Site icon IMLebanon

درسٌ فاشل من نظام بوليسيّ مأزوم!

 

السيد علي الأمين “يسامح” من فبرك التهم

 

 

هو علاّمة وفقيه وسيّد وهادئ ومتواضع وواثق بالتعددية والإختلاف والعيش المشترك وبالحق والواجب والعدل والإنصاف وبقوة الأكف التي تتصافح والنفوس التي تتسامح. هو رجل دين شيعي تمرد على الثنائية والتصق بالمواطنية فاتّهم (بالغلط) بالعمالة وبإثارة النعرات الطائفية ودس الدسائس وتزييف المذهب الجعفري. العلامة السيد علي الأمين أشاح برأسه عمن اتهموه، ومن وراءهم، وقال: “ذبحوا البريء وكبّروا لجريمةٍ ذبحوا بها التكبير والتهليلا”. لماذا هذا الإتهام الآن؟ سؤالٌ له إجابة شبه واحدة من عارفي العلامة ويُصنفون في التقسيمات الطائفية مواطنين شيعة.

 

 

هناك من يقرأ الآن، بهدوء، سبب توجيه هذه التهمة الى العلامة ثم التراجع عنها بعد التأكد أن “الفبركة” في هذا الموضوع محالة! لكن، لماذا حصل ما حصل، في هذه اللحظة الزمنية بالذات، مع قامة بحجم العلامة علي الأمين؟

 

 

العلامة – السيد يعلو على الضغائن ويفضّل الصمت ويسامح. كيف لا وهو من شارك في تعزيز قيَم التسامح عربياً وإقليمياً وصلى: “اللهمّ أنت الخالق لكل شيء والقادر على ما تشاء”.

 

هو سكت عن الكلام المباح تاركاً ما حصل يتردد بين محبيه، كشلالٍ يتدفق في نهر، واستمرّ السؤال: لماذا تقصّدوا الإساءة الى العلامة السيد علي الأمين بهذا النوع من التهم التي تُحرّض على تصفيته معنوياً وجسدياً؟

 

الشيخ محمد علي الحاج العاملي الجريء يملك بدل الإجابة إجابات: ان القوة الشيعية الحاكمة تتخبط منذ فترة وتعيش حال إرباك، ومحاولة فبركة هذا الملف، في حق السيد علي الأمين، محطة في سياق. فهناك من يعيشون اليوم خريف عمرهم ويعلمون أنهم سيتساقطون كما أوراق الشجر وستحصل إنهيارات كبيرة في جوّ سياسي أكل عليه الدهر وشرب وأزمة خانقة ستُضاعف من الخلافات السياسية ليس بين ما كان يسمى 8 و14 بل بين القوى المتحالفة، التي تحاول أن تجد مخارج من مأزقها بفبركة ملفات، الى الأصوات المعترضة، هنا أو هناك.

 

هل نفهم من هذا ان الأصوات الشيعية المختلفة في خطر؟

 

يميّز الشيخ العاملي بين نوعين من المعارضة الشيعية. النوع الذي يسترزق منها وزاد كثيراً بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري وبين الأصوات الشيعية الصادقة التي تبحث عن سلام وتؤمن بالتسامح وتريد وطناً ولا تفكر بحسابات الربح والخسارة. هناك أشخاص مبدئيون وأشخاص مرتزقة يستفيدون ويسيئون للمعارضة الشيعية. وما دور “حزب الله” هنا؟ يجيب: “حزب الله” هو مدير الدولة وحاكمها وكل ما يحصل فيها تحت عينيه وإمرته مباشرة أو غير مباشرة، وهو يتحمل مسؤولية كبيرة في ما حصل مع السيد علي الأمين.

 

ما رأي خليل الخليل الذي شغل منصب سفير لبنان في إيران، على مدى دورتين متتاليتين، بين عامي 1971 و1979؟ يجيب السفير السابق الذي هو صوتٌ شيعي معارض أيضاً: ما نراه حالياً يصبّ ضمن نظام بوليسي قمعي واتهام العلامة الأمين جعلني أتساءل: كيف تسمح هذه الدولة بالإدعاء على عالم فقيه يُعدّ من أهم علماء الطائفة الشيعية علماً وفقهاً حضر مؤتمراً يضم مئات الأشخاص من كل العالم؟ كيف تسمح بذلك ولا تحاسب سفيرها الذي كان حاضراً مع شخصيات لبنانية أخرى؟ إنهم يحولوننا من نظام الحريات الى نظام كبت الحريات. نحن اليوم في نظام قمعي. إنهم يحاولون التخفي وراء فبركات مختلفة لإخفات صوت الجياع. وهم عالمون أن الجوع كافر.

 

هل يخشى السفير السابق من حوادث تتكرر من هذا النوع لإشغال الرأي العام عنهم بأمور شتى؟ يجيب: الوضع، داخلياً وإقليمياً، خطير جداً جداً. وإذا لم نُحسن التعامل في هذه المرحلة فعلينا جميعاً السلام.

 

ماذا يستطيع هو وسواه، ممن يعترضون على المسار الداخلي، أن يفعلوا؟ يجيب: ما يفترض بنا فعله عدم القبول بالدولة البوليسية وبكبت الحريات وإسكات الرأي الحرّ. ويستطرد: نحن جزء من الحراك ونثق بوجوب إبقائه سلمياً ولدينا قناعة راسخة بأن كثيرين من المندسين سيوضعون في طريقنا. أما في ما يخص “حزب الله” فنحن ندعوه الى إعادة حساباته وتوجهاته على الساحة اللبنانية ونذكّره بأن التأييد الذي ناله زمان كان كبيراً جداً فلا يُفرّط به. أدعوه الى أن يلتفت الى وجع الناس وحاجاتهم. ونذكّره أننا لن نقبل بتحالفاته. نحن ضد إسرائيل وضد التوجهات والأخطار التي يأخذنا إليها. وأقول له إن لبنان لم يكن بحياته تابعاً الى إيران ومرتبطاً مذهبياً بها. والتشييع في إيران كان مصدره جنوب لبنان. نحن من شيّعناهم. وبالتالي لا ولاء طائفياً لنا الى إيران. وإذا كانت إيران تساعد “حزب الله” اليوم فليس هذا معناه أن نتركها تتحكم بمصائر أهل الطائفة.

 

بين الملف الذي فبرك للعلامة الأمين والمأزق الواقع فيه لبنان وتوجهات “حزب الله” ترابط وثيق. وكل الكلام الصادر فيه يشي بأخطارٍ جاسمة تبدأ بالحريات وتمر بالقمع وقد لا تنتهي عند حدود الإنتقام.

 

 

ما رأي الدكتور حارث سليمان بكل ما نشهده بدءاً من قراءته لما حصل مع السيد علي الأمين وصولاً الى الأخطار التي نرزح تحتها؟

 

حين يبدأ سليمان في الكلام عن العلامة لا يعود يتوقف “فالسيد أكثر علماء الدين الشيعة علماً وفقهاً في لبنان، وهو الشخصية الدينية الثالثة التي حضرت يوم أتى البابا فرانسيس الى دولة الإمارات بعده وبعد المفتي الأزهري، أما أن يتقدم أحد الحزبيين الممانعين (نبيه عواضة) بدعوى ضده على أنه يمس بقواعد المذهب الجعفري فهذا مضحك – مبكٍ. أما أن يقول أن العلامة اجتمع بإسرائيليين فهذا الكلام مردود عليه. العلامة يشارك في مؤتمرات عالمية وليس مضطراً لأن يطلب جوازات سفر مئات المشاركين ليتأكد من إنتماءاتهم. ويبدو أن من قدم الدعوى، ومن وراءه، نسوا تلك الصورة الشهيرة التي أظهرت جبران باسيل وبنيامين نتنياهو في الصفّ الأول من تظاهرة “تشارلي ابدو” في باريس. القصة مفتعلة بنسبة مئة في المئة. ثمة من يرتكب في هذه المرحلة الزمنية الحماقات وقد يرتكب منها بعد وبعد. ومن يفعل هذا يملك عقلاً أمنياً مسطحاً. هناك جماعات أفلست بعدما استيقظ كثير من الناس ما جعلها تضرب عشوائياً. ما حصل مع العلامة علي الأمين دليل مأزق الحاقدين وإرباكهم.

 

المحامي محمد مطر، وكيل الأمين في الدعوى المقامة على من اعتدوا عليه، قبل 14 عاماً، في دار الإفتاء، يردّ الإتهامات التي تعرض لها العلامة الى “ضيق صدر” البعض، ممن ما عادوا قادرين على سماع أصوات معارضة ويقول: ما يعنيني في الموضوع هو استخدام البعض القضاء لغير غاياته، بما يشبه الغلّ السياسي، لترهيب صوت شيعي معارض. ويستطرد بالقول: سبق أن دفع العلامة ثمن رفض النيابة العامة في صيدا إستدعاء من اعتدوا على منزله، وكلما راجعنا في الموضوع قالوا لنا لم نستطع بعد التبليغ. مضى 14 عاماً ولم يبلغوا! مع العلم أن الجميع يعرفون المتهمين واحداً واحداً وهم ينتمون الى “حزب الله” وحركة أمل. والملف القديم يُظهر كم أن القضاء أداة من أدوات السياسة.

 

محمد مطر يرى أن هناك من عاد يستخدم مثل هذا النوع من التلفيق كوسيلة إكراه ضد الناس. ويقول مستغرباً: كيف يمكن لعلّامة، من نوع السيد الأمين، أن يثير النعرات الطائفية وهو الذي سعى دائماً الى توحيد موقف اللبنانيين المسيحيين والسنة والشيعة؟

 

نتذكر هنا قول العلامة “إذا كان التسنن هو الإيمان بسنّة رسول الله فكل المسلمين سنّة، والتشيّع إن كان حبّ أهل البيت فكل المسلمين شيعة”.

 

نعود الى الشيخ العاملي لسؤاله عن رؤيته للمرحلة المقبلة؟ يجيب: لن نضحك على أنفسنا وسنقولها بصراحة، الوضع خطير جداً، وكلما اشتدت الأزمة اشتد الخوف من المعارضة الشيعية. التحديات كثيرة وتغيير الأزمة لن يكون من دون تضحيات. ويستطرد بالقول: مشكلة المعارض الشيعي غير مشاكل المعارضين المسيحيين والسنة والدروز، لأن قوة خصمنا كبيرة ولأن الدولة معه لا معنا ولأننا لن نتمكن من المراهنة على الطوائف الأخرى. في كل حال، المعترضون على “الأمر الواقع” سيتابعون اليوم اكثر من أي يوم نضالهم. وهم لم يتوقفوا عن ذلك يوماً ولن يفعلوا لأن التوقف جمود والجمود يمنح فرصاً إضافية للخصوم.

 

ماذا عن رؤية حارث سليمان للمرحلة المقبلة وسياسة التخوين التي تساق من البعض في حقّ البعض؟ سليمان يبدو حاسماً في اتجاه إكمال ما بدأه قبل أعوام كثيرة في اتجاه تحقيق المواطنية والحق والعدالة على الرغم من العراقيل التي قد تُزرع ويقول: ندعو “حزب الله” الى إعادة النظر في خياراته. وإذا كان بشار الأسد اليوم في حفرة بسبب سياساته الخاطئة فليدفع الثمن وحده. فليعاقب هو لا نحن.

 

يبقى أن صدى كلام العلامة السيد علي الأمين سيبقى يصدح وبقوة: “ضمانتنا الدولة واتكالنا على الخالق وحده القادر على ما يشاء”.