على عكس المصادر المتفائلة بأنّ زيارة رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني قد تسفر عن «إنفراجة» في ملفّ انتخاب رئيس جمهورية، عبر مقاربة إسفار وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف عن تشكيل الحكومة اللبنانيّة، على اللبنانيين أن يتوقّفوا مليّاً عند قبض إيران على رئاساتهم الثلاث، وأن يتأملوا ويفكّروا مليّاً في الكلام الذي أعلنه لاريجاني بالأمس من بيروت، بل من صرح الجامعة اللبنانيّة في الحدث، وهذا مؤشر خطير جداً، بكلّ رمزيّة الجامعة اللبنانيّة: «هنالك بعض التيارات التي تعتبر فاعلة أكثر من الدول مثل حزب الله»، كلام لاريجاني كرّس «حزب الله» «دولة»، وعشيّة «الحوار الموعود» اليوم بين تيار المستقبل ـ وحزب الله!!
يمثّل علي لاريجاني الجناح المتشدّد في إيران، على عكس وزير الخارجيّة جواد ظريف، وللمناسبة لا بُدّ من تذكير «الغافلين» بأن علي لاريجاني نفسه هو أوّل من طرح ملفّ المثالثة مع الفرنسيين قبيل حوار «سان كلو» الذي لم يفضِ إلى شيء، وكذلك حوار «عين التينة»، إلا أنّ المشهد اللبناني الفارغ محتاج إلى تعبئة لتقطيع الوقت، في انتظار ما ستسفر عنه حرب برميل النفط وسعره الذي تتوقع مصادر أن يصل إلى سقف الـ 55 دولاراِ، لا رئيس حتى يتظّهر المشهد الإيراني ـ الروسي، وما سوى ذلك «علفٌ كلاميّ» للإستهلاك المحليّ، فالقرار ليس في لبنان، والصراع الإقليمي بلغ ذروة غير مسبوقة ستعيد خلط كلّ الأوراق قبيل لحظة انهيار محور الممانعة والدبّ الروسي، وبعدها لكلّ حادث «حديث وحوار».
والسؤال الملحّ والخطير الذي علينا أن نطرحه هنا لأنّ الجامعة اللبنانيّة ليست جامعة طهران، هو: لماذا ألقى علي لاريجاني محاضرة في حفل استقبال أقيم له في الجامعة اللبنانية في الحدث؟! وهنا أيضاً علينا أن نحذّر وبشدّة من خطورة تسلّل إيران إلى الجامعة اللبنانيّة، مع ملاحظة بسط حزب الله لسيطرة كاملة على مجمّع الجامعة في منطقة الحدث بقوّة السلاح والأمر الواقع، وجود علي لاريجاني في الجامعة اللبنانيّة مؤشر خطير جداً سيكون له انعكاساته في الأيام المقبلة على الجامعة كصرح وطني جامع لكلّ أطياف الشعب اللبناني ونسيجه الطائفي الممزّق!!
في المدى المنظور على الأقلّ؛ لن تُسفر زيارة لاريجاني عن انتخاب رئيس للجمهوريّة، ولأسباب كثيرة بعضها ـ حتى نكون صادقين ـ لا يتعلّق بإيران، فرغبة رئيس تكتل الإصلاح والتغيير المزمنة بأن يكون رئيساً للجمهورية أطاحت بكلّ مؤسسات لبنان الدستورية عام 1989 من أجل أن يحقّق الرجل «حلمه» الكبير، ثانياً؛ علينا الاعتراف أنّ رغبة الرئيس السابق الشيخ أمين الجميّل بأن يعود رئيساً تزيد المشهد تعقيداً، ثمّة موارنة أكثر من الأقطاب الأربعة يسعون في السرّ والعلن لطرح أنفسهم «رؤساء» مرشحين وإن لم يعلنوا ترشيحهم، وهذه عقدة مارونيّة مزمنة لا دواء لها، وهي داءٌ يصيب لبنان بلوثته كلّ ست سنوات!!
قد يكون الحديث عن الحوار السُنّي ـ الشيعي، والمسيحي ـ المسيحي، بثّ لجرعة تفاؤل في أفق اللبنانيين المسدود، وجولات الحوار هذه خبرها اللبنانيّون بفاعليّة خلال الحرب اللبنانيّة التي لم تصل يوماً إلى نتيجة، ولنكون صادقين مع أنفسنا ومع القارئ هذا الحوار لن ينفّس أي احتقان سُنّي ـ شيعيّ، والذين يدّعون غير ذلك يخدعون البسطاء من النّاس، هذا الحوار هو «جرعة مخدّر» تجمّد الوضع الملتهب لا تبرّده ولا تخمد نيرانه ولكن تتحسب لاندلاع الحريق الكبير، وهو آتٍ لا محالة طالما حزب الله تورّط وبات طرفاً أساسيّاً في الحرب السوريّة، وطالما «جبهة النّصرة» و»داعش» باتتا على الحدود اللبنانيّة، وتحكمان الشوارع اللبنانيّة فتقفلانها وتحرقان الإطارات باتصال تهديد واحد، وطالما «المفاوض» اللبناني مستمرّ من «هالك لمالك» حتى نفجع بإعدام أحد أبنائنا الرهائن في قبضة الإرهاب…
2 ـ اعتذار
أعتذر من كلّ قرّاء الشرق، وقرّاء هذا الهامش خصوصاً الذين اطمأنوا عن سبب غيابه القسري، هي وعكة صحيّة طويلة، قد تجد طريقاً إلى انكشافها بعد تدخّل جراحي مطلع العام الجديد…أعتذر عن هذا الغياب، الذي قد يتكرّر، وكلّي ثقة بأنّ القارئ سيقبل هذا الاعتذار…