IMLebanon

داعش قربت بين طهران وواشنطن في سياسة ستحول الحرب على الارهاب إلى حرب مذهبية

«أي طرف أسوأ: التطرف الشيعي أو السني؟» هذا كان عنوان نقاش بين خبراء روس وغربيين على هامش مؤتمر قبل عامين في أحد العواصم الأوروبية. فالخبراء الروس حينها كانوا يشددون على أن التطرف السني هو الخطر الأكبر الذي يتهدد أوروبا ودول العالم وينصحون نظراءهم الأميركيين بأن تراجع واشنطن سياساتها المؤيدة للدول العربية «السنية» والمعادية لإيران «الشيعية» وحلفائها. وظهر من الحوار بأن موسكو تسعى ومنذ حرب الشيشان لاقناع الولايات المتحدة والغرب بالتخلي عن مساندة الدول العربية والاستثمار أكثر في ايران. وكانت هجمات الحادي عشر من سبتمبر فرصة مهمة لموسكو ومن يؤيدها بهذا التوجه في أروقة الادارة الأميركية بتبني هذه النظرية. الا أن العداء بين واشنطن وطهران كان كبيرا جدا لتغيير هذه السياسة خاصة مع التدخل اليمين الاسرائيلي المستمر. وكان لا بد من ايجاد عدو مشترك يجمع ايران مع الغرب لتغير سياسة الادارة الأميركية في المنطقة.

العدو المشترك الذي يجمع الولايات المتحدة وأوروبا مع ايران اليوم هو المجموعات المتطرفة التكفيرية «السنية» والتي انتشرت في سوريا والعراق بطريقة مريبة جدا. فالأمر بدأ مع ثورة مسالمة ضد النظام في سوريا وانتفاضة مسالمة أيضا للعشائر السنية في العراق ضد الحكومة. وللتذكير فان النظام السوري هو الحليف الاستراتيجي الأساسي لإيران، وحكومة نوري المالكي كانت معروفة بتبعيتها لطهران. وبدأت تتسرب للصحف أواخر عام 2013 أخبار فرار آلاف المساجين الخطرين من تنظيم القاعدة وعناصر من حزب البعث العراقي المنحل لينضموا الى مساجين خطرين أطلقهم النظام السوري عام 2011. غالبية هذه المجموعات شكلت القوة الرئيسية لداعش. ومن الأمور اللافته هو تراجع القيادة الأميركية عن نيتها شن عملية عسكرية ردا على استخدام النظام السوري للغازات السامة، وتغاضيها عن فلتان الأوضاع على الساحتين السورية والعراقية وتسليم ملف المفاوضات بين النظام السوري والمعارضة الى موسكو.

وأهم التطورات المريبة جاء في مطلع صيف 2014 حين انسحب آلاف الجنود العراقيين من ما يوازي ثلث مساحة العراق وسلموا آلياتهم وعتادهم وأسلحتهم لبضعة آلاف من عناصر داعش اقتحموا مدن وقرى العراق على متن آليات نقل مدنية غير مصفحة ودون أي قتال يذكر. جل ما قامت به الحكومة العراقية الجديدة هو فصل بضعة قيادات عسكرية كاجراء تأديبي بحق ممن كانوا مسؤولين عن سقوط ثلث العراق بيد داعش.

انفلاش داعش «واخواتها» في اسبوع واحد في سوريا والعراق أحدث صدمة دولية أدت الى ولادة تحالف دولي-عربي لمحاربة الارهاب والذي كان مكونا من مجموعات سنية متطرفة. ودخلت ايران وحلفاؤها على الخط وزجت بميليشياتها وقوات الحرس الثوري لتقاتل جنبا الى جنب مع القوات الأميركية والأوروبية، في وقت قدم المفاوض الايراني تنازلات لمجموعة الخمس زائد واحد في ما يخص الملف النووي الايراني لتسهيل التوصل الى اتفاق يكسر الجليد بين طهران والغرب ويؤسس الى مرحلة جديدة من العلاقات بين ايران والولايات المتحدة، يكون محاربة الارهاب التكفيري فيها أحد أسسها.

الا أن هذه الاستراتيجية دونها مخاطر كبيرة على السلم الدولي، وتؤدي الى اعادة رسم حدود دول الشرق الأوسط وتفاقم العداء الاثني-المذهبي في المنطقة والعالم الاسلامي. فالتركيز على التطرف من مذهب واحد وتجاهل الطرف الآخر يولد المزيد من التطرف والكراهية لدى الجهة المستهدفة. فالارهابي هو ببساطة شخص متشدد دينيا اختار العنف كوسيلة لفرض وجهة نظره وعقيدته. وهذا يطبق على أي شخص من أي طائفة أو مذهب كان. وعليه فان استهداف متطرفين من مذهب معين دون غيره سيؤدي الى انضمام العديد من المتشددين من المذهب ذاته لهم وسيدفع بالعديد من المعتدلين للتشدد. ولذلك فان تحويل الحرب على الارهاب الى حرباً ضد مذهب معين سيحول هذه الحرب الى مواجهة طائفية واسعة تحرق العالم الاسلامي بأسره. فأصداء النزاع المذهبي في المنطقة اليوم بدأت تصل الى دول اسلامية بعيدة في آسيا وأفريقيا وانها مسألة وقت فقط قبل أن تندلع هناك.

كما أن دخول المليشيات والقوات الايرانية على خط الحرب على الارهاب سيضع الدول العربية المشاركة في التحالف الدولي تحت ضغوط كبيرة ستدفعها للانسحاب. وهذا أمر حذر منه رئيس أركان الجيوش الأميركية الجنرال ديبمسي خلال زيارته الأخيرة الى بغداد. فقيادة الجيش الأميركي تدرك مخاطر تحول الحرب على الارهاب الى حرب مذهبية تكون هي طرفا فيه اذ سيتحول جنودها في سائر الدول العربية الى أهداف سهلة. فالعقيدة الداعشية اليوم تركز بشكل أساسي على العداء المذهبي ضد الشيعة وعليه فان تحول البيئة في المنطقة الى حرب مذهبية سيجعل كل مواطن سني متدين جدا ومتشدد مشروع تجنيد محتمل للفكر الداعشي، وهو ما سيهدد الشيعة وايران والأنظمة العربية والغربية على حد سواء. وضعف الدول العربية بوقف الهجمة الايرانية التوسعية في المنطقة عبر اعتماد الأخيرة على ميليشيات شيعية عربية سيهز استقرار هذه الدول العربية ويجبر معظمها على اعتماد الخطاب المذهبي المتطرف وبأن تعدل أولوياته لتصبح ايران والشيعة مصدر التهديد الأساسي لها مما يزيد من الانقسام والتوتر الاقليمي والذي سيكون على حساب القضية الأهم وهي تحرير فلسطين.

اسرائيل ليست ببعيدة كثيرا عما يجري في المنطقة اليوم. فهي بالأمس كانت الحليف الاستراتيجي الأساسي لايران، واذ بها تصبح اليوم العدو اللدود الأول لها. وتحاول اسرائيل أن تلعب اليوم دور حليف العرب السنة في تصديهم للتمدد الايراني-الشيعي، ولكنها في نفس الوقت تزيد من حجم مستعمراتها في الأراضي المحتلة وترفض تطبيق عملية السلام، أو حتى القبول بمبادرة السلام العربية. ما تقوم به اسرائيل اليوم هو انتهاز فرصة لزيادة شق الصف العربي والاسلامي في سبيل اضعافه. فهي ستدفع بكل ثقلها من أجل استمرار الحروب في العراق وسوريا والتي تستنزف خصومها السنة والشيعة على حد سواء وتبقي القضية الفلسطينية في طي النسيان.

قد آن الأوان لايران وحلفائها لأن يعوا مخاطر الفترة الراهنة وتبعات سياستهم الحالية على مستقبلهم ومصير المنطقة بأسرها.