غادر المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان لبنان وفي قلبه غصّة، وفي ملفاته فجوة، وأمام ناظريه عقدة كأداء. الغصة أنّ قوة عظمى تدخلت لمنع لقائه رئيس حزب البعث العربي الإشتراكي السيد علي حجازي، والفجوة عجز عن ردمها جميع من التقاهم من نواب وقادة ومرشحين، والعقدة أنّ حجازي، بما يمثّل، لم يفرج بعد عن الحلّ. فحلّها يا حلّال.
طوال عقدين وربما ثلاثة عقود، ما عرف المسرح السياسي في لبنان رجلَ مواقف صلباً كعلي. ففي نبرته الواثقة شيء من النرجسية، وفي لغته المقعّرة والمفخّمة شيء من الإستعلاء، وفي حركاته نجم على الطريق.
من أين لعلي هذا الإعتداد بالنفس ليعلن أمام من تخيّلهم يملأون ثلاثة ملاعب عن بكرة كراسيها، أقلّها سعة بحجم ويمبلي، وبالصوت القاطع أنّ حزبه «لا يقبل برئيس للجمهورية غير وطني وغير عروبي، وعليه أن يلتزم ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة»؟ من سأله قبولاً أو رفضاً؟ ومن باله بحزبه في هذه المعمعة؟ كيف حشر نفسه بين اللاعبين الكبار؟ ومن أي laiterie يجلب حليب السباع والضباع؟ وماذا يغيّر تقييمه الهمايوني في المعادلات، وقوله «إنّ فرنجية حقق مفاجأة» في جلسة 14 حزيران، وإنّ «التعتيريين تلقّوا ضربة قاسية»؟. يا لخفة دمه حين يصرّح وحين يخطب وحين يغرّد وحين يعلن انبهاره بريادة الرفيق القائد بشّار الأسد!
يوهم علي حجازي نفسه، أن «البعث» الذي يتولى فرعه اللبناني منذ تشرين الثاني 2021، ركن أساسي في اللعبة السياسية. يتجاهل عمداً أنه لولا بواسط «الحوزب» لما وجد أبو جاسم نفسه في مجلس النوّاب، ولا تبنّى «الإستيذ» قاسم هاشم الذي صار مع الوقت محروماً أكثر من علي خريس. ولولا الوصاية السورية لما شاهد أحد عبدالله الأمين أو غازي شمس الدين (رحمهما الله) أو فايز شكر على مقاعد الوزراء.
سيد لودريان عُد حالاً. علي عاوزك بـ»جوز كلام». لا تتعب نفسك في إعداد تقرير مكتوب عن الإنقسام الحاد في خيارات النوّاب. ولا تسترسل في التحليل. عبثاً تتعب نفسك في تدوير الزوايا والتوصل إلى جوامع مشتركة. ولجت الأبواب المؤدية إلى متاهات. جلسة واحدة مع علي حجازي تغنيك عن ساعتين مع حامل الخواتم، وعن غداء عمل مع البك ومترجميه ومستشاريه، وعن طلعات وعن نزلات. إن قبل الـ»نيو بعث» بهذا المرشح أو ذاك، فعلى رسلك يا جان إيف. إمضِ بالاسم قُدُماً. بموافقة علي تكون قطعت ثلاثة أرباع الطريق. وما كان ينقصنا، إلّا علي حجازي.