الحياة… أسلوب : أسلوب في العيش، في التصرف، في التعامل مع الآخرين، في معالجة القضايا والإشكالات مختلفة الأحجام والأنواع، وبالتالي، ما يصادفنا في الحياة من نجاح أو من فشل في حل القضايا المعقدة أو في زيادتها تعقيدا، يتوقف إلى حد بعيد على طبيعة ونوعية الأسلوب الذي يعتمده كل منا في المعالجة. يزداد هذا الطرح أهمية وخطورة إذا ما كان متعلقا بالشأن العام والسياسة العامة، وتتضاعف هذه الأهمية وهذه الخطورة إذا كانت متعلقة بشخص مسؤول يشغل منصباً هاماً، كما هو حال وزير الخارجية اللبنانية الأستاذ جبران باسيل، وتتضاعف هذه الأهمية إذا كانت مرتبطة بمسؤول يشغل منصب رئيس حزب أوصل رئيسه الفاعل إلى سدّة رئاسة الجمهورية، ويطمح لأن يكون رئيساً مقبلاً للجمهورية اللبنانية عند انتهاء ولاية الرئيس عون الحالية. نقول ذلك وفي أذهان الكثيرين جملة من الوقائع والتصرفات المرتبطة بالأسلوب الذي يعتمده معالي الوزير في معالجة قضايا البلاد الخارجية والداخلية، حتى لبتنا من خلال مواقفه وتصريحاته، السابق منها والحالي «وربما اللاحق» أمام جملة من الورطات المعقدة وذات الأثر السلبي على أوضاع البلاد في حاضرها المضطرب، ومستقبلها الغارق في سلسلة من الرؤى المشوشة والمقلقة.
لا نريد العودة إلى تلك الجلسة المؤسفة من جلسات جامعة الدول العربية، والتي صوّت فيها لبنان منفردا وخارج إطار الوفاق العربي الشامل بما يماشي ويراعي الموقف الإيراني، دون أن ينجح مع الأخوة العرب وفي طليعتهم المملكة العربية السعودية، في تبرير ذلك الموقف الذي أدى في حينه إلى جملة من الإجراءات والمواقف الخليجية السلبية بالصدد اللبناني. نتجاوز هذه الجلسة السوداء في تاريخ الدبلوماسية اللبنانية لنتناول كلام وزير الخارجية في عشاء التيار الوطني الحر في جبيل حيث صرح بأننا ذاهبون إلى انتصار جديد «انتصار ممكن وعلى من؟»، في وجه كل تخلّف أبقى الوضع في لبنان على ما هو عليه، ثم أردف: إن قانون الإنتخاب هو أهم من رئاسة الجمهورية ويستأهل التضحية من أجله بكل شيء وحتى بالعهد. الأولوية اليوم لقانون الإنتخاب ولا أولوية تعلو عليه، فلا موازنة من دون هذا القانون. ومخطىء من يفكّر عكس ذلك، ولن يحصل شيء في البلد من دون هذا القانون.
بكل اختصار، معاليه يؤكد على انتصار جديد يتوقف عنده وتتوقف معه كل حركة في البلاد فلا موازنة من دون هذا القانون ولا حياة سياسية، مكانك قف، كما وقفت الدولة قرابة العامين ونصف، كل شيء فيها معطل ومعرّض لشتى صنوف المخاطر، ولم تبدأ قاطرات التحرك في حراكها إلاّ بعد انتخاب الرئيس الجديد، بمبادرة وطنية واعية من قبل الرئيس سعد الحريري، تجاوز بها كل السلبيات التي كانت قائمة ليهيىء لأوضاع تسمح بعودة الحياة والتنفس الدستوري والديمقراطني والميثاقي إلى البلاد، وقد جاءت تلك المبادرة مدعومة بتوافق شعبي على الإنتقال إلى مرحلة جديدة تستهدف تدوير محركات النهوض من الكبوات اللبنانية المتلاحقة، حتى عدنا لنعاني من هذا الأسلوب المهدِّد بالفراغ والثورة وإيقاف عجلات الحركة في البلاد. أنه «أسلوب» في معالجة الأمور والمواضيع والوقائع، ألا ليته يتوجه إلى ذلك الأسلوب الهادىء والمتوازن والبعيد عن الإستفزاز والدفع بالآخرين إلى اتخاذ المواقف الحادة والبعيدة عن مراعاة التركيبة اللبنانية المعقدة، وطباع اللبنانيين وأمزجتهم وحرارة ردّات الفعل لديهم. وبصرف النظر عن بعض العبارات التي أوقع فيها الإعلامُ العربي فخامة الرئيس عون، والمتعلقة بمواقفه من سلاح المقاومة وتقديره لمدى قوة وقدرة الجيش اللبناني على مواجهة اسرائيل، فإن الملحوظ في مواقف وتصرفات فخامته منذ بداية توليه موقع الرئاسة سيطرته على مسارات تصريحاته ومواقفه وتغيير أسلوبه في معالجة القضايا العامة وانتقاله من مواقف الإحتداد والتعصيب، إلى موقع الهدوء والحكمة وكبح جماح الغضب السريع.
وعندما نعترض على أسلوب الوزير باسيل، فإن اعتراضنا هو بمثابة الدعوة إلى الاقتداء بفخامة الرئيس في نهجه الحالي الذي اختلط بمسؤولياته المستجدة كرئيس لجمهورية وصلت إليه وهي مهددة بشتى أنواع المخاطر ومعرضة للوقوع في أسوأ أنواع المطبات، وإن أية مواقف تبعدنا عن التحكّم بالتصريحات المسؤولة، تعيدنا إلى مهاوي الأخطار الداهمة.
وبالرغم من الأحوال الصعبة ومن كل هذه العوائق المعقدة التي تحول حتى الآن دون اعتماد قانون جديد للإنتخابات، فإننا لعلى ثقة بأن الأمور سترسو في نهاية المطاف على حلٍّ ما، لا بدّ من التوصل إليه لأن البديل هو وضع متدهور يجرُّ البلاد إلى ما هو مرفوض من كل لبناني حريص على سلامة اللبنانيين أرضاً وشعباً وعمراناً وحضارةً ومؤسسات.
دعوتنا إلى الوزير باسيل أن يعود إلى طبيعة البلد وحقيقة تحدياته ومشاكله والرجوع عن الأسلوب الفوقي الذي يحاول أن يُعْمِلَ لغة الفرض والتجاوز، وهو نهج ترفضه أغلبية اللبنانيين الساحقة، وهو أمر تزداد مخاطره وحساسياته، فالوطن لا يتحمل نصراً مزعوماً من أحد على أحد، ومن فريق على فريق، وليعمد الجميع إلى محاكاة لغة الإعتدال والحكمة التي يعتمدها الرئيس الحريري في مواقفه وسلامة أسلوبه التي تجمع ولا تفرّق، وتوحّد ولا تبدد.