دعوات للتهدئة بانتظار الحلحلة.. و«أمل» تحذّر من المغامرة بحكومة أكثرية
في العشر الأواخر من أيلول، قضي أمر التأليف: لا حكومة هذا الشهر، إلا إذا.. وكل إلى شأنه يسير:
– الرئيس ميشال عون إلى نيويورك الاثنين المقبل لترؤس وفد لبنان إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة.
– الرئيس نبيه برّي يترأس الاثنين والثلاثاء جلسة تشريعية اتخذ القرار بشأنها مكتب المجلس النيابي، الذي عقد اجتماعا برئاسة الرئيس برّي، واتفق على عقد جلسة سميت «بتشريع الضرورة» كشف نائب رئيس المجلس ايلي الفرزلي انها ستناقش وتقر «كل المشاريع التي صدقت في اللجان المشتركة والمتعلقة بالنفايات والالكترونيات ومسألة الفساد ومسألة الوساطة القضائية..» وهي لم توزع بعد على النواب كجدول أعمال مطبوع..
– الرئيس سعد الحريري المكلف تشكيل الحكومة، يدعو إلى الأجواء الإيجابية للوصول إلى حل (أي إلى التأليف) داعياً إلى التحلي بالهدوء..
وأبدت أوساط مقرَّبة من بيت الوسط ارتياحها لما أعلنه وزير المال في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل من رفض لتشكيل حكومة أكثرية، معتبراً ذلك من نوع المغامرة.
ولئن بدت الجلسة التشريعية مغطاة من كتلة «المستقبل»، إلا أنها فتحت نقاشاً دستورياً ونيابياً يتعلق بانتظام عمل المؤسسات من زاوية دستورية، لا سيما الفقرة هـ/ من الدستور التي تنص على ان «النظام قائم على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها».
وطرحت في الجدل الدائر أسئلة حول إمكانية نشر القوانين التي يقرّها المجلس من دون حكومة تحيلها إلى الرئيس، وكيف يُمكن الانتظام العام من دون حكومة تجعل التوازن والتعاون قائماً بين السلطات.
وعبّر النائب السابق بطرس حرب عن مخاوفه من ان يؤدي التشريع بغياب الحكومة (على الرغم من جوازه دستورياً، من وجهة نظره) إلى تشجيع الأفرقاء السياسيين، المسؤولين عن تعثر تشكيل الحكومة على التمادي في لعبتهم الجهنمية في ابتزاز الآخرين».
بالمقابل تخوفت مصادر سياسية ودستورية من ان يُشكّل هذا المنحى، انقلابا على الطائف، وشكلا من اشكال التعايش مع المأزق السياسي، أو مأزق تأليف الحكومة، في ظل تسابق غير مألوف على الحصص والحقائب، استناداً إلى حسابات، يزعم أغلب المتنافسين انها تستند إلى نتائج الانتخابات النيابية.
وتخوفت الأوساط المعنية بالتأليف من الكلام الذي صدر على لسان الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، وجاء فيه: «بحسب معطياتي، هناك غباشة بشأن التشكيل الحكومي، فلا شيء سيظهر لا في القريب، ولا في البعيد»، داعياً إلى الحفاظ على الحوار «مستدركاً» ان «الحكومة ستشكل ولا أحد يُمكن إلغاء الآخر».
مؤشرات جديدة إلى الأزمة
ومع اقتراب انتهاء الشهر الرابع لتكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات، برزت أكثر من إشارة إلى ان الأمور ما تزال على حالها منذ اليوم الأوّل لبدء مشاورات التأليف، لا سيما وانه لم يطرأ أي تطوّر على الصيغة الأخيرة التي سلمها الرئيس المكلف إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، مطلع الشهر الحالي، ما يعني ان مأزق التأليف قد يمتد إلى موعد غير قريب، وربما إلى شهور، بحسب ما توقع الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله، مساء أمس.
وإذا كانت المواقف التي صدرت في اليومين الماضيين، سواء من قبل الرئيس عون، أو الرئيس المكلف، ومن ثم تأكيد رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع على رفضه التنازل أو التفاوض في شأن تعديل الصيغة الحكومية الأخيرة، ما يؤشر إلى ان الأزمة الحكومية مرشحة للدخول في مرحلة من الجمود، فإن أكثر من إشارة جديدة صدرت لتؤكد استمرار هذا الجمود، أبرزها إعلان الرئيس نبيه برّي عن دعوة مجلس النواب إلى عقد جلسة عامة يوم الاثنين والثلاثاء المقبلين في 24 و25 أيلول الحالي، لدرس وإقرار مشاريع واقتراحات القوانين المدرجة على جدول أعماله، تحت عنوان تشريع الضرورة، على الرغم من عدم وجود حكومة فاعلة، بل فقط حكومة تصريف أعمال.
وفي تقدير مصادر نيابية، ان عقد جلسة تشريعية في ظل حكومة تصريف أعمال، يعني ان الرؤساء الثلاثة، سلموا بأن موضوع تأليف حكومة جديدة، سيأخذ وقتاً طويلاً، ومن غير المطلوب في هذه المرحلة، حيث تنتصب مجموعة تحديات ومخاطر اقتصادية ومالية واجتماعية، التسليم بالأمر الواقع، وبالتالي لا بدّ من جلسة تشريع توافق عليها الرؤساء ويجري خلالها إقرار مجموعة مشاريع قوانين ضرورية، لتأمين الغطاء القانوني لتأمين الإيرادات المالية اللازمة لها.
ولهذا الغرض، انعقد في مكتب وزير المال علي حسن خليل اجتماع مالي – تقني، حضره إلى جانب خليل رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان والمدير العام لرئاسة الجمهورية انطوان شقير، خصص لدرس بعض الأفكار في شأن استصدار قوانين معجلة مكررة، خلال الجلسة التشريعية لتغطية الاتفاق الضروري لمواجهة القضايا المالية المطروحة، والتي تحتاج إلى تمويل.
واعتبرت أوساط متابعة ان هذا الاجتماع قد يكون باكورة العمل على اجراء الإصلاحات المطلوبة في مؤتمر «سيدر» أولها ترشيد الانفاق وضبط الهدر في المالية العامة للدولة، استباقاً لتشكيل الحكومة.
سفر عون
اما ثاني مؤشر لاستمرار الجمود الحكومي، فهو سفر الرئيس عون مع وزير الخارجية جبران باسيل إلى نيويورك الأحد المقبل للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ73، حيث سيلقي كلمة لبنان ويعقد لقاءات مع عدد من نظرائه، كما يلتقي الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس لتسليمه خطة عمل وضعها لبنان ترجمة للدعوة التي اطلقها الرئيس عون العام الماضي لاعتماد لبنان مركزا عالميا لحوار الحضارات، فيما سيتولى الوزير باسيل، بحسب المعلومات، مهمة الحراك السياسي الديبلوماسي من اجل تفنيد موقف لبنان من ضرورة تمويل «الاونروا» لئلا يتحول نقص التمويل بفعل القرار الاميركي الاخير مادة دسمة لمشروع يرمي الى الغاء حق عودة الفلسطينيين الى ديارهم.
ولهذه الغاية، رأس الرئيس عون صباحاً اجتماعاً تحضيراً للوفد الذي سيشاركه في أعمال الجمعية العامة، تمّ خلاله البحث في أبرز المواضيع المطروحة على جدول اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة وموقف لبنان حيالها، اضافة الى المراحل التي قطعها الطرح الذي قدمه الرئيس عون في كلمته العام الماضي في ما يتعلق بالدعوة إلى أن يكون لبنان مركزا لحوار الحضارات والثقافات والاديان والاعراق.
واستبعدت مصادر سياسية مطلعة عبر «اللواء» حصول اي تطور ايجابي على صعيد تأليف الحكومة قبل سفر الرئيس عون الى نيويورك حيث يترأس وفد لبنان الى الجمعية العامة للامم المتحدة . ولفتت المصادر الى ان عودة الوزير باسيل الى لبنان من شأنها ان تساهم في قيام حراك، مؤكدة ان هناك جهدا يبذل على صعيد التأليف، لكن ذلك لا يتجاوز تبادل الافكار فحسب.
واوضحت ان ما من تصور واضح يجري العمل عليه ولذلك لا يمكن القول ان الامور نضجت. وتحدثت عن تواصل متقطع يتم بين بعبدا وبيت الوسط .
الى ذلك علم ان الاجتماع الذي ترأسه الرئيس عون للوفد المرافق له الى نيويورك ركز على الآلية التي ستعرض على الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريس وعدد من المسؤولين وستكون بمثابة خارطة الطريق لتصور لبنان حول جعله مركزا لحوار الحضارات والأديان وكيفية رعاية هذا النشاط.
وعلم ايضا ان جدول زيارة الرئيس عون قيد الاعداد لكن خطابه أمام الامم المتحدة يلقيه في السادس والعشرين من الشهر الجاري.
وكان الرئيس عون حذر من مخاطر المضي في إشاعة أجواء سلبية عن الوضع الاقتصادي وبث اشاعات تضر بلبنان وتنظيم حملات تيئيس وقال : «لا الليرة اللبنانية في خطر ولا لبنان على طريق الافلاس، ونحن نعمل على معالجة الازمة الاقتصادية الراهنة وعلينا ان نكون شعبا مقاوماً لليأس، وكما قاومنا من اجل حريتنا وسيادتنا واستقلالنا، علينا اليوم ان نقاوم من اجل انقاذ وطننا».
وقال خلال استقباله امس في قصر بعبدا وفدا من اندية «الليونز» «لا الليرة اللبنانية في خطر ولا لبنان على طريق الافلاس. الوضع الاقتصادي صعب ولكن ما ينشر من شائعات يضر بلبنان. نحن لا ننكر ان هناك ازمة، الا اننا نقوم بمعالجتها من خلال اقرار الموازانات الامر الذي لم يحصل منذ قرابة 11 سنة، كما من خلال الخطة الاقتصادية التي توصلنا اليها ومن خلال مؤتمر «سيدر». لقد اتينا للقيام بعملية انقاذ وانني اطمئن المواطنين، واحذّر من مخاطر المضي بحملات التيئيس والحالات النفسية الضاغطة».
نصر الله
وفي الشأن الحكومي أيضاً، كان لافتاً للانتباه تأكيد السيّد نصر الله، في اطلالته ليلة العاشر من محرم ان صورة التأليف ضبابية، وان التعطيل هو الذي يحكم الموقف، رغم حديث الجميع عن خطورة الوضع الاقتصادي والنفايات وتلوث الليطاني وضرورة تشكيل الحكومة، متوقعاً ان لا يظهر شيء لا في القريب ولا في البعيد بشأن تشكيل الحكومة، وقال انه قد تمر أسابيع أو شهور وربما سنوات إلى ان ينزل الوحي على المسؤولين، معتبراً انه في العقل السياسي اللبناني الموجود كل شيء محتمل.
لكنه، مع ذلك، طالب بالحفاظ على جو الحوار، مجدداً الدعوة إلى الهدوء وضبط الأعصاب ومعالجة أي مسألة طارئة بالحوار والحكمة، وقال انه مهما كانت الظروف فالحكومة ستتشكل في نهاية المطاف، لأنه لا أحد يمكنه إلغاء الآخر.
كما جدد نصر الله التزام الحزب بكل ما أعلنه في برنامجه الانتخابي، معلناً تأكيده جلسات التشريع في مجلس النواب، كاشفاً عن المنهجية التي سيتبعها الحزب في مواجهة الفساد، لافتاً إلى انها تقوم على مرحلتين: سد أوكار الفساد ثم الذهاب إلى معالجة مواطن الفساد، لافتاً إلى ان نواب الحزب قاموا بتحضير مجموعة اقتراحات قوانين سنناقشها قريباً في المجلس، من بينها اقتراح بخصوص قانون الصفقات العمومية، بما فيها التلزيمات التي تجريها الدولة، وتعديل قانون إنشاء مجلس الخدمة المدنية.
وكان السيّد نصر الله، تطرق في كلمته إلى الشأن السياسي في لبنان والمنطقة، مركزاً على الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة وإسرائيل للتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، مشيراً إلى دعوات البعض إلى عدم التدخل في قضايا المنطقة تحت شعار النأي بالنفس، لافتاً إلى ان هذه المسألة نقطة خلاف جوهرية، متسائلاً عمّا إذا كان لبنان مفصولاً فعلاً عن احداث المنطقة، مشددا على ان ما يجري في المنطقة هو شأن مصيري لكل اللبنانيين وهو أكثر أمر مرتبط بحاضرهم ومستقبلهم، الا انه أعلن تأييده لأن تنأى الدولة اللبنانية بنفسها عمّا يجري.
يذكر ان إجراءات أمنية مشددة اتخذت ليلاً لحماية المسيرة العاشورانية التي ستنطلق قبل الظهر في الضاحية الجنوبية، قضت بإقفال كل المعابر المؤدية إلى المنطقة اعتباراً من منتصف الليل، ومنع دخول السيّارات، باستثناء طريق التيرو- الشويفات والكوكودي.