إقتحم «الاشتباك» بين القاضي محمد مازح والسفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا الساحة الداخلية التي انقسمت بين مدافع عن القاضي ومتعاطف مع السفيرة، ما كشف مرة أخرى هشاشة الواقع اللبناني وهزالته. لكن، وأبعد من الحدود الداخلية، أين يقف السفير الروسي ألكسندر زاسبيكين من سلوك «زميلته» الأميركية؟ وكيف يعلّق على التدبير القضائي في حقها؟
مع تَداول أنباء حول قرب تعيين سفير روسي جديد لدى لبنان، يوضح زاسبيكين انّ إتمام هذا التعيين ينتظر استكمال الإجراءات الروتينية في موسكو وبيروت، على مستوى السلطات الرسمية في العاصمتين، وبالتالي لا موعد محدداً ونهائياً بعد لمغادرته مركزه في بيروت.
وفي انتظار انتهاء مهمة زاسبيكين رسميّاً، وهو أمر قد يستغرق بعض الوقت، يحرص السفير الروسي على الاستمرار في تأدية دوره بحذافيره، وكأنه عُيّن للتو سفيراً لدى لبنان.
وانطلاقاً من هذا «الواجب الديبلوماسي» المستمرة مفاعليه الى حين التسليم والتسلّم المؤجّل، يتوقف زاسبيكين عند التصاريح الأخيرة للمسؤولين الأميركيين حيال الوضع اللبناني و»حزب الله»، واضعاً إياها في خانة «التحريض المكشوف على الفتنة».
ولئن كان زاسبيكين يتجنّب التعليق على تفاصيل القرار القضائي القاضي بمنع السفيرة الأميركية دوروثي شيا من التصريح، إنطلاقاً من كونه يرفض التدخّل في شأن لبناني داخلي، الّا انه لا يخفي اعتراضه على المضمون السياسي لمواقفها التي تُشكّل، في رأيه، امتداداً لِما صدر أخيراً عن وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو ومساعده ديفيد شينكر، في إطار نهج رسمي تعتمده الولايات المتحدة.
َويقول زاسبيكين لـ«الجمهورية» انّ الكلام الذي صدر عن شيا لا يختلف عمّا يُدلي به المسؤولون الأميركيون الآخرون في سياق الضغط على لبنان و»حزب الله»، مشيراً الى انّ واشنطن تُحمّل الحزب مسؤولية الفساد والمأزق الاقتصادي وأزمة النظام المصرفي ووَضع الجمارك والمعابر الحدودية، «في حين اننا جميعاً نعرف أنّ الواقع المالي والاقتصادي في لبنان يتأثر كثيراً بالعقوبات الأميركية والقيود على التحويلات، خصوصاً انّ واشنطن تسيطر على الدولار وتتحكّم بإدارة الشؤون المالية العالمية».
ويلفت الى انّ الأميركيين يريدون توظيف الغضب الشعبي والنقمة على الأوضاع السائدة في اتجاه خدمة مصالحهم وأجندتهم السياسية، مشيراً الى انّ واشنطن تحاول أن تدفع لبنان نحو تطبيق إصلاحات على قياس معاييرها، «إذ انّ المقصود من الإصلاحات بالنسبة إليها هو اتخاذ قرارات ضد «حزب الله»، محذّراً من انّ «السياسة الأميركية المُتّبعة حيال لبنان تنطوي على دعوة صريحة الى الفتنة وتحريض واضح ضد المقاومة، وموسكو ترفض بشدة الاتهامات الموجّهة الى الحزب الذي لن يستسلم مهما اشتدّت العقوبات والحملات».
ويعتبر زاسبيكين انّ الشعب اللبناني يدفع ثمن السياسات الأميركية التي تسعى الى تجويع الناس، وتفجير الأوضاع وصولاً الى الدفع نحو الثورة على السلطة، «وهذا هو السيناريو الثابت الذي تنفّذه الولايات المتحدة في كثير من البلدان، مع اختلاف في التفاصيل تِبعاً لخصوصية كل دولة».
ويضيف: العقوبات الأميركية تستهدف عشرات الدول، ومن بينها روسيا، «والخزانة الأميركية لا تتوانى عن اتخاذ تدابير مُجحفة في حق أفراد وشركات لاستهداف طرف او نظام محدد، الأمر الذي يضرّ بالشعوب في كثير من الاحيان. لكنّ روسيا دولة قوية وقادرة، وبالتالي تعرف كيف تتعامل مع العقوبات وتخفف من تأثيرها، ونحن نرفض أي تفاوض حولها».
َولا يخفي زاسبيكين قلقه على مستقبل لبنان المهدّد بخطر الانهيار الاقتصادي والمالي، مُرجّحاً ان تكون الاشهر القليلة المقبلة في غاية الصعوبة والخطورة، وداعياً الى الصمود وتحصين الصفوف في مواجهة العقوبات الأميركية.
واذا كان زاسبيكين يعتبر انّ واشنطن لا تقف خلف اندلاع انتفاضة 17 تشرين الأول التي حَرّكتها عوامل داخلية بالدرجة الأولى، الّا انه يتهمها باستغلال الاحتجاجات الشعبية واستثمارها لتحقيق غايات سياسية، «كما فعلت حين اندلعت ثورات في العالم العربي قبل سنوات».
وينتقد زاسبيكين التدخّل الأميركي في الشأن الحكومي اللبناني، مشدداً على انه ليس من حق الولايات المتحدة ان تطلب إقصاء هذا الحزب او ذاك عن الحكومة، «وما الشروط التي تطرحها لمساعدة لبنان، سوى دليل إضافي على أنّ المساعدات الأميركية مُسيّسة».
امّا في خصوص خيار التوَجّه شرقاً، فإنّ زاسبيكين يلفت الى انّ هذا الأمر طبيعي وليس صادماً كما يوحي الأميركيون، «إذ انّ لكل من سوريا والعراق وايران وروسيا والصين ميّزات يمكن أن تفيد لبنان، من دون أن يعني الانفتاح على الشرق إلغاء التفاعل مع الاتجاه الغربي، ونحن لا نطلب أن يعزّز لبنان تعاونه مع الشرق على حساب الغرب، بل نريده مُنفتحاً على الجميع من دون أن يكون هناك احتكار لأيّ جهة. لكن ما يجري حالياً هو أنّ الغربيين، وفي طليعتهم واشنطن، هم الذين يرفضون مساعدته، ما أدّى إلى أن يصبح خيار الشرق اكثر إلحاحاً».
ويوضح انّ سيطرة الولايات المتحدة على مَفاصل النظام المالي العالمي تقيّد حركة موسكو وتعرقل أي مبادرة مُحتملة حيال لبنان ضمن هذا الإطار، «الّا اننا نستطيع المشاركة في تنفيذ مشاريع حيوية، ونحن ندعو أصدقاء واشنطن الى أن يضعوا مصلحة بلادهم فوق أي اعتبار وفوق مصلحة أي طرف خارجي».
ويؤكد زاسبيكين انّ فكرة الحوار الوطني سليمة وضرورية في هذه الظروف من أجل استمرار التواصل بين اللبنانيين، وإيجاد قواسم مشاركة تحت سقف المصلحة الوطنية العليا.