في معلومات لـ«الجمهورية» أنّ العاصمة الجزائرية شهدت خلال الأسبوعين الأخيرين حراكاً ديبلوماسياً تقوده الخارجية الجزائرية لإنتاج حوار بين دمشق وأنقرة يبدأ من نقطة البحث في ملف أكراد سوريا.
… المعلومات قليلة، لكن ما تسرّب من تفاصيل يؤكد وجود نشاط جزائري بين سفارتَي دمشق وأنقرة في العاصمة الجزائرية لتدشين بدء حوار سياسي سوري ـ تركي حول الملف الكردي.
وبحسب هذه المعلومات فإنّ سعي الجزائر المحاط بتكتم شديد، وكما تمظهر خلال الأيام القليلة الماضية، لإنشاء مسعى لجعل السفارتين التركية والسورية في الجزائر، تتبادلان وجهات النظر حول هذه القضية، قد أرسى بداية معقولة.
يبدو واضحاً أنّ الجزائر يهمها لعب دور مع انقرة تقايضه بمطالب لها في ليبيا، وعلى رأسها أن تعمل تركيا لحفظ مصالح الجزائر هناك، وذلك في ظلّ واقع أنه توجد للجزائر هواجس على مصالحها داخل جارها الليبي، كما لها معه حدود طويلة تشهد نشاطاً تسلّلياً ذهاباً وإياباً لمجموعات إسلامية متشدّدة هي في حالة حرب دامية مع الجزائر.
انقرة لديها نفوذ مباشر على بعض هذه الجماعات كـ»الاخوان المسلمين»، وغير مباشر على بعضها الآخر كجماعات اسلامية جهادية. تريد الجزائر من تركيا أن تساهم معها في خفض منسوب تشظّى الإرهاب التكفيري في ليبيا الى داخل أراضيها، وأكثر من ذلك تطمح لإسناد تركي لدورها داخل ليبيا.
وليس خافياً، في المقابل، أنّ أنقرة تريد حشد أكبر لوبي إقليمي ودولي يساندها في رفض فكرة إنشاء إقليم للأكراد في سوريا، وترى هذا التطوّر في حال حصوله، بمثابة مَسّ بمعادلة حماية الامن القومي التركي. النظام السوري يبني تحالفاً تكتيكياً مع أكراد سوريا، ولكنه في مدى أبعد لا يتفق مع طموحهم بإنشاء إقليم مستقلّ لهم في سوريا، لأنّ ذلك يعرّض وحدة الأرض السورية للخطر.
بهذا المعنى النظري تبدو الوساطة الجزائرية تقف على أرض تتقاطع فوقها مصالح مشتركة، ولكن ما ينقصها هو ترتيب أوراق إقليمية ودولية أُخرى متداخلة في هذه الازمة لتشكل عوامل مساعدة على إنجاحها، لأنه دون ذلك تبقى مجرّد توسّط على مستوى سفارتين وبمثابة بداية هشة قاصرة عن إنتاج حوار سياسي سوري ـ تركي ينهي قطيعة وعداوة مستمرة بين أردوغان والأسد منذ العام ٢٠١١.
ويلفت مراقبون الى أنّ انقرة تتجه في هذه الفترة الى إبرام مقايضات سياسية تؤدّي الى حشد أكبر تأييد دولي وإقليمي لموقفها من أكراد سوريا، فإلى جانب إنفتاحها، ولو موضعياً، على فكرة الجزائر التوسط بينها وبين دمشق لتوحيد موقفهما من الملف الكردي السوري، فإنها على ما يبدو نجحت أيضاً في تجيير موافقتها أخيراً على إبرام تسوية مع الاتحاد الأوروبي في شأن تنظيم توافد النازحين السوريين من أراضيها الى أوروبا، لمصلحة إبرام تفاهم مع باريس لجعل الاخيرة تغلق مكتباً تمثيلياً للأكراد السوريبن في أراضيها.
وكان لافتاً إصدار وزارة الخارجية الفرنسية قبل ايام بياناً نفت فيه معلومات صحافية سابقة عن افتتاح حزب الاتحاد الكردستاني (جماعة صالح مسلم وهو الحزب الذي يُعتبر الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني) مكتباً تمثيلياً في باريس، وقال البيان إنه لا يوجد للأكراد السوريين مثل هذا المكتب في فرنسا.
وكشف مصدر واسع الاطلاع في باريس لـ«الجمهورية» أنّ «نفي الخارجية الفرنسية «هدفه إظهار أنّ فرنسا لم تقفل هذا المكتب تحت تأثير الضغوط التركية او نتيجة صفقة مقايضة مصلحية بين باريس وأنقرة تتجاوز في مضمونها التزامات فرنسا الدستورية والأخلاقية بمبادئ حقوق الانسان.
وما صدر من نفي فرنسي هو إخراج للادّعاء بأنّ المكتب لم يكن موجوداً حتى يتمّ إقفاله، وأنّ أيّ ثمن لتركيا لم تدفعه باريس لقاء قبول أنقرة بأجندة عمل جديدة تنظّم عملية الهجرة وضمنها النزوح السوري خصوصاً، من تركيا الى اوروبا.
ويكشف المصدر نفسه لـ«الجمهورية» معطيات مادية تدحض ادّعاءَ الخارجية الفرنسية بأنه لم يكن هناك مكتب له صفة تمثيلية بمعنى معيَّن لاكراد سوريا في باريس، ويؤكد أنّ المكتب كان عنوانه معروفاً لدى جميع الإعلاميين والسياسيين المهتمّين في فرنسا بالأزمة السورية، وهو كان يقع تحديداً في العنوان الآتي:
34 Avenue des Champs Elysėes. 2ème ėtage
وبحسب المصادر عينها فإنّ حزب الاتحاد الكردستاني «السوري» يحتسب لظروف صعبة قد يمرّ بها أكراد سوريا نتيجة نشوء تفاهمات إقليمية ودولية تقف تركيا وراء شبك خطوطها وتتقاطع جميعها عند هدف إحباط طموحات الأكراد بإنشاء ضمانات لهم في أيّ حلّ مقبل للأزمة السورية.
وكشفت مصادر قريبة من زعيم حزب الاتحاد الكردستاني صالح مسلم لـ«الجمهورية» عن أنّ الاخير أعلن عن الإقليم الكردي في سوريا بعدما تكرّر رفض مشاركة الوفد الكردي في محادثات جنيف السورية أكثر من مرة، وبعدما ظهر له أنّ هناك اتجاهاً دولياً وإقليمياً لتجاوز تمثيل الأكراد في أيّ مفاوضات لحلّ الأزمة السورية.
ومن وجهة نظر مسلم فإنّ خطوة اعلانه قيام الاقليم الكردي قد تَخَلَق حاجة الدول المعنية بحلّ الأزمة السورية للتفاوض مع الكرد، أقله لحضّهم على التراجع عن خطوتهم، بدل التمادي في إهمال التعاطي معهم.
وتخلص هذه المصادر الى الاستنتاج بأنّ إعلان كرد سوريا إقليمهم ليس هدفاً في حدّ ذاته، بل على نحو أكبر يمثل خطوة من جانبهم لجذب الاهتمام الدولي والإقليمي للحديث معهم ودعوتهم الى طاولة التفاوض لمناقشة حقوق الكرد وطريقة تجسيدها في أيّ حلّ مقبل في سوريا.
وفي رأي المصادر نفسها أنّ أكراد سوريا اضطروا الى رفع سقف موقفهم وعلى نحوٍ عملي، ولكنهم في أيّ مفاوضات مقبلة سيكونون مستعدين للتفاوض على حقوق أقل من إقليم مستقلّ لهم، وحتى أقل من حكم ذاتي، والاكتفاء بالدفاع عن حقوقهم الثقافية.