IMLebanon

عندما “تستبدّ” الفتنة والإلغائية بقلب “الثنائية الشيعية”!

 

ليس جديداً إنتهاج سلوك بث الأحقاد وإثارة الفتن لتعزيز النفوذ والسيطرة، والنماذج عديدة في العالم وفي المجتمعات العربية والإسلامية، ولبنان نموذج شهد ويشهد هذا السلوك السلطوي والاستبدادي الذي تجاوز كل حد.

 

العلامة المجتهد السيد علي الأمين والباحث والناشط السياسي لقمان سليم نموذجان بارزان، لما يمكن أن يطال التعبير الجريء عن الاختلاف السياسي مع بيئة سلطوية ترمز اليها الثنائية الشيعية الممثلة بـ”حزب الله” اليوم، فـ”الثنائية” هي هنا في الشكل وليست في المضمون طالما هي تؤول الى أحادية سياسية، تمارس فعل الشيطنة والتكفير وفعل البطش في مواجهة كل معترض من داخل الجماعة الشيعية، وكل موقف يمكن أن يعبر عن التنوع الحقيقي والطبيعي في داخلها. وقبل التطرق الى ما جرى ضد الأمين وسليم من عدوان همجي مخطط ومدروس، لا بد من الإشارة الى أن في منطق هذه الأحادية الشيعية وفي اخلاقها السياسية، لا وجود للمختلف الشيعي أو للمعارض لموقفها وسلوكها، وهذا متصل بالضرورة بتلك النزعة السلطوية الالغائية.

 

لذا يصعب بل يستحيل امام هذه السلطة الأيديولوجية أن تعترف بحق الاختلاف داخل الجماعة الشيعية، لذا لن تجد تعريفاً في سلوكها ولا في خطابها لمن يمكن أن يكون معارضاً فعلياً لهذه المنظومة الأيديولوجية وفي الوقت نفسه ليس شيطاناً أو متآمراً؟  التنوع الفكري والسياسي والتعبير عنه تحت سقف القوانين اللبنانية مرفوض وشيطاني، وهذا منهج زاد وترسخ، بحيث باتت أي محاولة أو تعبير عن هذا الاختلاف عرضة للقمع والتهشيم، ولاستخدام السطوة الأمنية والعسكرية الحزبية حيناً وعبر أجهزة رسمية حيناً آخر، وفي استخدام ميليشيا “الأهالي” لممارسة هذا القمع كما شاهدها اللبنانيون وخبروها في مناسبات عدة، حين اعتمدها “حزب الله” في ملاحقة المحققين الدوليين بقضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، أو في ملاحقة دوريات قوات “اليونيفيل” في الجنوب.

 

هذا ما مورس على العلامة السيد علي الأمين اليوم، بسبب مشاركته في مؤتمر حوار الأديان في البحرين، حيث اتهم بالتطبيع مع العدو الإسرائيلي، بسبب حضور احد الحاخامات الإسرائيليين لهذا المؤتمر الى جانب عدد كبير من رجال الدين من كل الأديان والطوائف. وهذا ما دفع العلامة الأمين الى اصدار بيان نفى فيه علمه بوجود هذا الحاخام ونفى حصول أي لقاء بينهما. لكن ذلك لم يشفع له فأصدر “حزب الله” بيانا ضد المؤتمر وضد السيد علي الأمين كما استصدر بيانا باسم رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان بنفس التوجه. وترافق ذلك مع حملات تخوين، وأدرج وصف المعمم علي الأمين في سياق التهوين من موقعه العلمي والفقهي الذي جعله من ابرز علماء الشيعة فقهياً وهذا ما يعرفه علماء الشيعة.

 

تناول السيد علي الأمين بهذه الحملة الشعواء، سببها اختلافه السياسي مع الأحادية الشيعية أولا، ولكونه من الجماعة الشيعية ثانيا. وما يثبت هذه الخلفية هو أن “حزب الله” لم يشر في بيان ادانته للمؤتمر وشخص العلامة الأمين الى حضور اكثر من شخصية لبنانية للمؤتمر، أبرزهم سفير لبنان في البحرين الدكتور ميلاد نمور والمطران اللبناني نيفون صيقلي. هل جرم التطبيع (اذا كان هناك جرم) بنظر “حزب الله” هو جريمة تتصل بالشيعة؟ بالطبع لا سيكون الجواب. اذاً لماذا لم يدن مشاركة الآخرين، بل كيف يصمت على مشاركة الدولة اللبنانية عبر سفيرها، فهل مشاركة شخص مهما بلغت أهميته اهم من مشاركة ممثل الدولة؟

 

هذا ما يدلل على أن الغاية الفعلية ليست كما يشيع “حزب الله” ومناصروه أي التطبيع مع إسرائيل، بل هو تصفية حسابات سياسية وشيطنة كل مختلف مع “حزب الله” داخل الطائفة الشيعية. بل تم استدعاء العلامة الأمين الى جهاز الامن العام، من دون ان نسمع عن أي استدعاء للسفير أو المطران علماً أن على رأس وزارة الخارجية “مقاوم من الطراز الأول؟”.

 

وكذلك الحال بالنسبة إلى الباحث لقمان سليم الذي يعبر عن قناعاته السياسية ومواقفه من دون تهيب أو خوف من السطوة الأحادية، لذا فإن سيل التهديد والوعيد وصل الى اقتحام منزله في بلدة الغبيري، وهو المنزل المحاط بعشرات كاميرات المراقبة التابعة لـ”حزب الله”، والصقت على جدران المنزل وسوره عشرات الشعارات التي تتهمه بالعمالة وتهدده بالقتل، فضلا عن الشتائم التي نالته وعائلته من قبل مجموعات فالتة حظي تصرفها هذا بمباركة نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، خلال كلمة له في منطقة الغبيري اثناء مناسبة حزبية. والجديد في سلوك الأحادية الشيعية على هذا الصعيد، هو استصدار البيانات العائلية المفتعلة، للتبرؤ من المعارضين كما البيان الذي صدر عن آل سليم وهو بيان تم استصداره في دوائر الأمن الحزبي لا أكثر ولا أقل كذا الحال بالنسبة للعلامة الأمين.

 

هذه السياسة المرشحة للتنامي والتصعيد من قبل “الأحادية الشيعية” ضد كل من يعلن ويمارس فعل المعارضة والاختلاف السياسي لها في الطائفة الشيعية، ودائما ثمة وسيلة أو ذريعة فحينا تكون المسّ بوحدة الطائفة التي يراد لأفرادها ان يحسنوا وظيفة التصفيق للتلفيق، أو ان تكون الذريعة كما هي اليوم التطبيع مع العدو، ودائما لنقل المواجهة من سؤال الانتفاضة اللبنانية الملح نحو عنوان مفتعل هو التعامل مع العدو اسوة بكل أنظمة الاستبداد سواء كانت دينية أو لا دينية.