غلبت المراوحة على جهود معالجة الأزمة السياسية اللبنانية بعد إعلان رئيس الحكومة سعد الحريري استقالته من الرياض السبت الماضي، رافضاً «استهداف إيران وحزب الله الأمن الإقليمي العربي من لبنان، وتكوين عداوات ليس لنا طائل من ورائها». وبقي رئيس الجمهورية ميشال عون على موقفه القاضي بالتريّث في أي خطوة في انتظار أن يعود الحريري إلى بيروت، وواصل مشاوراته مع القيادات اللبنانية حول مواجهة تداعيات الأزمة، والتقى وفد البنك الدولي الذي أكد الشراكة الطويلة المدى مع لبنان، على أن يلتقي اليوم سفراء الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، ثم سفراء الدول العربية وهيئات اقتصادية ونقابية.
وغاب أي بحث في الدوائر اللبنانية الرسمية عمّا بعد الاستقالة وشكل الحكومة المقبلة، في ظل اتفاق عون ورئيس البرلمان نبيه بري على اعتبار الاستقالة غير نافذة ما دام الحريري لم يتقدم بها مباشرة إلى رئيس الجمهورية. إلا أن غير مصدر رجّح لـ «الحياة» أن يُقبِل البلد على أزمة تأليف حكومة جديدة، وأن تطول مدة تصريف الأعمال في حال قبل عون استقالة الحريري، خصوصاً أن خطاب الاستقالة طرح مسائل خلافية كبرى تتعلق بالموقف من تدخلات إيران و «حزب الله» في عدد من الدول العربية، وإفشال سياسة النأي بالنفس عن الصراع الإقليمي التي تعهدت حكومته اتباعها. وهو أمر يطرح هوية رئيس الحكومة المقبل والأسس السياسية التي ستستند إليها الحكومة العتيدة في علاقاتها العربية. وأكد بري أن «الحكومة ما زالت قائمة، وإعلان الرئيس الحريري استقالته في هذا الشكل لن يغيّر من كامل أوصافها»، معتبراً أن «كل المسار الدستوري مترتب على عودته، لأن للاستقالة أصولاً». وإذ دعا بري إلى تحصين الوحدة الداخلية، أيّد رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط موقف عون وبري بأن الوحدة الوطنية «فوق كل اعتبار».
ووسط الغموض الذي يكتنف موعد عودة الحريري إلى لبنان، وصفت مصادر ثقة المواعيد التي تضربها أوساط سياسية وإعلامية عن هذه العودة، بأنها مجرد تكهنات غير مؤكدة. واستقطبت الأزمة السياسية اللبنانية الاهتمام الخارجي يوماً خامساً، ولم تغب الضبابية عن بعض المواقف الدولية أسوة بالمواقف المحلية. وتم اتصال بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس والحريري. ودعا بيان لسفراء الاتحاد الأوروبي في بيروت «جميع الأطراف إلى متابعة الحوار البنّاء والاعتماد على العمل المنجز خلال الأحد عشر شهراً الماضية، بهدف تقوية مؤسسات لبنان والإعداد للانتخابات النيابية»، بعدما كانت الخارجية الأميركية دعت «جميع أعضاء المجتمع الدولي إلى احترام هذه المؤسسات وسيادة لبنان واستقلاله». وتجنبت السفيرة الأميركية في بيروت إليزابيث ريتشارد تناول الأزمة الراهنة خلال اجتماعها مع قائد الجيش العماد جوزيف عون، لإعلان تقديم مساعدة أميركية للجيش بقيمة 42.9 مليون دولار، كجزء من برنامج سداد تكاليف تأمين الحدود اللبنانية، واكتفت بتكرار الموقف الأميركي المعهود عن «مواصلة الولايات المتحدة التزامها لبنان مستقراً وآمناً وديموقراطياً ومزدهراً».
وشهدت بيروت حركة ناشطة لسفراء غربيين وعرب في اتجاه كبار المسؤولين والقادة السياسيين. وانتقد الرئيس الإيراني حسن روحاني السياسة السعودية حيال لبنان.
وأجرى الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط اتصالاتٍ هاتفية خلال اليومين الماضيين بالرؤساء عون وبري والحريري الموجود في الرياض، «للاستماع منهم مباشرة إلى رؤيتهم للوضع والتداعيات المحتملة لاستقالة الأخير»، كما قال الوزير المفوّض محمود عفيفي، الناطق الرسمي باسم أبو الغيط.
وأشار عفيفي إلى أن الأمين العام «أعرب خلال اتصالاته عن أمله بعبور لبنان هذه الأزمة من دون أن يتأثر السلم الأهلي أو الاستقرار فيه، مشدداً على أهمية أن يبقى لبنان بتركيبته الخاصة، بعيداً من محاولات أي أطراف استقطابه أو فرض الهيمنة أو السيطرة عليه». وأكد الناطق «رفض الجامعة واستنكارها أي محاولات لزرع الاضطرابات وإشاعة التوتر والفتنة في لبنان»، مناشداً كل الأطياف اللبنانية إعلاء مصلحة الوطن فوق أي اعتبارات أخرى. كما اتصل أبو الغيط برئيس كتلة «المستقبل» النيابية الرئيس فؤاد السنيورة.