمكن لـ«القيصر» «اللعب»، إلا بعد أخذ الموقف الأميركي في كل حساباته. الرئيس باراك أوباما، يتابع تفاهماته مع «القيصر» نقلة بعد نقلة» على «الرقعة» السورية. في ذلك، على موسكو أن تأخذ في حساباتها وصول 250 جندياً من المارينز الى سوريا الأمر الذي رفع عديد المارينز الى ما يقارب الألف. دمشق احتجت على وصول العدد الجديد في حين التزمت الصمت الكامل الى درجة السرية عندما وصل الجنود السابقون وعملوا على تحديث مطار للهيلوكوبتر. ترجمة ذلك أن دمشق التقطت الاشارة الى أن معركة حلب، ليست ولن تكون قراراً سورياً إيرانياً آحادياً.
طهران «الخامنيئية« تبدو متحمسة جداً لمعركة حلب، وهي تدعم الأسد بقوة. لذلك يكثر قادة الحرس وحتى الجيش، التصريحات عن «المتطوعين« الإيرانيين الذين يقاتلون الإرهاب و»داعش». في الوقت نفسه يعود بعض القادة الى الطرح المذهبي فيؤكدون أن الجنود الذين «تطوعوا» إنما قاموا بذلك لحماية «المقامات الشيعية» في سوريا. يوجد ما يقارب «لواء» إيرانياً (ثلاثة آلاف جندي وحرس) بحسب التقديرات الواقعية ومعهم قوات «حزب الله» والعراقيون والباكستانيون والأفغان. رغم أن عديد الميليشيات الشيعية يصل بحسب معلومات محايدة الى ثلاثين ألفاً، فإن انتشارهم على جبهات عديدة، لا يمكنهم من خوض معركة حاسمة في حلب من دون الطيران الروسي. الى جانب هذا العجز، فإن الخسائر ستكون ضخمة. سبق للإيرانيين والحزب أن خاضوا معركة محدودة في حلب، وكانت الخسائر فيها مؤلمة ومؤثرة فكيف في «أم المعارك»؟
ما يدفع موسكو الى ترك طهران تجرّب قواتها في حلب، أن العلاقات الروسية الإيرانية ليست مستقرة، إذ تشهد صعوداً وهبوطاً يصل أحياناً الى حال من التوتر. من مظاهر ذلك أن المرشد آية الله علي خامنئي لم يستقبل وزير الدفاع الروسي عندما زار طهران اخيراً. ردت موسكو على ذلك في لقاء وزير الدفاع الروسي نظيره الإيراني في «فندق أوكرانيا«. لا يكفي أن يقال إن حريقاً التهم جزءاً من وزارة الدفاع لتبرير مثل هذا اللقاء في الفندق. وإذا لم يلتقِ الوزير الجنرال دهقاني الرئيس فلاديمير بوتين، تكون «الرسالة» كاملة العنوان.
يبقى أن هذا التوتر ينعكس حكماً على حال لبنان الذي مُنح فرصة يتيمة لأن يكون الاستحقاق الرئاسي لبنانياً، ولم تلتقطها القوى السياسية مثل الجنرال ميشال عون أو رفضتها مثل «حزب الله». حالياً لبنان يشكل عقدة القطع والوصل في الأزمات العالقة في المنطقة، خصوصاً السورية منها. قد تسنح فرصة أخرى للبنان عندما يوقع الحل للحرب اليمنية في الأشهر القليلة القادمة. لا يكفي أن تكون «اليد الاقليمية الدولية» جاهزة، يجب أيضاً أن تكون «اليد اللبنانية» جاهزة ومستعدة لخوض «التجربة».
في حال الفشل فإن على لبنان واللبنانيين الوقوف في الصف وسط صيف أكثر من حار، حتى ربيع 2017.