Site icon IMLebanon

تخلية سماحة تتفاعل وتخلط الأوراق الرئاسية و «حزب الله» متوجس من تقارب عون – جعجع

  بيروت – محمد شقير

خلفت تخلية سبيل الوزير السابق ميشال سماحة الذي يخضع مجدداً للمحاكمة أمام محكمة التمييز العسكرية في جلسة تعقد الخميس المقبل، ارتدادات سلبية على مجمل الوضع اللبناني لا يمكن -كما يقول قيادي بارز في قوى «14 آذار» لـ «الحياة»- القفز فوق تداعياتها أو تجاهلها، وبات من الضروري الإسراع في محاكمته بتهمة نقل متفجرات من سورية إلى لبنان لتفجيرها في إحدى المناطق في شمال لبنان شرط أن يعاد النظر في تشكيل هذه المحكمة بالتلازم مع اقتراح وزير العدل أشرف ريفي إحالة هذه الجريمة على المجلس العدلي.

ويسأل القيادي عن الأسباب الكامنة وراء توقيت إخلاء سبيل سماحة وعن ردود الفعل عليه من ناحية، وعن المصلحة في إقحام الاستقرار في البلد في مشكلة هو في غنى عنها من ناحية ثانية، خصوصاً أن هذا التدبير الذي لا يمكن التعاطي معه من وجهة قانونية، دفع أهالي الموقوفين الإسلاميين إلى التحرك بذريعة أن القسم الأكبر منهم لا يزال موقوفاً منذ فترة طويلة ولم يحاكم حتى الساعة. كما يسأل القيادي نفسه لماذا لم يؤخذ لدى إصدار قرار بتخلية سبيل سماحة بعين الاعتبار، أنه سيرفع من منسوب الاشتباك السياسي الدائر في لبنان، وأيضاً من الاحتقان المذهبي والطائفي، لا سيما أنه كان وراء مبادرة تيار «المستقبل» إلى تسجيل عتبه على المؤسسة العسكرية، على خلفية أنه فوجئ بتخلية سبيله على رغم أنه كان أوصل تحذيره إلى من يعنيهم الأمر أن هناك من يضغط للتلاعب بالحكم لجهة تخلية سبيله.

ويكشف القيادي عينه، أن «المستقبل» فوجئ بالإخلال بالتعهد بعدم السماح بأي تلاعب في الحكم، ويقول إنه لم يمر على مثل هذا القرار مرور الكرام، وكان سجل عتبه على من يعنيهم الأمر استناداً إلى المعلومات التي كانت وردته من أن إخلاء سبيله سيتم في جلسة الخميس الماضي.

ولم يستبعد القيادي أن تكون لتخلية سبيل سماحة تداعيات على ملف رئاسة الجمهورية من دون أن يعلق على ما أخذ يتردد فور صدور القرار في هذا الخصوص، من أن هذا الملف سيخضع تحت وطأة ردود الفعل الغاضبة إلى إعادة خلط الأوراق.

ويقول هذا القيادي إن البلد لم يكن في حاجة إلى إقحامه في دورة جديدة من السجال السياسي قد تكون الأعنف هذه المرة، وبالتالي كان الأجدى بمحكمة التمييز العسكرية التريث وعدم تخلية سبيله والإبقاء عليه موقوفاً مع تسريع جلسات محاكمته.

ويعتقد أن إخلاء السبيل لا يستهدف طائفة معينة، وإلا لما كانت ردود الفعل السياسية مجمعة على انتقاد قرار محكمة التمييز. ويقول إن رد فعل رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» (حزب الله) محمد رعد على منتقدي هذا التدبير لم يبدل من واقع الحال ولن يغير من المشهد السياسي الجامع في الاعتراض عليه.

وفي هذا السياق، يسأل القيادي نفسه ما إذا كان النائب رعد مضطراً للرد على منتقدي قرار تخلية سبيل سماحة، واصفاً أقوالهم بالتصريحات الصاخبة والمبرمجة التي تعترض على قرار القضاء والتي هي تعبير عن النكد والكيدية السياسية، وهل يصب اعتراضه في خانة الحوار الثنائي بين «حزب الله» و «المستقبل» برعاية رئيس المجلس النيابي نبيه بري، والذي يراد منه خفض منسوب الاحتقان المذهبي والطائفي، وتحديداً بين الشيعة والسنّة، اللذين يلتقيان حول طاولة واحدة بينما المنطقة تفتقد إلى مثل هذا اللقاء وتطغى عليها مفاعيل الاشتباك الطائفي.

وعلمت «الحياة» أنه لم يكن في وسع «المستقبل» تجاهل ما صدر عن النائب رعد، وكان مدار بحث في اتصال جرى بين نادر الحريري مدير مكتب الرئيس سعد الحريري والمعاون السياسي لرئيس المجلس النيابي نبيه بري، وزير المال علي حسن خليل، الذي ينوب عنه في حضور جلسات الحوار الثنائي.

ويأتي هذا الاتصال في ضوء ما نقل عن الرئيس بري لجهة أنه لم يؤيد إخلاء سبيل سماحة، وكان يفضل ترك موضوعه إلى ما بعد الانتهاء من محاكمته، فيما سأل القيادي في «14 آذار» ما إذا كان المطلوب من قرار محكمة التمييز العسكرية دفْعَ الشارع السني إلى التطرف، في الوقت الذي يشكل رأسَ حربة في تصديه للإرهاب وإصراره على أن لا مشروع آخر لديه سوى مشروع الدولة؟

كما أن القيادي نفسه يتوقف أمام قول النائب رعد الذي يغمز فيه من قناة المعترضين على تخلية سبيل سماحة، وفيه: «بالأمس كان القضاء مرضيّاً عنه حين أخلى سبيل ضالعين في الإرهاب أو حين أخرج من السجون عملاء للعدو الإسرائيلي»، ويسأله عن الجهة التي تدخلت للإفراج عن الشيخ عمر بكري فستق عندما كان موقوفاً في بعبدا قبل أن يعاد توقيفه؟ ويقول: ألم يتدخل «حزب الله» من خلال وكيل الدفاع عن فستق النائب في كتلة «الوفاء للمقاومة» نوار الساحلي لإخلاء سبيله؟ ويسأل القيادي هذا عن أسماء المتعاملين مع العدو الإسرائيلي الذين أفرج عنهم بتدخل من «14 آذار»، ويقول: «لا نريد أن نفتح جروحاً، لكن من ضغط للإفراج عن العميد المتقاعد فايز كرم ومن ميز بين متعامل وآخر بعد انسحاب إسرائيل من لبنان في أيار/ مايو 2000؟».

ويرى أن حماية السلم الأهلي والحفاظ على الاستقرار لا يكونان في إصدار مواقف من شأنها أن تزيد في إحساس فريق أساسي في البلد بالقهر والمظلومية بفعل قرار محكمة التمييز، ويؤكد أن «14 آذار» مصممة على خوض المعركة ولن تتراجع عن موقفها بضرورة تصويب هذا القرار. ويقول: انتظروا ما ستحمله مواقفنا بدءاً بـ «المستقبل» في اليومين المقبلين.

إعادة تشكيل المجلس العسكري

على صعيد آخر، يفترض أن يعقد مجلس الوزراء جلسة الأسبوع المقبل تخصص لإعادة «تشكيل المجلس العسكري بتعيين ثلاثة أعضاء بعد ترقيتهم إلى رتبة لواء، وبذلك يكتمل عقد المجلس بوجود رئيسه قائد الجيش العماد جان قهوجي ورئيس هيئة الأركان العامة اللواء وليد سلمان والأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد خير.

وعلمت «الحياة» أن «تكتل التغيير والإصلاح» من خلال رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، حاول أن يُدخل تعديلاً على جدول أعمال مجلس الوزراء يتجاوز فيه تعيين ثلاثة أعضاء جدد في المجلس العسكري إلى تعيين قائد جديد للجيش خلفاً للعماد قهوجي.

ولفتت مصادر وزارية مواكبة للتحضيرات السياسية الجارية لعقد الجلسة، إلى أن باسيل أبلغ موقفه هذا إلى الرئيس بري بواسطة الوزير خليل، لكنه عاد إليه بجواب مفاده أن لا مجال الآن لتعيين قائد جيش جديد وعلينا أن ننتظر إلى ما بعد انتهاء فترة التمديد لقهوجي.

وتردد وفق المصادر نفسها، أن باسيل أخذ على مضض بنصيحة الرئيس بري، مقترحاً أن يكون لـ«تكتل التغيير» الرأي الراجح في تعيين العضوين الكاثوليكي والأرثوذكسي في المجلس العسكري، على ان تترك تسمية العضو الثالث، أي الشيعي، للتوافق بين «أمل» و «حزب الله».

ومع أنه لم يؤخذ برأي باسيل، فإن «حزب الله» أخذ على عاتقه في جلسته الحوارية الأخيرة مع «المستقبل»، مهمة إقناعه بأن يتعهد تعيين قائد جيش جديد فور انتهاء ولاية قهوجي.

وعلمت «الحياة» أن المعاون السياسي للأمين العام لـ «حزب الله» حسين خليل، كان وراء هذا الاقتراح، لكن وفد «المستقبل» في الحوار الثنائي أجابه بعد مراجعة رئيسه الحريري، بأنه من السابق لأوانه الموافقة على مثل هذا التعهد وعلينا الانتظار إلى ما بعد انتهاء ولاية قهوجي وبعدها لكل حادث حديث.

وعليه، هل يوافق «تكتل التغيير» على استكمال عقد المجلس العسكري بتسميته واحداً من أعضائه الثلاثة، أم أنه سيعود إلى رفع سقف مطلبه على رغم استحالة الاستجابة لشروطه، باعتبار أن من سيوقع على قرار التعيين هو نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع الوطني سمير مقبل، ولا يبدو أنه في وارد التسليم للعماد ميشال عون بكل ما يطالب به؟

وفي حال لم يستجب عون لطلب حليفه «حزب الله» الذي حاول أن يحسن شروطه في التسوية، فهل يدخل مجلس الوزراء في دوامة جديدة من التعطيل والشلل، مع أن وزراء يتمنون على رئيس الحكومة تمام سلام، الذي يغادر بعد غد الأربعاء إلى دافوس لحضور المنتدى الاقتصادي العالمي، بأن يدعو الى جلسة فور عودته، ومن يرفض حضورها عليه أن يتحمل تبعات تعطيل الحكومة. ويرى هؤلاء الوزراء أنه من غير الجائز أن نتهم من يقاطع مجلس الوزراء بتعطيل عمل الحكومة من دون أن يبادر رئيسها إلى دعوة المجلس إلى الانعقاد، وعلى ضوء ردود الفعل يكون لسلام موقف يحمّل من يتخلف عن الحضور مسؤولية إعاقة الاهتمام بتدبير شؤون اللبنانيين.

ويسألون أيضاً: «كيف يحق لوزير مقاطعة مجلس الوزراء ويكلَّف في الوقت ذاته بتمثيل لبنان في مؤتمرات دولية وإقليمية، ويتصرف أحياناً بأنه «فاتح على حسابه» في اتخاذ مواقف يفترض أن تناقش في مجلس الوزراء؟».

«حزب الله» متوجس رئاسياً

وفي مجال آخر، تسأل مصادر مواكبة عن الأسباب الكامنة التي تملي على «حزب الله» اتباع سياسة الصمت حيال تزايد الحديث عن احتمال دعم رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ترشح العماد عون لرئاسة الجمهورية في مواجهة زعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية؟

ومع أن هذا السؤال كان طرح قبل التداعيات المترتبة على تخلية سبيل سماحة التي يتعامل معها البعض على أن المرحلة الأساسية التي سبقت مثل هذا القرار لم تعد قائمة بعد صدوره، فإن «حزب الله» يفضل عدم إقحام نفسه في احتمال ترشيح جعجع لعون.

حتى أن ممثليه في الحوار الثنائي يتجنبون الخوض في هذا الاحتمال. وكأن الحزب يتوجس من مفاعيله في حال أصبح بمثابة قرار نهائي لجعجع، وبالتالي يحتفظ لنفسه بأن يبقى في موقع الانتظار، مع أن هناك من يراهن على أن الاستحقاق الرئاسي قد يدخل في مرحلة جديدة بإعادة خلط الأوراق تستدعي التريث في الوقت الحاضر، وربما الانضمام إلى وجهة نظر الرئيس بري بوضعه في الثلاجة في ضوء اعتقاد البعض الآخر بأن تحريكه لن يرى النور قبل أواخر فصل الربيع.