Site icon IMLebanon

الجزائر وإيران ولبنان… انتخابات بلا ديموقراطية

تصطدم الانتخابات بمشكلات في الغرب والشرق، أبرزها العزوف عن المشاركة، خصوصاً لدى الشباب، وصعود المرشحين الشعبويين المعبرين عن يأس من النظم الحاكمة من دون أن يستطيعوا تقديم بديل. لكن نسبة المقترعين في الولايات المتحدة وتلك المتوقعة في فرنسا تبدو مرتفعة قياساً على بلاد شرقية كالجزائر وإيران ولبنان. ولا يبدو مقنعاً كلام هيلاري كلينتون: لولا تدخّل روسيا وويكيليكس وأف.بي.آي. لكنت اليوم رئيسة لأميركا. فالناخب ليس معزولاً عن مؤثرات خارجية وداخلية تساهم في تشكيل خياراته. ما أسقطها تحديداً هو انتماؤها إلى نخبة تكرر نفسها.

انتخابات الجزائر لا تحظى بحماسة، حيث الحكم ناتج من ثورة طردت المستعمر واعتبرت الجيش الوطني داعماً أساسياً للنخبة الحاكمة بما يعني بعض التقييد للحراك السياسي، وهذا ما أغرى الإسلام الجهادي المسلّح بالاستيلاء على الحكم، لكنه تلقّى هزيمة من الجيش في حرب دموية مديدة، ونرى النظام السياسي هذه الأيام يواجه يأس الشباب وامتناعه عن المشاركة في الانتخابات، على رغم حملات حكومية ونداءات من الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة تربط بين الاقتراع والاستقرار. 70 في المئة من الجزائريين دون سن الثلاثين، يوجّهون في عزوفهم رسالة تدعو الى «تهوئة» الهيئات الحاكمة وإشراك التنوّع العمري والاجتماعي والجهوي، كشرطين للانخراط في الانتخابات واعتبارها وسيلة ديموقراطية سلمية لتداول السلطة.

وتحاول إيران الخمينية «هندسة» انتخابات بلا ديموقراطية، مقدمة للشعب فرصة إيصال مرشحين للرئاسة أو للبرلمان سبق أن اختارهم النظام. بذلك يقترع الناخب لواحد من متشابهين. وفي حملات المرشحين للرئاسة أبلغ مثال، فنحن أمام شخصيات باهتة، بمن فيهم الرئيس حسن روحاني الذي يتلقى من المرشد علي خامنئي تقريعات يومية تبعث للناخبين برسالة واضحة: الرئيس ضد المرشد فلا تتوقّعوا له الفوز وتذكّروا انتخابات الدورة الثانية لأحمدي نجاد التي جددت رئاسته على رغم صناديق الاقتراع والتظاهرات الشعبية التي أعقبت النتائج المفبركة.

الانتخابات الإيرانية شكل يعطي الحكم شرعيته بغض النظر عن المرشحين ومن يفوز ومن يفشل. وهي واجب روتيني وأحياناً أشبه بواجب ديني، لأن مجرد المشاركة يعني القبول بالنظام فيما يعني الامتناع شكلاً مخففاً من المعارضة. ويخوض المرشد انتخابات الرئاسة علناً هذه المرة وليس من وراء حجاب كما كان سابقاً، وهو منع نجاد من الترشح لئلا يتسبب بانشقاقات المحافظين المتشددين، في الوقت الذي يحرص على توجيه الاتهامات إلى روحاني واحتقار المعيار السياسي والمصلحي في العلاقات مع الدول الأخرى. وحدها الكراهية، خصوصاً كراهية أميركا، هي في رأيه ما يشدّ عصب الشعب- الأمة حول القائد- المرشد.

وربما كان الخوف على النظام وراء تشدّد خامنئي، بل الخوف على دوره كقائد ومنظّم للصراعات. لقد تيقّن الإيرانيون في عهدَي محمد خاتمي وحسن روحاني بأن المرشد المطلق الصلاحية قد يكون مبرراً في بداية الثورة وحتى تمكّنها، لكن الحكمة تقضي بتقييد صلاحيته لئلا يتحول إلى ديكتاتور بالواسطة، إذ يفقد خامنئي دور الحَكَم المنسوب إليه حين ينجح روحاني فتتحقق خسارة المرشد، أو يسقط روحاني فيتضح انحياز المرشد. ويؤشر السلوك الحالي لخامنئي إلى بداية أفول الثورة ونظامها، وهناك تخوف من اقتناع الإصلاحيين باستحالة نجاحهم تحت عباءة النظام فيخرجون عليه. هذه مسؤولية علي خامنئي الذي يعطي لنفسه صلاحيات أوسع من صلاحيات شخصيات وهيئات منتخبة: من يتقدّم على الآخر في إيران، المرشد أم الرئيس؟ جواب السؤال يحكم خروج الإصلاحيين على النظام أو بقاءهم داخله.

أما في لبنان الذي يمارس شعبه الانتخابات منذ عشرينات القرن الماضي، على رغم ضوابط طائفية تحد جزئياً من حرية الاختيار، فقد وصل بعد حربه الأهلية وسوء تطبيق اتفاق الطائف إلى طريق مسدود، مع تحوّل الزعماء إلى ملوك على طوائفهم يهددون بتجديد الحرب الأهلية إذا خُلعوا.

وها هم يختلفون على إقرار قانون جديد للانتخابات. والخلاف هو على حدود سلطة الزعماء تحديداً. وإذا قدّر للبنانيين أن ينتخبوا بعد تمديد متكرر للبرلمان الحالي، سنجد الغالبية تمتنع عن التصويت مواجهة ضغوطاً أشبه بضغوط المرشد على الناخبين في إيران. إنها انتخابات حقاً ولكن بلا ديموقراطية.