Site icon IMLebanon

ألفرد نوار… كم كنا نضبط الساعة على لحظة حضورك  

 

وهذا كبير آخر من كبار الصحافيين اللبنانيين يغادر هذه الدنيا ليلاقي وجه ربّه نظيف الكف، صادق الطويّة، مرتاح الضمير، ووراءه تراث كبير في مهنة البحث عن المتاعب التي رافقته متاعبها حتى الرمق الأخير.

 

عرفت الصديق الأخ، الزميل الأستاذ المرحوم ألفرد نوار على إمتداد سنوات طويلة من الزمالة في «الشرق» فأشهد، وللّه الشهادة، أنني عرفت فيه الدماثة والأخلاق والطيبة الى المهنية المتألقة، فلم يغب يوماً، بل لم يتأخر يوماً عن تأدية دوره القيادي.

كان ألفرد نوار إنضباطياً وملتزماً، مهنياً ووطنياً، يتعامل مع زملائه في القسم السياسي في «الشرق»، الذي ترأسه حقبة غير قصيرة من الزمن، بروح الأبوة، وبالمسؤولية، وبالمحبّة التي طبعت نفسيته السمحاء.

الزملاء جميعاً، وفي مختلف الأقسام، أحبّوه وأنسوا الى أسلوبه في التعامل مع الجميع، وكان الجدد منهم يستفيدون من تجربته العريقة في الصحافة التي أعطاها عمره كلّه، الى أن أقعدته ظروفه الصحيّة عن مواصلة دوره الريادي.

كان، رحمات اللّه عليه، يسبق الزملاء في الوصول الى مكتبه حيث كان ينكبّ على العمل بجهد ليواجه أي طارىء أو مستجد بطول أناة، وبحكمة، وبحرفية ممتازة… ودائماً بوطنية صافية… وكنّا نضبط ساعاتنا على لحظة وصوله وكأنه ساعة «بيغ بان».

ولقد امتاز الراحل الكبير العزيز بسرعة فائقة في تنفيذ مهمته، وفي تدبيج مقاله اليومي في «الصفحة الثالثة» ليأتي المقال جولة بانورامية شاملة، فيتناول الحدث (وكثيراً ما كان يستبق الحدث) بجديّة ملحوظة، وقد منحه اللّه موهبة الكتابة إذ كانت الكلمات تنساق اليه مطواعة على لغة سليمة لا تعقيد فيها ولا سفسطة، فكان يسمي الأشياء بأسمائها، فلا يختبىء وراء إصبعه، ولا يجامل أو يساير… وإن كان يقسو أحياناً على بعض من لا يعجبه من السياسيين عموماً والمسؤولين خصوصاً.

ولقد نجح ألفرد نوار، ورفيقة دربه السيّدة الفاضلة مرسال، في تأسيس عيلة نموذجية نشأت على القيم الأخلاقية، والوطنية الصافية والبرّ بالوالدين، ومحبة الآخر.

ولقد إنعكست الظروف الصعبة التي تمرّ بها الصحافة اللبنانية على ألفرد، كما على جميع العاملين فيها تقريباً… خصوصاً في المرحلة الأخيرة، مرحلة ما بعد قرار إعتزاله، فناله نصيب من صعوبة ظروفها .

وليس من باب المصادفة أن مكتبه في «الشرق» بقي شاغراً في ما بعد استقالته، تقديراً ومحبة له، وإقراراً بدوره وفرادته.

واليوم يرحل ألفرد نوار عن هذه الفانية لينضم الى سائر الزملاء الصحافيين الكبار الذين غادروا قبله، ليبقى ذكره في القلوب محبة واحتراماً وتقديراً، ولتبقى ذكراه في الوجدان واحداً من الذين أفنوا حياتهم في هذه المهنة التي عندما أسماها الماهدون الأوائل بـ«مهنة البحث عن المتاعب»، لم يكونوا ربّـما يدركون كم ستطوقها المتاعب والصعوبات في هذا العصر.