جاء خبر استشهاد الدركي الرقيب علي البزال ليؤكد، مرة جديدة، ان المفاوضات مع الجماعات التكفيرية الارهابية لن تبلغ أي نتيجة ايجابية، إذ ان هؤلاء لا يقيمون وزناً لأي من قيم العدالة والحق والحياة العائلية، وحرية المعتقد والتعبير. علي سبقه كثيرون من الشهداء، وربما سيلحق به آخرون، لسوء الحظ… والسبب، ببساطة، عدم وجود حكومة قوية تضرب بيد من حديد، وبقايا ميليشيات لا تريد ان تعود الى حجمها الطبيعي، بل تحاول باستمرار وضع اليد على كل القرارات والسياسات. مع جيش محكوم بقرار سياسي متخاذل في بسط سيادة الدولة على كل أرضها ومَن عليها. لن يأخذ أحد السلطة، اذا اتخذت قرار التفاوض، على محمل الجدية. وفي هذه الحال، لا نفاجأ بتجرؤ تنظيم او مجموعة مسلحة في الداخل والخارج، على تحدي الدولة وابتزازها شهيداً في إثر شهيد. وعندما لا يكون هناك اتفاق سياسي شامل وكامل وصادق بين مكونات الحكومة، فإن النتيجة الطبيعية ستكون إهداراً لمزيد من الدماء البريئة وجرّ البلاد الى المزيد من الغرق في أتون النزاعات الدائرة في المنطقة. وهكذا يستمر لبنان واقفاً في صفّ متقبّلي التعازي الباكين على الشهداء، ويتحول مسؤولوه جماعة من المتباكين على الوطن وكرامة الأمة، مقررين ان لا حول لهم ولا قوة، أو ربما لا إرادة ولا شجاعة. أما اللبنانيون العائشون على أعصابهم وضيق حالهم، والمستسلمون لقدرهم، فالكلام أمامهم على ديموقراطية وحرية يكاد يتحول أصداء في الخواء.
لكن هذا الوضع لا ينفي الرغبة الدائمة والجامحة لدى كثيرين في التغيير، وقلب الطاولة على الواقع المزري، والانتفاض على الحصار الذي ينفذه عليهم ذوو المصالح والحسابات. وإذا حاول هؤلاء التمرد ورفض الأمر الواقع فقد يكون مصيرهم “الاستشهاد”، ولهم ممّن حاولوا زرع بذور الانتفاضة والتغيير خير عبرة من أمثال جبران تويني الذي نحيي ذكراه هذا الاسبوع.
لذا فإن قضية العسكريين المخطوفين لا تنتهي بإعادة مَن بقي منهم أحياء الى ذويهم، بل الاكثر أهمية هو إعادة الاعتبار الى الدولة، لأن دولة تعجز عن المحافظة على كرامتها، لن تنال الاحترام والاعتبار حتى من شعبها، وتكون بذلك ساهمت في إفقاد المواطن ثقته بوطنه.
كان أمام الحكومة حلّان، إما المقايضة بمن لم يحاكموا من الاسلاميين وإما ان تخاطب التنظيمات الارهابية باللغة التي تتقنها وتفهمها، وخصوصاً بالمنطق الذي هو أقرب الى اللامنطق الذي تتعامل به. فالتهديد بالذبح والقتل يجب ان يقابل بالمثل، وتنفيذ التهديد يردّ عليه بتعليق المشانق للمحكومين بالإعدام.
أنا لا أشجع على الإعدام، ولكن على التزام القانون اللبناني دائماً، وخصوصاً حيال منظمة ارهابية تذبح العسكريين.
إن المسّ بالجيش وقوى الأمن ممنوع، وإلا سقطت الدولة مرة جديدة.