Site icon IMLebanon

الوزارة “ما بتمشي” بلا عليا عباس

 

من نِعَم نعمة على “الاقتصاد والتجارة”… والناس

 

لا يمرّ يوم لا يثبت فيه وزير الاقتصاد والتجارة راوول نعمة بُعده عن الواقع الاقتصادي، أقلّه بمعناه الانساني. أخطاء وهفوات وتخبطات تُسجّل وبشكل دراماتيكي للوزير القادم من أروقة العمل المصرفي. آخر “خبصات” الوزير، تجلّت في بحثه عن صيغة لإبقاء المديرة العامة السابقة لوزارة الاقتصاد عليا عباس بجانبه، بعدما أحيلت على التقاعد لبلوغها السن القانونية. لم ينَمْ الوزير النشيط، منذ أيام تاركاً ما يجري في الشوارع، من فلتان وتضخّم في الأسعار، وأزمات واحتقان شعبي، وتفلت واستنسابية من قبل التجار، ليبحث عن صيغة لتمرير إبقاء عباس، معه. وهي قد نجحت فعلاً بإقناعه أنها حاجة ملحة له بعد سنوات خدمتها الطويلة في الوزارة، ومعرفتها “بالخفايا”، على الطريقة اللبنانية التي كانت سائدة لسنوات، والتي جعلت الاقتصاد الوطني يبلغ المكانة المرموقة التي وصل إليها حالياً بفضل جهودها في الوزارة، كما في مصرف لبنان كونها عضواً في المجلس المركزي وفي هيئة الاسواق المالية. يريد الوزير أن يقنعنا جميعاً، كما حاول إقناع مجلس الوزراء في جلسة الخميس المنصرم، أن وجود عباس بعد تقاعدها ضرورة حيوية لحسن سير العمل. ولو كانت الحالة هكذا بالفعل، ففي ذلك تقصير فاضح في الإدارة قد يصل إلى حد التواطؤ المريب، إذ لم يتم وضع خطة تهدف إلى التأكد من استمرارية العمل في المرفق العام في أي وقت وتحت أية ظروف لا سيما الطارئة منها.

 

والواقع أن مثل هذه الحقبات المفصلية يتم التحضير لها بشكل مهني لفترة طويلة، بحيث يستقيم العمل المؤسساتي بغض النظر عن الأفراد. وقد عرفت وزارة الاقتصاد وغيرها من الوزارات خروج العديد من موظفيها ومدرائها لدى بلوغهم السن، من دون أن تثار أية ضجة حول الموضوع، وتم استكمال العمل الوزاري بشكل طبيعي.

 

إزداد الأمر غرابة بعدما عيّن الوزير موسى كريّم بمهام المدير العام بالوكالة تبعاً للأصول. فهل الاصرار على استمرار المديرة العامة السابقة من بوابة مستشار يعني أن كريّم ليس أهلاً لتولي المهام المسندة اليه؟ وإن كان الأمر كذلك، فلماذا تم تعيينه بالوكالة؟ في هذا السياق يشدد مصدر لـ”نداء الوطن” على أن في الوزارة رؤساء مصالح وذوي خبرة وكفاءة الا أن الوزير لم يقابل الا مرشّحين من “حركة أمل”، وهو الذي كان يشيد بضرورة إبعاد الطائفية والمحاصصات عن التعيينات القضائية.

 

السؤال الذي يطرح نفسة بديهياً، ما الذي يحتويه سجل عباس للتمسك بها بهذا الشكل الفاضح. حلت عباس في وزارة الاقتصاد بعدما تمَّ تغليب الاعتبارات الطائفية والسياسية على الكفاءات العلمية والعملية منذ البداية.

 

فأنّى لمدرّسة مادة الأدب الفرنسي أن تستلم زمام الاقتصاد والتجارة في لبنان؟ وأنّى لها أن تنجز المشاريع المعقدة والتي تتطلب علماً ودراية وخبرة في حقول الاقتصاد والتجارة الدولية؟ ومن مهام المدير العام العمل على الاتفاقيات التجارية الثنائية والدولية، ووضع جداول بالرسوم الجمركية على السلع المستوردة، ورسم السياسات الاقتصادية التي تحفز التصدير، ومراقبة الأسعار، ومراقبة جودة السلع التجارية، ووضع القواعد المعلوماتية للسلع المستوردة والمصدرة، وغيرها.

 

وليس غريباً أن يجد وزير الاقتصاد والتجارة نفسه، في نهاية عهد المديرة العامة السابقة، من دون أية مؤشرات تمكنه من فهم ما يحصل في سوق السلع الغذائية: فلا إحصائيات، لا مؤشرات، لا إجراءات، ولا سياسات. إن غياب مديرية الاقتصاد والتجارة عن وضع الأسعار غير مقبول. وليس غريباً أيضاً أن يبقى صناعيو لبنان بانتظار فتح أسواق التصدير من خلال الاتفاقيات الثنائية والمعاهدات الدولية. وها إن لبنان برمته لا يزال ينتظر اليوم الذي سيوقع فيه على اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، التي اعتبرتها عباس بلا جدوى لا بل صنفتها من المشاريع المضرة.

 

ومن غرائب الأمور ان تضغط عباس للبحث عن موقع لتبقى فيه تحت أي مسمى كان. الا أن الاغرب هو محاولة البقاء في الوزارة من خلال عقد مع الـ UNDP وهي الجهة التي حاربتها عباس سابقاً بكل ما أوتيت من قوة، وصبت عليها سخطها، ومنعتها من تنفيذ العديد من المشاريع الحيوية، أما اليوم فتحاول عبر الوزير أن يكون راتبها الشهري المقدر بآلاف الدولارات من ميزانية الـUNDP.

 

إنتهى عقد الـUNDP للمرة الاولى في كانون الثاني 2019، قبل أن يعود ويجدد لغاية نيسان 2020. في جلسة مجلس الوزراء الاخيرة، طلب الوزير نعمة تمديد العقد حتى العام 2021 وحاول التفاوض على زيادة الموازنة المقرة للبرنامج، الا أن الحكومة وافقت على التمديد بالمبلغ المتواجد في الاعتمـاد المخصص لهذا البرنامج والبالغ 40 ألف دولار فقط، على أن تُصرف للموظف المسؤول عن قسم التكنولوجيا والمعلومات بالاضافة الى سكرتيرة الوزير. في هذا الصدد علمت “نداء الوطن” أنّ عباس كانت قد طلبت راتباً شهرياً لبقائها بصفة مستشارة للوزير 10 آلاف دولار، ما يطرح علامات تساؤل كثيرة عن المصدر الذي يزمع الوزير الوصي اللجوء اليه لتأمين المبلغ المطلوب، وهو ما أثار بحسب المصدر مشكلة مستجدة وصلت أصداؤها إلى نيويورك من خلال مكتب الـUNDP في بيروت (Country Office).

 

بعد 17 تشرين وانتفاضة الشعب ضدّ المحاصصة السياسية – الطائفية، أفحمتنا الحكومة الحالية بنيّتها ادارة الملفات كافة بمهنيّة واستقلالية غير مسبوقتين، إلا أن التنفيذ يتم عملاً بأعراف “السيستام” القديم الذي يبدو أكثر استشراساً… أما الوزير الحالي فإن كان بهذا القدر من العجز عن إدارة أبسط قضايا وزارته، فإنّ أوان الاستقالة لم يفت بعد.