الحريري باقٍ في باريس.. والراعي يدعم موقف الرئيسين من «العُقدَة المفتعَلة»!
برّي يكشف عن أزمة تمويل واستدانة.. والفيول الجزائري أبعَدَ العتمة وينتظر السُلفة
للمرة الثانية منذ تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة، يعقد مجلس النواب جلسات تشريعية، بجدول أعمال فضفاض تجاوز ما يمكن وصفه بتشريع الضرورة (38 بنداً) على جلسة الاثنين والثلاثاء المقبلين، في إشارة لا تقبل الجدل بأن موعد 29 ت1 الماضي، حيث كان من الممكن صدور مراسيم الوزارة الجديدة، لم يعد واضحاً متى يتجدد في ظل أزمة مستحكمة، حوّلت الجهود من الدينامية إلى المراوحة، وبانتظار أمر كان مفعولا، سواء يتعلق بمسار العقوبات الأميركية على إيران أو بما سيعلنه الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله في خطاب له السبت المقبل، لمناسبة «يوم الشهيد».
ومن باريس، ووسط جمود عملية التأليف، أجرى الرئيس الحريري اتصالين: الأوّل بالرئيس ميشال عون حول تفريغ باخرتين جزائريتين الفيول لصالح كهرباء لبنان، الأمر الذي بشر بابتعاد شبح العتمة، وتضمن الاتصال ما بذله رئيس حكومة تصريف الأعمال مع المسؤولين في الجزائر، والتي أدّت إلى الخطوة المشار إليها.. بعد ان يتوفر التمويل عبر الجلسة التشريعية التي دعا إلى انعقادها الرئيس برّي.
والاتصال الثاني، بين الرئيس الحريري والرئيس نبيه برّي، تناول جدول اعمال الجلسة، فضلاً عن مخاطر تأخير تأليف الحكومة، على الوضع الاقتصادي ومعاودة الحركة الاستثمارية والانتاجية في البلاد، بما في ذلك إقرار سلفة مالية طويلة لكهرباء لبنان.
على ان المثير للاهتمام، ما نقل عن لسان الرئيس برّي قوله: الخزينة تحتاج حتى آخر هذا العام إلى 1400 مليار ليرة، فمن أين ستتأمن المصاريف صعوداً والواردات هبوطاً، ولا حكومة تعكس الاستقرار السياسي والاقتصادي في لبنان حتى يستطيع الاستدانة والأخطر ان مواعيد ولادة الحكومة طارت، من دون الإشارة إلى يومين أو ثلاثة ولا حتى أسبوع، والعلم عند الله.
مؤشران للتعطيل
في هذا الوقت، برزت مجموعة مؤشرات تؤكد ما ذهبت إليه «اللواء»، من أن الأزمة الحكومية المستجدة أو المفتعلة، مرشحة للمزيد من الجمود والتعطيل، لعل أبرزها تمديد الرئيس الحريري اجازته الفرنسية أياماً عدّة، وربما إلى يوم الجمعة المقبل، حيث يُشارك في احتفالية توقيع اتفاقية السلام التي أنهت الحرب العالمية الأولى، في حضور نحو 70 رئيس دولة، في حين تمثل المؤشر الثاني اللافت سياسياً واجرائياً، دعوة الرئيس برّي إلى جلسة تشريعية عامة يومي الاثنين والثلاثاء المقبلين، من ضمن جلسات تشريع الضرورة، علماً ان الرئيس برّي كان تريث في توجيه هذه الدعوة على أمل ان يتبلور مصير تأليف الحكومة.
وقالت مصادر قريبة من «بيت الوسط» ان وجود الحريري في منتدى السلام الباريسي، قد يُشكّل مناسبة لاجراء اتصالات وترتيب مواعيد مع بعض المسؤولين الذين يشاركون معه في هذا المنتدى، من شأنها ان تسهم في «ترييح» الوضع اللبناني، وضمان عدم إقتحامه في الكباش الأميركي – الإيراني، والذي كان أحد تداعياته تعطيل تأليف الحكومة.
وأضافت هذه المصادر ان الحريري يتابع من باريس التصريحات المتعلقة بتشكيل الحكومة، وانه يرى ان بعض المواقف الأخيرة لا تقدم ولا تؤخّر، بل تفرض المزيد من المراوحة، فيما قالت مصادر أخرى مطلعة على الملف الحكومي في بعبدا ان لا جديد على صعيد تمثيل النواب السنة من خارج تيّار «المستقبل»، وان الملف الحكومي في حال جمود، والامور «راوح مكانك»، بينما حركة الوسطاء البعيدة الأضواء لم تفرز جديداً أو تحرز تقدماً يمكن الرهان عليه لاحداث خرق في جدار الأزمة.
وسجل أمس، اتصال بين الرئيسين ميشال عون والحريري تركز حسب المعلومات الرسمية على موضوع واحد وهو حل مشكلة نقص «الفيول اويل» لمعامل الكهرباء، فيما ردّت النائب بهية الحريري خلال زيارتها أمس مع وفد كتلة «المستقبل» النيابية للمجلس الاقتصادي – الاجتماعي على سؤال حول امكانية اعتذار الرئيس الحريري عن تشكيل الحكومة، بالقول: «إن الرئيس المكلف ليس معتكفاً، ويحق له ان يأخذ وقته في تشكيل الحكومة».
الراعي: الجميع يعرف من يعطل
على ان البارز في المواقف المتعلقة بموضوع الأزمة الحكومية، كانت تلك التي اعلنها البطريرك الماروني بشارة الراعي بعد زيارته للرئيس عون في قصر بعبدا، حيث أكّد ان «المرجلة ليست في وضع العصي في الدواليب بل بتسهيل التشكيل»، مشدداً على انه «في حال لم ندعم رئيس الجمهورية والرئيس المكلف لن تكون هناك حكومة».
ونقل البطريرك الراعي عن الرئيس عون انه يشعر بألم كبير «لأنهم كانوا على أعتاب الإعلان عن الحكومة قبل ان تظهر المسألة الجديدة»، مشيراً إلى ان رئيس الجمهورية «لن يقبل بأن تتعثر مسيرة الحكومة»، وأنه «لا يمكن الخضوع إلى مشكلة جديدة، وهو في انتظار عودة الرئيس المكلف لإيجاد الحلول التي لا يمكن ان تكون على حساب لبنان والوحدة الداخلية، ولا وفق ما يسميه الرئيس التوازن الداخلي».
وأسف الراعي لتحميل مسؤولية التعطيل في أحد المراحل إلى «العقدة المسيحية»، ولكن عندما تمّ حل هذه العقدة ظهرت عقدة جديدة، والجميع يعرف من يعطل عملية تشكيل الحكومة اليوم، موضحاً ان الخروج من الأزمة يكون بالولاء للبنان وليس لدولة أو أشخاص أو حزب أو طائفة أو دين، كاشفاً أن موعد اللقاء الذي سيجمع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع برئيس تيّار «المردة» سيلمان فرنجية أصبح قريبا، وأن التمهيد لهذا اللقاء كان جيداً في كل من إهدن وبشري.
وعكست تصريحات الراعي نوعاً من عدم رضى الكنيسة المارونية على طريقة تعاطي بعض الأطراف الداخلية مع العقدة السنية المفتعلة، وان البطريرك الماروني يرى انه لا يجوز ان تبقى الأمور على ما هي عليه، وعلى الجميع احترام مقام الرئاسة الأولى.
وكشفت مصادر كنسية تسنى لها الاطلاع على ما دار في اللقاء بين الرئيس عون والراعي، ان رئيس الجمهورية لم يخف عتبه على الطريقة التي تمت فيها مقاربة (ما يسمى بالعقدة السنية) والتي أدت إلى فرملة إبصار الحكومة النور بعد أن كانت الأمور شبه منتهية لولادتها، وأن الرئيس عون أكد أمام الراعي بأن المحاولات ستستمر حتى إذابة هذه العقدة خصوصا أن هناك من يربطها بما يحصل في المنطقة وهناك من يحاول إلباسها لباس الأزمة السنية- الشيعية».
إلى ذلك، أوضحت مصادر سياسية مطلعة لـ«اللواء» ان الاتصالات التي تمت في ملف تأليف الحكومة ولا سيما في ما خص العقدة السنية المستجدة، لم تسجل أي نتائج ملموسة، وان الترقب سيظل سيّد الموقف.
واشارت المصادر نفسها الى ان الاتصال الهاتفي الذي جرى بين الرئيسين عون والحريري خصص لملف الكهرباء وموضوع افراغ الباخرة لحمولاتها بعد تواصل مع شركة «سونتراك» الجزائرية. وتكتمت المصادر عن اعطاء اية تفاصيل.
وافادت المصادر ان ما يسرب عن مخارج يبقى في اطار التكهن والتحليل لافتة الى ان الاتصالات التي يتولاها «سعاة الخير» وابرزهم المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم قائمة.
واوضحت ان اي تواصل بين الرئيس عون وحزب الله لم يسجل كما ان ما من موعد محدد لوفد نواب السنة المستقلين الى القصر الجمهوري.
واشارت الى ان التواصل بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب نبيه بري قائم وان لم بتم الاعلان بشكل دائم عنه. ودعت المصادر الى رصد المواقف في الايام المقبلة ورات ان ما من تطورات مرتقبة قبل عودة الرئيس الحريري من الخارج.
الى ذلك توقفت المصادر نفسها عند اهمية رسالة البابا فرنسيس الى الرئيسق عون لجهة مضمونها.
سنة 8 آذار
وعلى خط مواز، واصل «لقاء السنة المستقلين» ضخ المعلومات عن حقه في التوزير بعرض الأرقام التي تثبت نسبة ما حصل عليه نوابه من أصوات الناخبين السنة مقابل ما حصل عليه تيّار «المستقبل»، لكنه لم يُبادر إلى طلب لقاء الرئيس عون، أو حتى الرئيس المكلف، لشرح موقفه.
وفي هذا السياق، دعا النائب جهاد الصمد إلى تطبيق معيار واحد على جميع الطوائف في عملية تشكيل الحكومة، مشدداً على ان احتكار الطوائف للتمثيل غير مقبول وقال: «خضنا المعركة الانتخابية لمحاربة الأحادية ونحن لا نعرقل الحكومة التي سبق أن تأخّرت خمسة أشهر»..
وسأل الصمد تعليقا على موضوع تمثيل السنة المستقلين في الحكومة، «لماذا اجرينا الانتخابات وفق النظام النسبي بحال رفض دخولنا الى الحكومة؟ ما يعني الحكومة الحالية هي امتداد للحكومة السابقة».
اضاف «التعددية حصلت على الساحتين الدرزية والمسيحية، بالمقابل لماذا الاصرار على الاحادية والحصرية في الطائفة السنية؟ وما هو الثمن المدفوع والمعطى من اجل بقاء هذه الاحادية؟ اضاف: نحن نحترم رأي الرئيس ميشال عون فيما خص موضوع تمثيلنا الا انه لا يوجد تطابق بالمواقف، وهناك قطبة مخفية في هذا الملف.
الجلسة التشريعية
وفيما كشفت معلومات عن تواصل حصل بين الرئيسين برّي والحريري على خلفية الجلسة التشريعية التي تعقد يومي الاثنين والثلاثاء المقبلين، من ضمن جلسات تشريع الضرورة، بغياب الحكومة، أوضحت مصادر نيابية ان جدول أعمال الجلستين سبق ان وزّع على النواب منذ ما بعد اجتماع هيئة مكتب المجلس، وهو يتضمن 38 مشروع واقتراح قانون أبرزها:
اقتراح القانون الرامي إلى فتح اعتماد إضافي تكميلي لمواجهة النقص في بند الدواء في وزارة الصحة العامة.
اقتراح قانون المفقودين قسراً.
اقتراح القانون المعجل المكرر الرامي إلى الإجازة للقطاع الخاص بتشييد وإنشاء معامل لمعالجة النفايات الصلبة وتحويلها إلى طاقة كهربائية وبيعها من مؤسسة كهرباء لبنان، المقدم من النائب سيزار ابي خليل في 31/5/201
اقتراح القانون المعجل المكرر الرامي إلى تعديل الفقرة الأولى من المادة 13 من قانون موازنة العام 2018 المتعلقة باعطاء مؤسسة كهرباء لبنان سلفة خزينة طويلة الأجل والمقدم من النائب سيزار أبي خليل تاريخ 23/10/2018.
اقتراح القانون المعجل المكرر الرامي إلى فتح اعتماد اضافي في الموازنة العامة لعام 2018 قدره مائة وثلاثة وعشرون مليارا وثلاثمائية وثلاثة عشر مليونا وخمسمئة ألف ليرة لبنانية في باب رئاسة مجلس الوزراء، مجلس الإنماء والإعمار المقدم من النواب سليم عون، سليم خوري وشامل روكز تاريخ 25/10/2018.
ولم يعرف ما إذا كان اقتراح قانون البطاقة الصحية الذي اقرته لجنة المال النيابية أمس، يمكن ان يمر في الجلسة التشريعية المقبلة، علماً ان هذا الاقتراح سبق ان مر في لجان الصحة والادارة والعدل والمال والموازنة كاملاً، خاصة وان جدول الاعمال حافل بمشاريع قوانين كثيرة ومهمة سبق ان ارجئت من الجلسة السابقة، وبينها مشروع تطوير وتوسعة مرفأ طرابلس، ومشروع الموارد البترولية في الأراضي اللبنانية، إلى جانب مشاريع أخرى لدعم القطاع الصحي.
انفراج في الكهرباء
وفي تقدير مصادر نيابية، ان أحد العوامل التي دفعت الرئيس برّي إلى التعجيل في عقد الجلسة النيابية، كان يتصل بتشريع سلفة الخزينة التي طلبتها وزارة الطاقة لتغطية الاعتمادات المالية الخاصة بحاجة مؤسسة كهرباء لبنان إلى الفيول لتمكين معامل الإنتاج من الاستمرار في توليد الطاقة، خاصة وان تشريع السلفة وتحويلها إلى قانون، كان من التفاهمات التي تمت مؤخراً بين الرؤساء عون وبري والحريري لمعالجة مشكلة النقص بمادة الفيول، والتي كادت تُهدّد لبنان بالظلام نتيجة توقف معامل الإنتاج عن العمل في الذوق والجية والحريشة.
وكان الرئيس الحريري أجرى صباح أمس اتصالاً من باريس، بالرئيس عون أطلعه فيه على نتائج الاتصالات التي أجراها بالمسؤولين الجزائريين والتي أفضت الى قرار تفريغ حمولتيّ الباخرتين الجزائريّتين لصالح كهرباء لبنان، على أن يواصل الرئيس الحريري اتصالاته مع المسؤولين الجزائريين لإيجاد حل دائم للمسألة خلال الأيام المقبلة، وفق ما جاء في بيان صادر عن مكتب الحريري الإعلامي.
وتزامن هذا الاتصال، فيما كان وزير الطاقة سيزار أبي خليل، يطلع بدوره الرئيس عون على الحل الذي تمّ التوصل إليه باستمرار تزويد مؤسسة الكهرباء بالمحروقات من قبل شركة النفط الجزائرية «سوناتراك»، وبالتالي تجنيب لبنان الدخول في أزمة إضافية لانقطاع التيار.
وأعلن أبي خليل انه لن يحصل أي انقطاع بالكهرباء كما يشاع، وانه سيتم اليوم (أمس) تفريغ شحنات الفيول الموجودة امام معملي الزوق والجية، على ان تصل تباعاً باقي الشحنات المطلوبة.