Site icon IMLebanon

«الهاشتاغ» أخطر من الفراغ

لا شك أن ما ظهر من الأزمة التي تمثلّت بالقرار السعودي وقف الهبة الى الجيش والقوى الأمنية اللبنانية، ما هو إلاّ رأس جبل الجليد. لكن ردود الفعل الاولية من قبل بعض الشارع عكست الأزمة بأبعادها الحقيقية، والتي قد يدفع ثمنها باهظا كل اللبنانيين من معيشتهم ورفاهيتهم واقتصادهم.

عندما صدر قانون العقوبات الاميركي ضد تمويل حزب الله، فاجأت ردة فعل الحزب البعض، لأن الحزب لا يتعامل مع المصارف بشكل مباشر، وبالتالي، لا يُفترض أن يشعر بالغضب والاحراج كما فعل.

والوقت الذي خصّصه امين عام الحزب في خطابه للحديث على هذا القانون، وهو من اعتاد حصر كلامه بالقضايا الاقليمية الكبيرة وربما الدولية، كان يؤشّر الى موضع الألم.

لم تكن ردة فعل حزب الله حيال القانون الاميركي صرخة في واد، بدليل ان الدولة اللبنانية، وحتى المصارف، شعرت بأنها معنية بشكل مباشر، بتلبية نداء السيد حسن نصر الله، لايجاد معالجات لهذا الملف.

وما وجود الوفد النيابي اللبناني في الولايات المتحدة الأميركية اليوم، سوى دليل على وجود ديناميكية رسمية تتماهى مع مطلب حزب الله من السلطات اللبنانية والمصارف، للتخفيف من تداعيات هذا القانون.

في موازاة ذلك، وفي كل مرة كانت تنشأ فيها أزمات ناتجة عن استبعاد بعض اللبنانيين من دول الخليج العربي، وبعدما كان يتبيّن ان المستبعدين هم في غالبيتهم من الطائفة الشيعية، كان حزب الله يتحرك بالسر والعلن، لوقف موجة الطرد، ووقف تطورها.

وفي الأزمة الأخيرة التي نتجت عن مجموعة من المواقف التي اتخذها حزب الله حيال الخلاف بين السعودية وايران، اكد مسؤولون في الحزب امام مجموعة من رجال الاعمال كانت تتابع هذه القضية، ان الحزب حريص على عدم تعريض مصالح اللبنانيين العاملين في الخليج للخطر، وان مواقفه ستأخذ في الاعتبار هذا الواقع.

هذه المواقف التي تعكس وعي الحزب لخطورة اللعب بالملف الاقتصادي والمالي، لم تظهر بالوضوح نفسه، عندما قررت السعودية وقف الهبة الى الجيش اللبناني والقوى الامنية الشرعية.

بل ان هاشتاغ السخافة والانحطاط، «لـ….» الذي انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وفي بيئة حزب الله تحديدا، عكس استكباراً ناجما عن جهل مستحكم في العقول. هذا الجهل هل يتماهى معه حزب الله، ام يحاول معالجة الأزمة قبل ان تطاول نيرانها معيشة كل اللبنانيين؟

لا بد هنا من التذكير بأن الرفاهية التي يتمتع بها اللبناني منذ اكثر من خمسين عاما حتى اليوم، يعود الفضل فيها الى دول الخليج العربي. طبعا، هذا لا يعني ان حكومات وحكام تلك الدول كانوا يقدمون خدمات مجانية، بل ان المصالح كانت متبادلة.

ومنذ سطوع نجم النفط بين الخمسينيات والستينيات، تحولت الدول النفطية الخليجية الى مربط خيل اللبنانيين. بالاضافة الى ذلك، تحولت مصارف لبنان الى قجّة يخبئ فيها اثرياء هذه البلدان اموالهم تحت بند السرية المصرفية.

في المقابل، استفادت هذه البلدان من خبرات وتمايز العنصر البشري اللبناني الذي ساهم في بناء وإدخال هذه الدول الى خريطة التطور والحداثة. هذا الواقع هو الذي يفسّر النهضة المالية والاقتصادية في لبنان، والتي يُطلق عليها خبراء الاقتصاد عبارة مرحلة البترو-دولار.

منذ تلك الحقبة، تحولت دول الخليج الى حديقة خلفية للاقتصاد اللبناني.

ومع عدم إنكار ان المجتمع اللبناني لا يزال يعاني من تعثّر التوزيع العادل للمداخيل، بحيث ان نسبة مرتفعة من المواطنين لا تزال تحت مستوى خط الفقر، الا ان مستوى معيشة اللبناني، وقدراته الشرائية هي الأعلى عربياً، بعد الدول النفطية، بل انها اعلى من بعض الدول النفطية ومنها الجزائر والعراق.

يحتل لبنان المرتبة السابعة من حيث حصة الفرد في الناتج المحلي بعد دول مجلس التعاون الخليجي الست، على النحو الآتي: قطر ١٠٢٧٠٠ دولار، الامارات ٤٨٥٠٠ دولار، الكويت ٤٠٧٠٠ دولار، البحرين ٢٧٣٠٠، عمان ٢٦٢٠٠، السعودية ٢٤٠٠٠، لبنان ١٥٦٠٠.

بعد لبنان تأتي الدول العربية الآتية: الجزائر ٧٢٠٠ دولار، مصر ٦٥٠٠، الاردن ٥٩٠٠، سوريا ٥١٠٠، المغرب ٥١٠٠، العراق ٣٩٠٠، السودان ٣٠٠٠، اليمن ٢٥٠٠.

بالمناسبة، يتفوّق معدل دخل الفرد اللبناني على معدل دخل الفرد في تركيا ( ١٤٦٠٠ دولار) وفي ايران ( ١٢٢٠٠دولار).

هذه الحقائق الرقمية، لا يؤمّنها للبناني، لا القطاع الصناعي، ولا القطاع الزراعي طبعا، ولا حتى السياحي في ايام العز، انها حقائق ناتجة عن مفاعيل البترو-دولار بكل ابعادها، وفي الاتجاهين. وهذا هو مفهوم الحديقة الخلفية للاقتصاد اللبناني، المُهدّد اليوم بالتخريب. ومن يستسهل هذا الالغاء، اما جاهل، او متآمر، أو موهوم، أو انتحاري يهوى ممارسة هواية الانتحار الجماعي لا الفردي.

في عودة الى السؤال حول موقف حزب الله الافتراضي من هذه الأزمة التي قد تكون مسألة تجميد الهبة العسكرية مجرد بداية لها، تشير الترجيحات الى ان الحزب يشعر بالخطر عندما يتعلق الامر ببيئته، لكنه يكون أقل ارتباكاً، عندما تتوجّه المشكلة نحو الحكومة ككل. وبالتالي، يعتبر الحزب ان الحكومة هي المسؤولة حاليا، عن حل هذه المشكلة، وعليها ان تقلّع شوكها بيديها.

طبعا، من المرجّح ان تتخذ الحكومة، او تحاول ان تعالج الأزمة، ربما من خلال تشكيل وفد وزاري لزيارة المملكة في محاولة لمعالجة الأزمة. لكن المشكلة ان الموضوع لم يعد كما في السابق، ومن كان يقول ان من حُسن حظ لبنان أن دول المنطقة، لا تزال تتعاطى بعاطفية احيانا مع المواضيع السياسية على عكس الغرب، فان هذا الواقع الايجابي الذي كان يُعتمد عليه تحوّل الى واقع سلبي، بعدما انقلبت العاطفة من ايجابية الى سلبية، وبعدما ساهم هاشتاغ الانحطاط والسخافة في تدعيمها، بحيث ان المواطن السعودي قبل حكومته، لم يعد متحمساً للتعاون مع اللبنانيين الذي كانوا في السابق، موضع حفاوة ومحبة استثنائيتين.

هل يعني ذلك ان لبنان فقد الأمل في تصحيح هذا الوضع؟

الجواب، ان المشكلة الأصعب ان لبنان قد يكون فقد الامل في امكانية الفصل بين ما تمثله الحكومة وبين ما يمثله حزب الله. وما دامت «العقوبات» تشمل الدولة كلها فان حزب الله لن يتأثر كثيرا، لكن الامور قد تختلف في حال اتخذت الاجراءات العقابية في الايام المقبلة طابع «التخصصية».

في كل الاحوال، قد تسهّل الضيقة المالية في دول الخليج على هذه الحكومات الاقدام على خطوات عقابية اضافية، والأكيد ان الايام التي تنتظرنا أصعب مما مررنا به حتى الان، وبعدما عانينا طويلا من الفراغ جاءنا الهاشتاغ ليُنهي ما بدأه الفراغ: الخراب.