Site icon IMLebanon

حلب غلبت جنيف

اذا كان من المسلم به ان التبدل الحاصل في الميدان السوري، كان نتيجة التدخل الجوي الروسي، فإن أضعف الايمان ان يحصل تبدل في المسلمات السياسية التي استندت اليها القوى المعارضة للنظام السوري داخليا واقليميا ودوليا.

وأولى المسلمات التي سقطت كانت المطالبة بتغيير النظام واقامة نظام موال للولايات المتحدة وتركيا ودول الخليج العربية. أي نقل سوريا من المحور الروسي – الايراني والحاقها بالمحور الغربي – التركي – الخليجي. وكان من شأن ذلك ان يبدل الخريطة السياسية للمنطقة كلياً ويفسح في المجال لقيام نظام اقليمي جديد للمرة الاولى سيكون رأس حربة ضد ايران وروسيا. وعندما أدرك المنادون بالتغيير الجيوسياسي في سوريا استحالة تحقيقه، بات هدفهم تخريب سوريا على الاقل وعدم اتاحة الفرصة لعودتها كما كانت قبل 2011.

وكما كان الدعم الاميركي والتركي والخليجي نقطة تحول في الميدان السوري لمصلحة جماعات المعارضة المسلحة منذ أواخر 2011 وحتى 30 أيلول 2015، تاريخ التدخل الجوي الروسي، أتى الدور العسكري الروسي ليفرض وقائع جديدة في الميدان ويقلب المعادلة لمصلحة النظام أو بالحد الادنى ليبعث برسالة روسية واضحة لا لبس فيها هي ان الرئيس فلاديمير بوتين قرر ألا يخسر مصالحه في سوريا وتاليا في شرق المتوسط ولو كلفه ذلك الانخراط عسكريا في حراسة مصالح روسيا في الشرق الاوسط. استناداً الى التجارب التاريخية، عندما تندفع روسيا عسكرياً فإن تركيا تتراجع الى حدودها وتدرك ان الدخول في مواجهة عسكرية مع الدب الروسي غير مأمونة العواقب حتى لو كان حلف شمال الاطلسي يدعم أنقرة. أوليس لافتاً كيف تبخرت كل تهديدات المسؤولين الاتراك عن المنطقة العازلة او منطقة حظر الطيران في سوريا منذ حلقت “السوخوي” في الاجواء السورية؟ وها هي أنقرة تدفع ثمن اسقاطها القاذفة الروسية في تشرين الثاني الماضي، من خلال عودة الجيش السوري الى الحدود التركية في محافظة اللاذقية. وهذا أمر لم يكن متخيلاً قبل 30 ايلول 2015، لكن الوقائع اليوم تدل بما لا يدع مجالاً للشك على ان روسيا هي من يعيد رسم الخرائط على الارض السورية وليس الولايات المتحدة أو تركيا أو الدول الخليجية.

والوقائع العسكرية الجديدة على الارض السورية تستتبع كلاماً آخر في السياسة. وما كان جائزاً قبل استعادة ريف حلب الجنوبي ومعظم ريف اللاذقية الشمالي والشيخ مسكين وفك الحصار عن كويرس ونبل والزهراء واستعادة المبادرة في الغوطة الشرقية، لم يعد جائزاً بعده. وعليه لا يعود مستغرباً ألا يجد “جنيف3” مكاناً في الميدان السوري.