على غـرارِ القصص الخيالية في ألف ليلة وليلة، مِنْ مثْل: السندباد البحري، مصباح علاء الدين، علي بابا واللصوص الأربعين.
نحاول أن نشرب محلولاً سحرياً إسـمُه «الحَمْرنَـة» لنصدِّق أنّ الذين حكموا عندنا والذين هجّروا شركة التدقيق المالي الجنائي، هُمْ مِـنْ ذرِّيـة امرأة قيصر، وقد وُلـدوا منها بواسطة الأنابيب، وأنَّ الزيت المقدَّس يـرشحُ من جيوبهم، فما امتَّـدتْ يـدٌ إلى حـرامٍ ولا إلى صندوق مال.
ومع أنهم سرقوا ما هو أعظم وأدهى.. سرقوا لبنان الوطن والتاريخ والدولة والمستقبل والحياة، فلا بـدّ من أنْ نسأل: لماذا إذاً، يتقاتلون على التلقّط بأَذيالِ الحكومة، وثـوب الحكومة أشبهُ بثياب المهرّجين بما فيـهِ من ألوانٍ وتلوين، والحقائب كالمقابر، بـما فيها من قذارة وعَـفَن.
لعلَّ عيونهم الحولاء تشْخَـصُ نحو الجنوب.. لا الجنوب المعرَّض للغزو، بل الجنوب الذي يعرِضُ النفط والغاز.
هذا الإختصاص المتفـوِّق بالنَهـبْ يطارد الفريسة حتّى أعماق البحار ويلاحقها حتى طبقات الأرض السبع.
مع هذا، فلماذا الحكومة، وأيَّ حكومة اختصاصٍ واختصاصيّين تتوقّعون…؟
حتى ولو كان الوزراء من جمهورية أفلاطون… وأفلاطون كان يطرُد المفكّرين إذا كانوا لا يتروّضون، وحين يقول: «إنّ أثْـقَلَ مصائبِ الناس أنْ يُـقْصى فضلاؤهم عن الأحكام..» فهذا يعني أن قصّـة الإختصاص ترتبط بالفضيلة، ولا يستطيع وزراؤنا الإختصاصيون أن يكونوا فضلاء إلا إذا تحرّروا من الأوصياء.
ولأنّ «علي بابـا»، يخضع لسلطة: «بابـا علي» فقد يصبح الإختصاص أشبهَ بالأُمِّيـة، ما دام الأمر ليس للعقل، بل لمن يأمـرُ العقل، وما دام الذي يأمـرُ العقل مُصاباً بما هو خللٌ عقلي.
وبفضل مؤَشِّـر «علي وبابا» في مجال النهب والسلبْ، أعلن مـؤَشِّر غالوب(1) منذ يومين «أن حياة اللبنانيين هي الأسوأ في العالم»… وهذا لأن المؤتمنين على حياة اللبنانيين هم أسوأُ الأسوأ في العالم.
من هنا، أنّ مشكلة الحكومة أيّ حكومة، ليست في الورقة الإصلاحية والورقة الإقتصادية والورقة الإختصاصية، بل في الورقة الأخلاقية وإغراءات الورقة الخضراء، عملاً بالقاعدة التي أطلقها العالِم السياسي: «هارولد لاسكي»: أنْ ليس في السياسة ملائكة.. وهذا يعني في مفهوم الحكم: أنَّ في السياسة شياطين.
لهذا، تـرى شياطين جهنّم الحكم يصرّون على رفْض الوزراء المستقلّين لتظلّ ملائكتهم الشيطانية في الحكومة حاضرة، ويظل الإصلاح عند الحكومة أشبه برسالة العميان إلى المبصرين.
على أنّ الإصلاح، لا يُستورد من الخارج كأنه سلعة تجارية، كمثل ما استوردنا المبادرة الفرنسية، وأنّ لبْنَـنَة الإصلاح تحتاج إلى ذهنية سياسية مختلفة تنـبع من القيم الروحية والدستورية والتراث الفكري والثقافي، وبهذا يتحقّق حـلُّ عقـدةِ الإختلاط الكيميائي بين السياسة والدين، والدين والتجارة، والفضائل والرذائل، والأخلاق والفساد.
ولَبْـنَنةُ الإصلاح تنطلق من لبْنـنةِ الإنتماء وأحدّية الولاء الوطني، فيما المسؤولون الأكارم لم يكتفوا بشرَفِ كونهم لبنانيين، فإذا هُـمْ لبنانيون وأجانب وفُـرْسٌ وعـربٌ وأعاجم، حسب الهواء الذي يحرّك طاحونَهُمْ بالمغانم.
وهذا يذكّرنا بما كتبَـهُ الأستاذُ «مَعْـن زيادة» ذات يوم فقال: «إذا أمْطرَت السماء في موسكو حَمـلَ الشيوعيون العرب المظلاّت في لبنان».
هذه اللبنـنة الوطنية والسياسية والولائية والإصلاحية لا يمكن أنْ تـتحقّق في ظـلّ هذه الطبقة السياسية المتورّمـة بالمفاسد والآفات، لأن الدولة التي يصطبغ تراثها بالفساد، فليس من السهل أن تستعيد نقـاءَ تراثها إلاْ بانقلابٍ أبيض وتغيـير شامل من فوق إلى تحت.
حكومة أعمال أو تصريف أعمال، فلن نتوقَّع منها أن تعيد لبنان إلى ما كان عليه قبل هذا العهد، ولا أن تنفِّـذ شريعةَ حمورابي: «مَـنْ كُسِرَتْ لـهُ سـنٌ كُسِرت سنُّـهُ، ومَـنْ فقـأَ عيـنَ امريء فُقئَـتْ عينَُـه، بل لعلّ أقصى طموحنا مِـن أي حكومة، أنْ تَفْـقَأَ لنا عينـاً واحدة، شرط الإبقاء على العين الثانية.