أطلق رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري أمس، نداء من على منبر مؤتمر بروكسيل عن «مستقبل سورية والمنطقة»، لمساعدة لبنان على تحمل عبء اللاجئين السوريين الذين فروا من الحرب المندلعة في بلادهم ودخلت عامها السابع، قائلاً: «أي دولة لم تظهر السخاء الذي أظهره لبنان، لكن نظراً إلى وضعنا الاقتصادي والسياسي والتحديات التي واجهناها طوال السنوات الماضية، أخشى ألا يتمكن لبنان من الاستمرار، وهو لن يستمر في تحمل عواقب دعمه استضافة 1.5 مليون نازح سوري على أراضيه، ما لم يتم وضع خطة جديدة حيز التنفيذ».
قصة عبد الله
واستهل الحريري كلمته أمام المشاركين في المؤتمر برواية قصة عبد الله، «المزارع اللبناني الذي يعيش مع زوجته وأطفاله الخمسة في كوخ صغير في بلدة عرسال (الحدودية مع سورية) والذي استضاف في العام 2011 أربعة أطفال رضع وذويهم طرقوا بابه طلباً لمأوى هرباً من الوحشية التي تشهدها سورية». وقال إن عبد الله شارك العائلة النازحة نصف خبزه. فنحن اللبنانيين نعرف حقيقة ما تكون الحروب، وندرك كم هو مأسوي أن يكون المرء مشرداً. وطرقت بعد وقت باب عبدالله منظمة توزع المساعدات الإنسانية على النازحين السوريين، وكانت بالكاد كافية للعائلة النازحة متجاهلة الأسرة المضيفة التي تتحمل العبء». وقال: «الآن بدأ عبدالله يعيد التفكير بالأمر، إنه فقير بمقدار العائلة النازحة، ويشاركها طعامه ويتحمل العبء من دون أي دعم. وهذا السيناريو يتكرر منذ سنوات، والآن بدأ يزداد التوتر بين الأسرتين».
واعتبر الحريري أن هذه «قصة أربعة ملايين لبناني استضافوا 1.5 مليون نازح سوري، إضافة إلى نصف مليون لاجئ فلسطيني موجودين أساساً في لبنان وذلك أشبه بأن يستيقظ 500 مليون مواطن في الاتحاد الأوروبي فجأة ويرون أنه حصلت زيادة 250 مليون شخص بين ليلة وضحاها! وعلى الأوروبيين أنفسهم مساعدتهم فيما هم بالكاد قادرون على مساعدة أنفسهم».
قنبلة موقوتة
وعن تداعيات اللجوء على لبنان، قال الحريري: «انخفض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي من نسبة 8 في المئة قبل الأزمة إلى ما يزيد قليلاً على واحد في المئة في السنوات اللاحقة. وبلغت الخسارة التي لحقت بالناتج المحلي الإجمالي منذ بداية النزاع 18 بليون دولار في 2015. ووصل معدل الفقر إلى الـ30 في المئة، وتضاعف معدل البطالة إلى 20 في المئة، فيما نسبة البطالة بين الشباب اللبناني هي 30 في المئة، وتعمل الخدمات العامة فوق طاقتها والبنى التحتية مستنفدة، ونسبة ديون عجز الموازنة زادت. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 500 ألف شاب سوري ولبناني يواجهون خطر زيادة سوء الأوضاع الاجتماعية، ويشعر نحو 90 في المئة من الشباب اللبناني بأنهم مهددون من النازحين، والتوترات بين هذين المجتمعين وصلت إلى مستويات خطيرة، ما يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية وأعمال عنف من شأنها أن تهدد أمن البلاد واستقرارها السياسي».
ووصف الوضع في لبنان بأنه «قنبلة موقوتة»، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن لبنان وفى بالتزاماته حيال مؤتمر لندن، ويستمر في توفير المصلحة العامة العالمية بالنيابة عن بقية الدول. وأنا مرتاح جداً للمتابعة التي تمت لمؤتمر لندن، ونأمل بأن نرى في المستقبل القريب متابعة لمؤتمر بروكسيل. نحن بحاجة إلى الحفاظ على الحوار والتعاون في ما بيننا». ونبه إلى أن «الصراع في سورية استمر أطول مما اعتقدنا جميعنا واحتمالات العودة الآمنة للنازحين السوريين إلى وطنهم لا تزال غير مؤكدة». وإذ اعتبر أن «المساعدات الإنسانية كانت مفيدة جداً»، أكد أنها «غير كافية وحان وقت حلول طويلة الأمد».
وأكد أنه «يمكننا معاً الاستثمار في الأمل والسير في الرؤية التي وضعتها الحكومة اللبنانية حتى يتلقى السوريون التعليم والتدريب ويكونوا مجهزين تجهيزاً جيدا للمساهمة في مستقبل بلدهم، أو، يمكننا أن نستسلم لليأس والسماح للفقر والبطالة في لبنان بالازدياد، فندفع بذلك النازحين إلى مزيد من انعدام الأمن والضعف إلى التطرف… وما هو أسوأ، وأنا أخشى أن زيادة التدهور الاقتصادي وانعدام الأمن قد يدفعان، على حد سواء، اللبنانيين واللاجئين السوريين إلى إيجاد ملاذات أخرى».
وتحدث عن «استراتيجية لبنان التي تعتمد ركنين: إطلاق برنامج لاستثمار رأس المال على نطاق واسع من شأنه أن يساعد على توليد العمالة لدى كل من اللبنانيين والسوريين، والثاني توفير فرص التعليم للنازحين السوريين، بما في ذلك التعليم غير الرسمي، والتدريب التقني والمهني».
«العالم يتفرج على الفظائع»
وكان الحريري توقف لدى دخوله والوفد اللبناني إلى قاعة المؤتمر للمشاركة في الجلسة الافتتاحية عند «الجريمة الكبرى التي حصلت بالأمس، والتي لا نستغرب حدوثها فيما نحن آتون إلى مؤتمر دولي للاجئين ولسورية. ولا نستغرب ما قام به النظام السوري». وقال في تصريح: «نتمنى على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته بشأن هذه الحرب وبشأن اللاجئين في لبنان أو الأردن أو دول المنطقة. مشروعنا واضح، نريد الإنماء في لبنان لكي نحافظ على اللاجئين السوريين فيه. فهذا البلد لم يعد يتحمل بأي شكل من الأشكال وجود مليون ونصف مليون نازح سوري فيه».
وشدد على ضرورة «أن يحظى الجميع بحياة كريمة، وأن نقرر كيف نريد أن نحارب التطرف، هل بزيادة معدل الفقر في المجتمع اللبناني أو السوري؟ أم بإعطائهم الأمل؟ نعتقد أن النزاع في سورية يجب أن يتوقف. رأينا ما قام به النظام بالأمس من فظائع جديدة، ولا يمكن العالم أن يُفجأ لأنه يسمح لمثل هذا النظام بأن يقوم بما يقوم به، ولكن ما يصدمنا هو هذا العدد الهائل المتزايد من الأطفال الذين يموتون فيما العالم بأسره يتفرج. من ارتكب هذه الفظائع يجب أن يدفع ثمنها».
ورأى الحريري أن «المشاركين في المؤتمر أتوا لكي يوصلوا رسالة واضحة، والنظام السوري من جهته أوصل كذلك رسالة واضحة، ولكن للأسف ما من أحد شجاع بما يكفي حتى الآن لمواجهة النظام وأفعاله هذه، ولسوء الحظ، فإن المجتمع الدولي لم يتعلم من التاريخ أن الديكتاتوريين من أمثاله يتمكنون أحياناً من التفلت من العقاب، وبالتالي تجب مواجهتهم».
وعن موقف روسيا بأنه لم يكن خطأ النظام السوري، قال: «قولوا ذلك لأمهات هؤلاء الأطفال وآبائهم الذين قتلوا بالأمس، المشكلة أننا قادرون على ابتكار الأعذار، ولكن هناك أمر واضح، عدد القتلة يزداد يوماً وبعد يوم ولا نحرك ساكناً».
لقاءات جانبية
وأجرى الحريري سلسلة لقاءات على هامش مشاركته في المؤتمر حضرها: وزير الدولة لشؤون النازحين معين المرعبي ومدير مكتب رئيس الحكومة نادر الحريري ومستشاره للشؤون الاقتصادية مازن حنا. وشملت النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد الصباح، رئيس الوزراء الأردني هاني الملقي ووزراء خارجية: النروج بورج برانداه وبريطانيا بوريس جونسون وبريتي باتل (التنمية) والقطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني والفرنسي جان مارك إرولت والكندية كريستيا فريلاند والالماني سيغمار غبريال ونائب وزير الخارجية الاميركي للشؤون السياسية طوماس شانون والمبعوث الدولي الى سورية ستيفان دي ميستورا.
وكان الحريري التقى ليل أول من أمس، الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. وقال في لقاء مع أعضاء الجالية اللبنانية في حضور الوزراء مروان حمادة، معين المرعبي، بيار أبو عاصي، رائد خوري وغطاس خوري ومستشار رئيس الجمهورية الياس ابو صعب: «تمكنّا من عبور القطوع الصعب جداً، ولبنان يتجه بخطى واضحة». وشدد أمام وفد من منسقية «تيار المستقبل» في بلجيكا «على أهمية الاعتدال في مواجهة التطرف واحترام الآخر».
وزير التربية
وكان حمادة نبه في كلمة الحكومة اللبنانية في مؤتمر بروكسيل إلى أن هناك «طفلا من ثلاثة هو نازح في لبنان، وهناك أكثر من 130 ألف مولود سوري على الأراضي اللبنانية منذ اندلاع الأزمة في 2011». ولفت إلى أن «الخطوة الأولية لجعل جميع الأطفال يستفيدون من الخدمات التعليمية كانت إلغاء الحاجة القانونية للوثائق الرسمية واستطعنا خلق إطار تعليمي غير رسمي لنستطيع تأمين تعليم نوعي للأطفال الذين هم خارج المدرسة». وتحدث عن «استراتيجية تربوية شاملة والتدخل لحماية الأطفال من العنف والزواج المبكر وعمالة الأطفال». وشدد على «الحاجة إلى تأمين البنى التحتية اللازمة للمدارس، واستكمال العمل بخطة مفوضية الأمم المتحدة للاجئين حول تسجيل اللاجئين وتمويل خطة RACE بالكامل بـ350 مليون دولار سنوياً لضمان دعم متوازن للبنانيين والسوريين».
وزير الشؤون الاجتماعية
ودعا وزير الشؤون الاجتماعية بيار بو عاصي خلال جلسة تمهيدية للمؤتمر إلى «دعم المجتمع اللبناني المضيف حتى يتمكن من الاستمرار في تحمل أعباء أزمة النزوح السوري»، مؤكدا أن «المقاربة تجاه هؤلاء النازحين هي مقاربة إنسانية والدولة تتعامل مع النازحين بين حدين: الأول كونهم ضحية للنزاع تجب مساعدتهم والثاني يقف عند حدود المصلحة الوطنية اللبنانية العليا ومقتضيات احترام سيادة الدولة اللبنانية على أراضيها».
إدانات لبنانية لمجزرة خان شيخون
سُجلت أمس ردود فعل لبنانية شاجبة لمجزرة خان شيخون في إدلب سورية والتي ذهب ضحيتها 72 مدنياً بينهم 20 طفلاً اختناقاً بغازات سامة. وغرد الرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي عبر» تويتر» قائلاً: «ندين قتل المدنيين بالغازات السامة في ريف إدلب وما شاهدناه فظيع والمطلوب حل سريع ينهي مأساة الشعب السوري».
ودان مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان «الجريمة المروعة في حق شعب سورية بل في حق كل الشعوب العربية والإسلامية، وهي ليست المجزرة الأولى التي ترتكب ضد أبناء سورية المظلومين، بل هناك مجازر عدة حصلت ولم يحرك جفن لها»، داعياً «مجلس الأمن والمجتمع الدولي وجامعة الدول العربية إلى محاسبة مرتكبي هذه المجازر ووقف هذه الحرب الضروس والقيام بحل سياسي، فما يحصل من مجازر وإجرام وإرهاب في سورية العربية لا يجوز شرعاً ولا قانوناً ولا إنسانياً، والتصدي له واجب على الجميع».
وقال عضو كتلة «المستقبل» النيابية سمير الجسر في سلسلة تغريدات له عبر «توتير»: «إن المجزرة تأكيد جديد على وحشية القاتل الذي لا يشبع من دم الأبرياء والأطفال، وعلى مجلس الأمن والدول العربية أن تتدخل مباشرة لوضع حد لقتل الأطفال في سورية. إن الله سبحانه وتعالى سيسألنا جميعاً يوم القيامة عما فعلناه من أجل أطفال سورية. إن الساكت عن الحق شيطان أخرس».