لمعرفة حجم «الكارثة» الموجودة في العالم العربي ما عليكم سوى التمعن في عناوين الصحف والأخبار. في يوم واحد٬ بينما التغطية الإعلامية كانت مركزة بشكل مكثف على دخول قوات نظام الأسد إلى مدينة حلب وتساندها ميليشيات حزب الله الإرهابية ومجاميع أخرى من المرتزقة المختلفة٬ جاءت العناوين صارخة تشير إلى عمليات إرهابية لـ«داعش» في سيناء٬ وعملية إرهابية لـ«داعش» في الكرك بالأردن٬ وعملية كبيرة لـ«داعش» في عدن٬ وعمليات مختلفة لـ«داعش» في ليبيا٬ وحشود من الحشد الشعبي على حدود الكويت٬ وعمليات للحشد الإرهابي في الموصل وجرائم لحزب الله في مواقع مختلفة من سوريا٬ وتهديدات قائمة على مدار الساعة للفصيل الإرهابي نفسه في لبنان.
المشهد «الإرهابي» لم يعد استثنا ًء بل أصبح جز ًءا من الواقع العربي الذي نعيشه. كل يوم تثبت هذه المجاميع قدرتها على جذب المزيد من الشبان من مختلف أنحاء العالم الإسلامي وإغرائهم بفتاوى «تفرش الطريق» إلى الجنة وتبرر كل العنف والدماء والخراب الذي يأتي مع هذا الطريق. المشكلة حقيقية ومتأصلة ومتجذرة٬ والاعتماد على مقولة إن ما يتم إنجازه وتحقيقه هو نتاج تدخلات خارجية ومؤامرات استخباراتية هو في الواقع هروب من المواجهة والبعد عن تحمل كامل المسؤولية. هؤلاء الشبان الذين يتم استقطابهم يعتمدون في ذلك على آراء «موجودة» وحية من بعض العلماء٬ وهي مسألة للآن لم يتم التصدي لها بشكل حاسم وجاد لتنقية كتب التراث من الغث والسموم.
هذه المسألة لم تعد فقط مجرد هاجس أمني٬ ولكنها وصلت إلى حالة يمكن اعتبارها خط ًرا على الأمن الإنساني٬ وهذا ما ترّوج له وبقوة الأحزاب والجماعات اليمينية المتطرفة٬ وهي تزداد مصداقية وجدارة مع استمرار حالات الإرهاب العابرة للحدود واستمرار خطرها بشكل لا يمكن إنكاره ولا الاستهانة به.
بات من الصعب جًدا الاستمرار في مقولة إن هؤلاء ما هم إلا مجموعة شاذة وفئة ضالة٬ فأي شذوذ وأي ضلال ذلك الذي يستمر في التكاثر عقًدا بعد عقد على الرغم من التصدي له ومحاربته؟ أرى أن هناك خللاً أعمق ومشكلة أهم لم تتم مواجهتها إلا بقفازات من حرير. وهذه المواجهات الخجولة مع ذلك المرض اللعين لن تكون محصلته سوى أنصاف حلول لا تقدم ولا تؤخر. وهذا هو تما ًما الذي يفسر ما حصل في الثورة السورية عندما «سمح» بأن يكون صوت التطرف هو الأعلى في مواجهة ثورة إنسانية رائعة كان أبطالها من عامة الشعب السوري في كل المدن يطالبون بحق العيش الكريم والخلاص من أقذر نظام عرفته البشرية في تاريخها المعاصر.
في الستة أشهر الأولى من عمر الثورة كان العالم يتفهم مطالب السوريين٬ فلم يكن هناك أحد اخترق هذا الحراك الإنساني الراقي والسلمي٬ ولكن قوى التطرف والإرهاب المتمثلة في «داعش» و«حزب الله» قدمت أعظم خدمة لنظام بشار الأسد وشيطنت الصراع إلى إرهاب ضد إرهاب وبنته على طائفية وخلل عقائدي٬ وغير ذلك من مفردات التطرف والدم٬ وكانت النتيجة أنه تم «تغيير الموضوع» من مساندة ثورة السوريين الأحرار للخلاص مما أصابهم من كرب وضغينة وظلم إلى مسألة أخرى مختلفة تما ًما وهي الحرب على الإرهاب٬ ومرة أخرى انتصرت قوى الظلام على قوى الخير٬ لأن الذي انتصر في معركة حلب «داعش» و«حزب الله» وليس نظام الأسد٬ وهذا الانتصار يأتي ليذكرنا بحقيقة خطورة وحجم مشكلة التطرف والإرهاب الراسخ في ذهنية المجتمع العربي وعقليته.
المسألة في غاية الخطورة وطالما لا يتم التعامل معها بهذا الشكل فالمتوقع أن يستمر العرض.