أصبح واضحاً بعد كل ما نقل عن رئيس مجلس النواب نبيه برّي في الشأن الحكومي، منذ تكليف الرئيس سعد الحريري قبل شهر من مواقف تناولت التشكيلة الحكومية، وتوزيع الحقائب السيادية والخدماتية وما إلى ذلك من تصنيفات لا معنى لها سوى العرقلة ووضع العصى في الدواليب لإبقاء الفراغ في سدة الرئاس الثالثة وبالتالي لتأخير انطلاقة العهد بالزخم المطلوب من أجل التصدّي للتحديات الكبيرة. وأصبح من الواضح تماماً أن المتاريس التي ترفع في وجه تشكيل الحكومة تتخطى في مراميها وأبعادها الحكومة في حدّ ذاتها إلى رغبة ضمنية بتعطيل انطلاقة العهد كون مشروعه المرتكز إلى بناء الدولة لا يتناسب مع المشروع الاستراتيجي المشترك والذي أسس له تفاهم مار مخايل ونعني به الثنائية الشيعية – المارونية كبديل عن الثنائية المارونية – السنية التي ولدت بعد الاستقلال في العام 1943 تحت عنوان عريض هو الميثاقية، وإلا ما معنى أن يتذكر الرئيس برّي اليوم وبعد تصريح مستشاره السياسي الوزير علي حسن خليل الثنائية السنية – المارونية التي أعاد أحياؤها التفاهم الثنائي الذي تمّ بين الرئيس ميشال عون والرئيس سعد الحريري قبل انتخاب الأول رئيساً للجمهورية والذي على أساسه كلف الرئيس الحريري تشكيل أولى حكومات العهد، وحصل تقارب ملحوظ بين تيّار المستقبل والتيار الوطني الحر أفضى إلى هذا التناغم في المشهد السياسي العام وفي مقاربة تشكيل الحكومة وعناصر بيانها الوزاري وتقاسم الحصص بالنسبة إلى الحقائب الوزارية بين تيّار المستقبل وثنائي القوات اللبنانية والتيار الوطني لحر، وإلا ما معنى أن يركن رئيس المجلس الضنين باحترام القانون والدستور إلى محاضر نقاشات جرت، كما ينسب إلى الرئيس حسين الحسني على هامش اجتماعات الطائف ليعتبرها دستوراً قائماً في حدّ ذاته يفترض أن يلتزمه أركان الدولة وتحديداً الرئيس المكلف في تشكيل الحكومة في حين أن وثيقة الطائف التي ذيلت بتواقيع ملوك ورؤساء عرب لم تأتِ على ذكر هذا الموضوع ولا تطرقت إليه في أي بند من بنودها، والمقصود بذلك إسناد وزارة المالية إلى الطائفة الشيعية حصراً لتمتلك حق التوقيع على جميع المراسيم والقوانين إلى جانب توقيع رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزير المختص.
ألا يفهم من هذه الاستفاقة المتأخرة للرئيس برّي، انها تمت بالتفاهم والتنسيق التامين مع حزب الله الذي نأى ظاهرياً بنفسه عن عملية تأليف الحكومة وترك هذه المهمة لحليفه رئيس مجلس النواب، أن هناك نقزة قد تولدت عند حزب الله من الاتفاق الذي تمّ قبل الانتخابات الرئاسية بين رئيسي التيار الوطني الحر وتيار المستقبل بإعادة إحياء الثنائية المارونية – السنية التي ولدت بعيد الإستقلال على حساب الثنائية المارونية ـــ الشيعية التي ولدت بعيد حرب تموز في العام 2006 بين الرئيس ميشال عون وأمين عام حزب الله السيّد حسن نصر الله، وأن هذه النقزة هي التي أحيت مشروع إسناد وزارة المالية إلى الطائفة الشيعية حصراً، علماً بأنه منذ ابرام اتفاق الطائف وفي ظل الوصاية السورية وحتى الآن لم يتولَ هذه الوزارة سوى اثنين من الشيعة في حين تولاها أكثر من أربعة وزراء من الطائفة السنية.
أليس صحيحاً ما يقال في الصالونات المغلقة وبين الأوساط السياسية المتابعة للمشهد السياسي العام المحيط بتأليف الحكومة بأن الصحوة المتأخرة للرئيس برّي يضاف إليها الشروط المسكوبية التي يلقيها في وجه الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية ليست سوى الوجه الآخر للتعبير عن نقزة الثنائي الشيعي من الاتفاق بين التيار الوطني الحر بشخص الرئيس عون وبين تيّار المستقبل بشخص الرئيس الحريري وقبله الاتفاق بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والتي عبرت عن نفسها أولاً بالاصرار على حقيبة المالية والثاني بالاصرار على اشراك كل معارضي مجيء عون في الحكومة العتيدة.
د. عامر مشموشي