IMLebanon

هدنة حلب بين إختبار نيّات ومحاولة إطلاق مفاوضات

تمّ التوصل مساء أمس الأوّل إلى هدنة جديدة مُتّفق عليها بين الولايات المُتّحدة وروسيا في مدينة حلب شمال سوريا، بعد أسبوعين من الغارات المُكثّفة وتبادل قصف متبادل بين القوات النظامية السورية والمعارضة استهدفت المدينة، ما أدّى إلى مقتل نحو 250 شخصاً وسقوط مئات الجرحى.

وفي السياق، ذكّر الباحث في الشؤون الاستراتيجية، العميد المتقاعد ريشار داغر، في حديث لـ»الجمهورية»، على أنّه «عند بداية الهدنة الأولى في سوريا منذ نحو الشهرين، وفي حديث لصحيفتكم، قلتُ إنّ هذه الهدنة لن تصمد طويلاً وبدأت تظهر انتكاساتٌ منذ الأيام الأولى بوتيرة تصاعدية حتّى بلغت قبل أسبوعين ذروتها مع الهجمات الوحشية التي بدأت تتعرّض لها حلب»، مضيفاً أنّ «هناك هدنة جديدة مُعلنة حالياً بعدما تخطّت المواجهات العسكرية في حلب كُلّ الحدود المقبولة».

وأشار إلى أنّه «يمكن القول مُجدّداً إن ليس هناك أيّ ضمانات لاستمرار هذه الهدنة، ولا أتوقّع أن يكون مصيرها أفضل من سابقاتها، والسبب هو أنّ النزاعَين الدولي والداخلي في سوريا لا يزالان يدوران في حلقة مفرغة»، مؤكّداً أنّ «هناك مسارَين متعارضين ومتناقضين: الأوّل الذي يسلكه نظام الأسد وإيران وروسيا هدفه تعويم النظام عبر إجراءات تجميلية شكلية تحفظ مصالح القوى المتحالفة معه ولا تأخذ في الإعتبار كُلّ الفظائع في السنوات الخمس الماضية ولا مطالب المعارضة السورية والمجتمع الدولي».

أمّا المسار الثاني المُتفَق عليه من المجتمع الدولي في «جنيف 1» الذي لا يزال يصرّ عليه ويتعارض معه المسار الأوّل، فينصّ على بدء عملية انتقال سياسي جدّي تُعيد تشكيلَ كامل نظام الحكم في سوريا من دون الرئيس السوري بشار الأسد، وفق ما لفت داغر. وأوضح أنّ «مفاوضات «جنيف 3» إصطدمت بشكل أساس بحائط مسدود نتيجة هذا التضارب بين هذين المسارَين»، مشدِّداً على أنّ «هذه الهدنة المتفق عليها بين أميركا وروسيا هي محاولة لإعادة إطلاق المفاوضات».

وتابع أنّ «فريق النظام» يُحاول إستغلالَ الإنجازات الميدانية التي تحقّقت بعد الدخول الروسي لفرض المسار الأوّل عبر تثبيت النظام في المفاوضات، لكنّ المعارضة والقوى الغربية ترفضان هذا التوجّه»، معتبراً «أنّنا لا نزال ندور في هذه الحلقة المفرغة، والهدنة أُقرّت لأنّ تجدّدَ التصعيد العسكري الذي أدّى إلى وضع مأساوي في حلب بدأ يُهدّد بخروج الوضع السوري عن السيطرة تماماً، حيث لا يمكن التدخّل نهائياً، مثلما حذّر وزير الخارجية الأميركية أمس الأوّل، ما يُنذر بتداعياتٍ خطيرة جداً».

وأكّد الباحث في الشؤون الاستراتيجية أنّ «مسؤولاً أوروبياً كان قد قال إنّ هناك مدّة شهرين حتّى أوّل آب المقبل للبدء بعملية الإنتقال السياسي، وإلّا سيكون هناك مسارٌ مختلف عن الذي يحصل اليوم»، لافتاً إلى أنّ «الولايات المتحدة أدركت ولو متأخرة أنّ لعبة روسيا وإيران في سوريا يمكن أن تُفجّر المنطقة، لذلك ضغطت لإقرار الهدنة».

وإعتبر أنّ «نجاح الهدنة أو فشلها مرهونٌ بالروحية التي ستعود اليها المفاوضات، فإذا اقنتعت روسيا سندخل بحلٍّ جدّي، وسنرى في الأسابيع المقبلة مفاوضاتٍ جدّية وحقيقية».

في المقابل، أعلن المُحلّل العسكري، العميد المتقاعد أمين حطيط، في حديث لـ»الجمهورية»، أنّ «الهدنة موقتة لمدّة 48 ساعة لاختبار النوايا عند الآخر»، مضيفاً أنّ «الهدنة هي لاختبار نوايا أميركا في تعهّدها في إجراء عملية فرز بين «جبهة النُصرة» وبين المُسلّحين المنضوين في إطار وقف العمليات القتالية».

وأوضح أنّ «المسيطر الرئيس في حلب هي «النُصرة»، وثلث المدينة للمُسلّحين»، مشيراً إلى أنّ «أميركا تتعهّد بأنّها تحتاج لوقت بسيط لإجراء عملية الفرز بين النُصرة والمُسلّحين، فإمّا أن تُخرج المُسلّحين كُلّياً أو أن يستقرّوا في نطاق جغرافي معيّن داخل المدينة، لذلك كانت الهدنة موقتة».

وتابع حطيط: «إذا حصل الفرز في المناطق التي تتضمّن المُسلّحين الذين تُسمّيهم أميركا «المعارضة المعتدلة»، ستمدّد الهدنة بالنسبة اليهم لأنّهم منضوون في مفاوضات جنيف»، مُشدّداً على أنّ «الهدنة ستسقط في المناطق التي ستبقى فيها النصرة». وأعلن أنّ «الهدنة كانت استجابة روسية – سورية للمسعى الأميركي لإجراء الفرز».

وفي ما يتعلّق بالتقارير الإستخبارية عن بحث موسكو في إمكان إستقالة الأسد، قال العميد المتقاعد، إنّ «الروس أكّدوا أمس الأوّل أنّ الأسد ليس حليفهم وهم يُقدّمون خدمات للسوريين»، مضيفاً أنّ «علاقة الروس بالسوري ليست مثل علاقة الإيراني بالسوري، والقرار السوري لا يتّخذه الروسي».