Site icon IMLebanon

علي عبدالله صالح: صورة حياة وسلطة

 

عقب تسليمه الرئاسة اليمنية إلى نائبه عبد ربه منصور هادي في شباط (فبراير) 2012، قال علي عبدالله صالح الكلمات التالية: «سأعلِم اليمنيين فن المعارضة كما علمتهم فن الحكم طوال ثلاثة وثلاثين عاماً».

يمكن هذا القول أن يلخص حياة الرئيس اليمني منذ توليه السلطة يوم 17 تموز (يوليو) 1978، حتى مقتله في 4 كانون الأول (ديسمبر)2017.

لا أحد من الرؤساء العرب يمكن أن يكون منافساً له في فن البقاء سوى الرئيس السوداني جعفر نميري (1969-1985). أيضاً كان مثله في ذلك الفن من دون مشروع سياسي. يمكن صاحب مشروع مثل محمد علي باشا أن ينافسهما في الدهاء والحيل السياسية، ولكن يمكنهما أيضاً أن يقولا مثلما قال الحاكم المصري للضابط سليمان الفرنساوي، من بقايا حملة نابليون بونابرت، لما بدأ يقرأ عليه من كتاب «الأمير» لمكيافللي: «أغلقه فأنا أعرف أكثر منه».

ترافق فن البقاء عند نميري وصالح مع متلازمة «التحالف مع الجميع وضرب الجميع»، ولا فرق إن كان الأول سابقاً للثاني أم العكس: (نميري: التحالف مع الشيوعيين ثم محاولة شق الحزب الشيوعي بالتحالف مع جناح معاوية ابراهيم – أحمد سليمان ضد أمين عام الحزب عبدالخالق محجوب قبل أن يلجأ الأخير لمحاولة انقلاب 19 تموز 1971 التي أدى فشلها بعد ثلاثة أيام الى إعدام محجوب، التحالف مع حسن الترابي زعيم إسلاميي السودان المشارك مع الصادق المهدي زعيم حزب الأمة والشريف الهندي زعيم الحزب الوطني الاتحادي في محاولة انقلاب 2 تموز 1976 قبل أن ينفك هذا التحالف في آذار (مارس) 1985 قبيل شهر من سقوط نميري الخ….)

صعد صالح للسلطة بعد مقتل الرئيس اليمني أحمد الغشمي الذي قتل بانفجار حقيبة متفجرة مع مبعوث رسمي آت من عدن. كان هناك تحالف يميني محافظ عسكري- مدني أوصله الى السلطة وظل متصارعاً مع اليساريين المتقاربين مع يساريي اليمن الجنوبي منذ عهد الرئيس ابراهيم الحمدي (1974-1977).

كان أول ما واجهه محاولة انقلاب عسكري ناصري يوم 15 تشرين الأول (أكتوبر)، قادت إلى إعدام عشرات من عسكريين ومدنيين. تقارب الناصريون في حركة «13 يونيو» مع اليساريين المتمركسين الآتين من حركة القوميين العرب ليخوضوا حرباً مسلحة ضمن تنظيم «الجبهة الوطنية الديموقراطية» ضد السلطة المركزية بصنعاء مدعومين من عدن. لم يكتف صالح بإشعال حرب 1979 ضد الجنوب لوضع متمردي الشمال في الزاوية الضيقة بل لجأ الى التحالف مع «الإخوان المسلمين» الذي ساندوه وانخرطوا عسكرياً معه حتى هزيمة التمرد اليساري المسلح عام 1982، ولكن مقابل أن يتغلغلوا إدارياً في أجهزة الدولة بخاصة في التعليم. عندما حصلت وحدة 22 أيار (مايو) 1990 مع ماركسيي «الحزب الاشتراكي»، الذين هربوا في عدن الى جدار صنعاء مع كسوف شمس موسكو، شجع صالح الإسلاميين بعد أربعة أشهر على تشكيل «التجمع اليمني للاصلاح» الذي كان تحالفاً بين «الإخوان» وآل الأحمر من زعماء قبيلة حاشد. وقف الإسلاميون معه ضد انفصاليي الجنوب عام 1994، لكنه عندما شعر بنمو قوة الإسلاميين «الإخوانيين» شجع عامي 1996-1997 الشيخ بدر الدين الحوثي وابنه حسين على تشكيل «تنظيم الشباب المؤمن» الذي تمت تسميته أنصار الله» عام 2008، وعبر عن اتجاه زيدي موروث من أبوج ارود المتوفى عام 150هجرية، وهو قريب من الشيعة الإمامية بخلاف الزيدية المعتدلة القريبة من السنة والموروثة عن الإمام زيد بن علي (توفي في 122 هجرية) الذي قال بقبول «إمامة المفضول مع وجود الأفضل»، والذي عبر عن اتجاه للتركيز على الهوية الزيدية بعدما أصبحت الزيدية أقلية في اليمن مع انضمام الجنوب الشافعي للوحدة اليمنية عام 1990.

في الحروب الست التي خاضها الحوثيون ضده بين حزيران 2004 وشباط 2010، زج صالح قوات الفرقة أولى المدرعة في أتون تلك الحرب، لكي يبعد منافسه الأخ غير الشقيق اللواء علي محسن صالح الأحمر وينهكه في ظل تفكيره بتوريث الرئاسة لابنه أحمد، قائد الحرس الجمهوري الذي لم يتورط في الحروب الست. وهناك مؤشرات كثيرة الى أن صالح وابنه كانا يهربّان السلاح والذخيرة للحوثي.

عقب انفجار المجتمع اليمني مع «الربيع العربي» عام 2011، وافق على «المبادرة الخليجية»، ولكن يقال إنه أنهك المبعوث الدولي جمال بن عمر بفنون مراوغاته وتراجعاته وتقدماته التفاوضية. وعندما وافق في 23/11/2011 على التوقيع على تلك المبادرة وتسليم السلطة خلال تسعين يوماً، اشترط الحصانة من المساءلة القانونية. وفي «الانتفاضة اليمنية» اتحد «الإخوان» والحوثيون والناصريون ضد صالح، لكن في ظل سلطة الرئيس هادي مالت الكفة لمصلحة «الإخوان» واللواء علي محسن الأحمر الذي وقف ضده عام 2011. ومع انفراط تحالف «الإخوان» وواشنطن عام 2013، يمّم صالح، الذي أنهك حكم الرئيس هادي بالمؤسسة العسكرية وبالجهاز الإداري المواليين أو المحتفظين بولائهما له، وجهه نحو الحوثي، وعملياً في الزحف العسكري عام 2014 من صعدة لعمران حتى صنعاء، في 21/9/2014 لم يكن هناك من قتال حقيقي بل فتحت الطريق أمام الحوثيين من الوحدات العسكرية الموالية لصالح.

واستطاع الخصمان السابقان تقويض سلطة هادي في صنعاء وإجباره على الإقامة الجبرية في القصر الرئاسي، قبل أن يتحرر منهما ذاهباً الى عدن.

في تجربة فن البقاء الأخيرة التي مارسها صالح مع الحوثي في صنعاء بعد ذلك، ثبت أن الخارج من القصر ليس مثل الذي كان فيه: صحيح أنه استطاع إثبات أن «السلطة القديمة» و «الرئيس السابق» ما زالا في حالة من القوة، وهو ما رأيناه أيضاً في تونس ومصر وليبيا ولو بتفاصيل مختلفة، لكنه في لعبة الشراكة مع الحوثي كان هو الخاسر بالمحصلة النهائية، كما بانت النتيجة في عملية طلاقه المعلنة مع الحوثي قبل أيام على مقتله. فقد استطاع الحوثي إمساك مراكز القوة وسلب صالح عناصر قوته.