IMLebanon

حلب… في مواجهة الصمت الشامل

 

لا أنكر أنّ، قلمي بات يهتز بين أناملي كلّما حاولتُ التطّرق إلى المأساة السورية، قلمي وكل قلم يكتب بأحاسيس وطنية وإنسانية، لم يعد يحتمل آثار الموت والدمار في بلاد هي على « مرمى حجر « من بلادي، وفي مدينة حلب المرتبطة بحضارات العالم القديم والحديث، بجذور العراقة والثقافة والإبداع الفني والإعماري، وقبل كل شيء، حلب المستشهدة بين أبنائها المستشهدين، تشدّها إلى نفوس الناس وضمائرهم وإلى كلّ قلم غاضب ومرتجف من هول القصف وعمليات الإبادة الجماعية التي يلقاها شعب عريق ومدينة تعبق بأنماط الحضارة الأصيلة من خلال تلك الشوارع والأزقة والأبنية والقلاع الأثرية والمساجد والكنائس والمستشفيات التي أصبحت مدفونة تحت أكداس الأنقاض، ومجبولة بحقدٍ يصعب أن تجد مثيلا له بين البشر، وأطماعٍ سياسية وطائفية ومذهبية تطمح إلى التهامِ أقصى قدر ممكن من سوريا المنكوبة بحكّامها واستحكام الطامعين بها وبمصيرها.

قلمي يهتز بين أناملي وأنا أكتب وأوّثق، وأسمع بأخبار الطلعات الجوية التي لا تهدأ، ولا تهدأ معها عمليات القتل والإبادة الجماعية لأطفال لا حول لهم ولا قوة، ونساء يطاولهن الموت وأياديهن تغمر فلذات أكبادهن علّهنّ يدفعْنَ عنهم ظلمة المدافن الجماعية، تحت أنقاض منازلهم وأحيائهم، ويسوءنا ويذهلنا ألاّ نسمع حول هذه المأساة المستمرة إلاّ أصوات القصف المستمر ودويّ الغارات والقنابل والصواريخ، وألا نسمع إلاّ صراخ المقصوفين الذين يحاول من بقي منهم على قيد الحياة، إستخراج الجثث الغضة من تحت الأنقاض، وألاّ نسمع إلاّ احتجاج المحتجين واستنكار المستنكرين، ووعيد المتوعّدين، بينما المأساة تستمر بضراوةٍ أشدّ، وحقدٍ أقوى، وشراسةٍ لا تستكين.

الولايات المتحدة، تكاد ألاّ تخفي تفاهماتها مع روسيا في الوقت نفسه الذي تمعن فيه في عمليات التخفّي والتلطّي والمراوغة التي تظهر بوضوح من خلال تصريحات وزير خارجيتها العتيد، وكل ما يهم رئيسها أوباما الذي بات على موعد قريب مع الخروج من موقعه الرئاسي، أن يحظى بالتكريم، وأن يوضَعَ في مقام «القادة التاريخيين» للولايات المتحدة، والتاريخ براء من هذا الموقع «السامي» المجبول بدماء الإبرياء وأرواحهم الطاهرة.

وروسيا التي تؤيد الأسد في غاراته وتساهم معه بطيرانها في عمليات القتل الجماعي والمساندة بشتى أنواع المواقف الخارجة عن أي نطاق إنساني وأي تفهّم لأعمالها وأفعالها التي لا بد وأن تلقى تعاملا وطنيا مجابها لها ولما تركته من بصمات سيئة ومجرمة في التاريخ الحديث، تناولت منطقة الشرق الأوسط وأصالتها الوطنية، مركزة على سوريا وشعبها ومدنها وقراها بأعمال إبادة جماعية تفوقت فيها على داعش في أشد جرائمها همجية. حتى أصدقاء سوريا وبينهم بلاد عربية وإسلامية وغربية عرف عنها تحسسها القومي والديني، تكاد أن تكون صامتة لا يصدر عنها إلا عبارات الإستنكار والأسى والأسف، مثلها مثل أي مواطن عادي في أي بلد منكوب لا حول له ولا قوة. كنا إذا أصابتنا مصيبة أقلّ حجما وأثرا يهب المجتمع الدولي والمجتمعات المحلية محاولة درء ما أمكنها من مواجع المأساة وآلامها، اليوم لا حركة تذكر في أي مكان، حتى البلاد العربية والإسلامية أحجمت عن مجرد القيام بمظاهرات احتجاج ومساندة تتجاوز قليلا ذلك الكلام المليء بالعواطف والإستنكارات التي لا ترد عن طفل قدر الموت ولا عن مدينة أثر ما يطاولها من هدم وتغيير معالم ودفع السكان إلى الهرب من مدينتهم سعيا من القاصفين المجرمين إلى تغيير ديمغرافي كائنا ما كانت أثمانه بغيضة وباهظة ومجرمة.

سيذكر التاريخ لإيران اعتبارها أن الأسد خط أحمر لا يجوز المساس به. ولروسيا، كونها أهدت العالم العربي والإسلامي كل هذا الحجم من الدمار والخراب والقتل الجماعي، وللرئيس الروسي بوتين إثباته للامة العربية والإسلامية في ظرف تاريخي، صعب، أنه ذلك النازي الشرس الذي أمسك بخناقها وخناق أطفالها ومعالمها الإعمارية والحضارية قاصدا ابتلاع ما أمكنه من المواقع السورية الإستراتيجة وقتل وتشريد ما أمكنه من ملايين الشعب السوري جنبا إلى جنب ذلك الدكتاتور السوري الذي استقدمته روسيا إليها قبل بضعة أشهر بصورة مذلّة، وفرضت عليه توقيع ما يشبه وثيقة الإستسلام والإنقياد التام إلى توجهاتها وتعليماتها. أما الرئيس الأميركي أوباما، وقصتنا معه طويلة، فهو في هذه الأيام منشغل بالخروج من موقع الرئاسة ومسؤولياتها التي لم يحسن يوما الإمساك بالشق المتعلق فيها بالعالم العربي ومأساة الشرق الأوسط، مبتعدا بنفسه وببلاده عن مواقع النزاهة والإنسانية في التعامل مع بلادٍ لطالما فرّطت في منح الولايات المتحدة، كثيرا من طاقاتها وإمكاناتها فتحكّمت بقراراتها السيادية وثرواتها ونهجها الذي جيّرت الولايات المتحدة أجزاء كبيرة منه لمصلحة الكيان الصهيوني ومكنته من ابتلاع أجزاء هامة في قداستها واستراتيجيتها في العالم العربي، فباتت إسرائيل حاليا، رابحا أساسيا في نتائج الأحداث القائمة وفي النتائج المرعبة التي ستتركها للأجيال الحالية والمقبلة في العالم العربي، ان لم نسارع إلى النهوض من كبواتنا وأحوال الغفلة والتخلف التي ما زلنا نعاني منها الأمرّين.

الولايات المتحدة متجهة في استراتيجيتها المقبلة إلى مواءمة مصالحها مع مصالح العالم الصاعد المتمثل خاصة بالصين ومن ستتمكن يوما من جرّه إلى فلكها من بلدان صاعدة مثلها إلى مزيد من الحداثة والتقدم، وقد أثبتت من خلال «عقيدة أوباما» وتطلعاته، الظاهر منها والمخفي الأعظم، أنها لم تعد مهتمة بنا وبمشاكلنا المتفاقمة والتدهور البنيوي الذي أفسح في المجال لحدوث كل هذه الإفتعالات في بلادنا، ويبقى لنا أمل… متمثل بتلك الصحوة التي نبتت في المملكة العربية السعودية وأظهرت للملأ المحلي والعالمي، أن هذه الأمة ما زالت لها عروق تنبض بالحياة والأمل والكرامة، وبأنها أمّةٌ تستطيع أن تنهض من كبواتها وتخطط للمستقبل، كائنا ما كانت صعوبة الظروف وأحوال التوقعات، ونحن الآن في صلب الإمتحان التاريخي الذي تُكْرَمُ فيه الأمم أو تُهان.