الحريري ونصر الله: إتفاق على محاربة الإرهاب.. وخلاف على التكتيك
إتخاذ القرارات بآلية مُنتجة لم يُحسم بعد.. ومنع إطلاق الرصاص يصمد في الضاحية
حدثان إقليميان انشدت إليهما الأنظار:
– تصاعد حملة الاعتدال العربي ضد تنظيم «داعش»، عبر ردّ الطيران المصري على ذبح الاقباط الـ21 في الصحراء الليبية، في ظل تضامن عربي رسمي وشعبي وسياسي مع هذا الموقف.
– اما الحدث الثاني فيتعلق بتعيين غادي أيزنكوت رئيساً لاركان الجيش الإسرائيلي المعروف بأنه الأكثر تشدداً بقصف المدنيين في حروب إسرائيل، وهو من أصول مغربية، فإليه تعزى نظرية «الضاحية» التي نفذها عام 2006 عندما كان قائداً للمنطقة الشمالية، ومؤداها ان «كل قرية لبنانية هي الضاحية، وستستخدم فيها القوة التدميرية بطريقة غير متناسية، وليس بوصفها قرى مدنية بل قواعد عسكرية»، وهي السياسة العسكرية نفسها التي اعتمدها الجيش الإسرائيلي في تموز الماضي ضد غزة حيث قتل أكثر من 2000 فلسطيني غالبيتهم من المدنيين.
ومع ان الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله اطل أمس في مهرجان الذكرى السنوية «للشهداء القادة» الذين سقطوا في اعتداءات إسرائيلية على فترات تمتد من العام 1984 إلى العام 1992 والعام 2008، لكنه تجنّب في خطابه التهديدات المتعلقة بإسرائيل، من دون ان يكون غافلاً عنها، إلا ان طبيعة التحديات التي تواجه المنطقة ولبنان قد فرضت عليه تركيز الخطاب على موضوع الإرهاب تحت عنوان: «مقاتلة التكفيريين»، فهو اشار:
1- تأكيد تواجد حزبه في العراق، وهي المرة الأولى التي يعلن صراحة عن ذلك، وإن وصفه «بالحضور المتواضع».
2- ردّ السيّد نصر الله على الرئيس سعد الحريري من دون ان يسميه وعلى كل قوى 14 آذار التي تدعو حزب الله إلى الانسحاب من سوريا، بالدعوة ولو على سبيل المزاح، «لمن يدعوننا للانسحاب من سوريا ادعوكم لنذهب سوياً إلى سوريا».
3- ادان نصر الله ما وصفه بالجريمة النكراء والبشعة بحق الاقباط الذي اعدمهم تنظيم «داعش» في ليبيا.
4- من دون أي تردّد أعلن نصر الله تأييده لدعوة الرئيس الحريري «للعمل دون تأخير لوضع استراتيجية وطنية كفيلة بتوحيد اللبنانيين في مواجهة التطرف وتداعيات الحروب المحيطة».
وإذا كان السيّد نصر الله اعتبر المدخل لمقاربة الأوضاع في لبنان الغليان الحاصل في المنطقة، واصفاً خيار النأي بالنفس بأنه غير واقعي، لأن مصير سوريا والعراق والأردن ومصير العالم اليوم يصنع في المنطقة، فان إعلان قرار «حزب الله» بمواصلة الحوار مع تيّار «المستقبل» هو ثابت، معرباً عن أمله في التوصّل إلى نهاية إيجابية.
ولكن أين هي نقاط الاتفاق والاختلاف بين تيّار «المستقبل» و«حزب الله»؟
مصادر سياسية لاحظت أن الخلاف ما زال يتمحور حول تقييم الوضع في سوريا، فالرئيس الحريري أعلن في خطابه في «البيال» أن الرهان على إنقاذ النظام السوري هو وهم يستند إلى انتصارات وهمية، وإلى قرار إقليمي بمواصلة تدمير سوريا، لكن السيّد نصرالله يرى الوضع مختلفاً تماماً، فاللعبة انتهت في سوريا، داعياً إلى فتح باب الحل السياسي، وأن يسمح للمعارضة غير التكفيرية ان تدخل في تسوية، لأن النظام مستعد لتسوية، داعياً الحكومة اللبنانية للتنسيق مع الحكومة السورية والجيش اللبناني للتنسيق مع الجيش السوري.
اما نقطة الخلاف الثانية، فتتعلق باستراتيجية مواجهة الإرهاب. ففيما يعتبر الرئيس الحريري أن مواجهة التطرف تكون من خلال الدولة وجيشها، رافضاً النموذج العراقي بتفريخ ميليشيات وتسليح عشائر وطوائف وأحزاب، أو تكليف حزب أو طائفة مهمات عسكرية، لأن مآل كل ذلك تسليم لبنان إلى الفوضى المسلحة والفرز الطائفي، يكشف السيد نصرالله في خطابه أن مقاتلي «حزب الله» وفي هذا الطقس المثلج يمضون وقتهم على رؤوس الجبال في سلسلة جبال لبنان الشرقية لمواجهة «داعش» و«النصرة».
وفي هذا الإطار، أبلغ عضو كتلة «المستقبل» النائب أحمد فتفت «اللواء» اننا مع استراتيجية لمقاومة كل أنواع الارهاب من دون استثناء، بما في ذلك إرهاب نوري المالكي ضد الشعب العراقي، وإرهاب الأسد ضد الشعب السوري، مشيراً إلى أن للمستقبل مفهوماً لاستراتيجية مواجهة الإرهاب مختلفاً عن مفهوم «حزب الله».
وفي هذا الإطار، كان الرئيس الحريري أكّد خلال اجتماع مشترك للمكتبين السياسي والتنفيذي في تيّار «المستقبل» على مسؤولية الدولة في مواجهة الإرهاب، ومكافحة كل اشكال التطرف، مؤكداً على الدعوة التي أطلقها لإطلاق استراتيجية وطنية تحمي لبنان من هذا الخطر، من كل اشكال التورط والحرائق المحيطة، لأنه لا يجوز بعد اليوم أن يبقى لبنان رهينة سياسة التفرد واتخاذ القرارات التي تخالف الإجماع الوطني.
أما بالنسبة إلى الرئاسة الأولى، فكلا المستقبل وحزب الله متفقان على مقاربة هذا الاستحقاق، فالرئيس الحريري اعتبر أن الحوار الراهن مع حزب الله يتخذ من انتخاب رئيس الجمهورية بنداً رئيسياً، والسيّد نصر الله دعا لمعاودة الجهد الداخلي والوطني لمنع استمرار الفراغ، لكن المقاربة، في ما يتعلق بالنقاش الدائر بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» لا تبدو متقاربة لجهة الاتفاق على إسم الرئيس.
وفيما يحرص تيار المستقبل على دعم ما يتفق عليه أو ما يؤول إليه الحوار المسيحي – المسيحي، يصادر حزب الله النتيجة ويؤكد على ضرورة دعم وصول النائب ميشال عون إلى الرئاسة.
على أن اللافت على هامش احتفال الحزب بذكرى «القادة الشهداء» كان تجاوب جمهور الحزب مع دعوة نصر الله، إلى عدم إطلاق النار، مما دفعه الى توجيه التحية إلى هذا الجمهور، ودعوته إياه إلى التعاون لاحقاً في سائر المناسبات المقبلة، مع أن الحزب نظم في المناسبة إطلاق بالونات في الهواء، وهو ما لفت أيضاً نظر «المستقبل»، حيث اعتبره النائب فتفت دليلاً على أنه في مقدور الحزب أن يضبط شارعه، وبالتالي يصبح الأمن قراراً سياسياً.
العمل الحكومي
ومع أن نصر الله، أكد في خطابه استمرار دعمه لحكومة الرئيس تمام سلام ومواصلة عملها، لأن البديل لها هو الفراغ والضياع، لافتاً استعداده للتعاون بإيجابية معها لكي تتحمل مسؤولياتها، فإنه تجنب الإشارة الى المأزق الذي تواجهه بسبب خلاف الوزراء على آلية عملها بالنسبة الى اتخاذ القرارات.
وفي هذا السياق، لفتت مصادر وزارية لـ«اللواء» إلى أن القوى السياسية ستتقدم باقتراحاتها في هذا المجال، وأن جميعها ستخضع للنقاش، من ضمن التصورات المختلفة، لكن الثابت هو المحافظة على مبدأ التوافق وعدم تكرار «المشاهد التعطيلية» التي تحكمت بعمل مجلس الوزراء لفترة طويلة من الزمن، وتحدثت هذه المصادر عن مشاورات تجري بعيداً عن الأضواء في موضوع البحث عن الآلية.
وكشف وزير الإعلام رمزي جريج الذي كان التقى الرئيس سلام مؤخراً، أن رئيس الحكومة يوسع دائرة مشاوراته التي لا تشمل الوزراء فحسب، وهو يحاول التوفيق بين اعتبارين: الأول يتصل بتسهيل عمل الحكومة والثاني يتصل بالعمل على عدم جعل تعديل الآلية يؤخر انتخاب رئيس جديد للبلاد، وأن لا نصل إلى قناعة بأن لا حاجة الىإنجاز هذا الاستحقاق.
ورأى جريج في حديثه لـ«اللواء» أن التوقيع على المراسيم الخاصة برئيس الجمهورية شيء ومقررات مجلس الوزراء شيء آخر، وأنه لم يخطر في بال المشرّع الذي وضع المادة 62 من الدستور أن الشغور سيمتد لوقت طويل من الزمن.
ووصف جريج الدعوة إلى استثناء الوزراء المستقلين أي الذين لا ينتمون الى كتل سياسية من التوقيع على المراسيم، بأنه هرطقة دستورية، مشيراً إلى أن الدستور لا يجيز أن تكون هناك «حكومة مصغّرة» على غرار ما هو حاصل في إسرائيل، مؤكداً أن الوزراء متساوون بالصلاحيات، وما من وزارة «مصغرة» أو وزارة كبيرة أو «مكبرة».
اما وزير العمل سجعان قزي فقد أكّد من جهته لـ «اللواء» أن حزب الكتائب لم يتخذ بعد موقفاً من موضوع تعديل آلية عمل مجلس الوزراء، مشيراً إلى اننا ما زلنا ندرس الطروحات ونتشاور مع حلفائنا، ولكن من حيث المبدأ نحن ضد نقل المشكلة من انتخاب رئيس الجمهورية إلى مشكلة آلية اجتماع مجلس الوزراء واتخاذ القرارات غير المستحبة، لأن المشكلة الأساسية في رأينا هي مشكلة انتخاب رئيس الجمهورية.
أضاف: «نحن، في كل الأحوال، لسنا عقبة، لكن الأمور التي لها طابع ميثاقي بحاجة إلى بحث معمّق، وعلى كل حال، نحن لسنا متحمسين لا لعرقلة عمل الحكومة ولا لخلق حالة جديدة تثبت الشغور الرئاسي، وتعطي انطباعاً بأن الحال ماشي من دون رئيس جمهورية. وفي كل الأحوال نحن لسنا منقطعين عن رئيس الحكومة، وعلى تواصل دائم معه للتشاور في كل الأمور».
في المقابل، شددت مصادر قريبة من الرئيس سلام على انه لا جلسات للحكومة قبل قيام التوافق على الآلية الواجب اعتمادها لتسيير عمل الحكومة، مكررة أن رئيس الحكومة حريص على تسهيل العمل الحكومي، ولذلك يجري المشاورات بهدف الوصول إلى تفاهم، بعدما أدت الآلية التي كانت متبعة سابقاً الى نتائج غير مرضية.