قد يكون أفضل اختصار لواقع الحروب العنيفة التي تدور في حلب هو ما صرّح به بالأمس وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت «حتى إذا استعاد الأسد حلب فالحرب لن تنتهي» وهو تصريح استبق به زيارته لموسكو ولقاءه اليوم سيرغي لافروف وزير الخارجيّة الروسي ولا يعوّل أحد على هذا الحراك الدولي من اللقاء الدولي الخماسي ولا مشروع القرار الفرنسي المنتظر تقديمه لمجلس الأمن وسيكون مصيره التعثّر بڤيتو روسي، وجُلّ ما تمخّض أو سيتمخّض عنه الموقف الفرنسي هو البيان الذي صدرته الرئاسة الفرنسية وصفت به المجازر التي يرتكبها الطيران الروسي بأنّها «تعديات غير محتملة»!!
في مطلع العام الحالي وصفت صحيفة «واشنطن بوست» الاميركية ما يجري في حلب وجوارها بأنّه «حرب عالمية مصغرة» وبالأمس كشفت صحيفة «واشنطن بوست» أن الإدارة الأميركية بدأت تبحث خيار توجيه ضربات عسكرية محدودة للنظام، فيما تحدّثت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن أنّ تسليح المعارضة هو ضمن خيارات «الخطة ب» في سورية، وأنّ هذا التسليح قد ينحصر بأسلحة ضد الطائرات من نوعيّة لن تسمح بخلق توازن، ولا يوجد عاقل واحد في العالم العربي يعوّل على أي حديث أميركي عن ضربات أو تسليح، خصوصاً وأن التجربة في سوريا مع الأميركي تحديداً شديدة المرارة، بصرف النظر عن توبيخ جون كيري وزير الخارجية الأميركي ـ أكبر حليف للنظام السوري ـ بالأمس لروسيا و»قرارها الطائش وغير المسؤول «بدعم بشّار الأسد وتغاضيها» عن استخدامه غازَ الكلور والبراميل المتفجرة بصورة بشعة، وأنّها تُطبّق سياسة الأرض المحروقة بدل الديبلوماسية، وكأن أميركا لم تتغاضَ أو أنّ موقفها من الصراع في سوريا ليس دعماً لنظام بشار الأسد المجرم؟!
ما يحدث في حلب وفي سوريا عامّة، يشبه إلى حدّ كبير ما شهدناه في لبنان على «محاور» الحرب الأهليّة، يتذكّر اللبنانيّون بشدّة كيف كان سقوط المحاور «خطّ أحمر»، وهذا الوضع ينطبق على سوريا التي تتنقّل الحرب بين جبهاتها من مدينة إلى أخرى من دون أن تسفر هذه الحروب المتنقلة عن نتيجة سوى الدّمار الشامل الذي يلحق بسوريا ومدنها وقراها، حتى التفوّق الإجرامي للطيران الروسي والأسدي لم يسمح بإنهاء حرب وضعت عشرات التواريخ لانتهائها بانتصار النظام وباءت بالفشل، والوضع سيستمر على هذا المنوال وتماماً مثلما وصفه وزير الخارجية الفرنسي «حتى لو سيطر الأسد على حلب الحرب لن تنتهي في سوريا»، والتجربة في لبنان خير مثال فطوال خمسة عشر عاماً ظلت كلّ المحاور في حال توازن حتى طرأ تغيير على المعادلة والموقف الدولي.
«تهدئة اللعبة» هي المناورة التي سيلجأ إليها النظامين المجرمين الروسي والأسدي، على الأقل هذا ما لاح في أفق نظام بشار الذي صدر عنه بالأمس ما أسماه إعلان الجيش السوري قراره «تقليص» عدد الضربات الجوية والمدفعية على مواقع «الفصائل المعارضة» في الأحياء الشرقية في مدينة حلب، وأن القرار يأتي بعد التقدم الميداني الذي أحرزه!!
ما يحدث في حلب حرب عالميّة على الشعب السوري، العالم كلّه عربٌ وعجمٌ وغربٌ وشرقٌ متورطون فيها عن سابق تصميم ووعي وإدراك، ومن دون أدنى حساب للمشاعر الإنسانيّة التي يسحقها الألم وفقدان القدرة على مشاهدة أطفال ورضع سحقت أجسادهم الصغيرة تحت أسقف منازلهم، أو تنتشل أبدانهم الصغيرة من تحت أنقاض قتلت عائلاتهم وتركتهم وحيدين يواجهون مصائر مؤسفة، من دون أن يرفّ جفن لدول اللقاء الخماسي ولا دول مجلس الأمن ولا أميركا ولا روسيا، ولا العرب أولاً وقبل كلّ هؤلاء، كلّهم شركاء في الجرائم الكبرى التي تحدث في حلب وفي سوريا كلّها!!