غيوم التوتر تسابق «انفراج العقدة»… وإعادة فتح طريق الناعمة ليلاً
بعبدا تبتعد عن «أم الصبي»: التوزير ليس من حصة الرئيس
على وقع توتر اعلامي، واندهاش سياسي من استمرار اقفال الأجواء امام معالجة هادئة لآخر العقد، ذات الصلة بتأليف الحكومة، دخلت عملية التشكيل شهرها السابع، بين ابتهال الرئيس نبيه برّي ودعائه والدعوة إلى التفاؤل بالخير، علّكم تجدوه، وتأكيد وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، المكلف من الرئيس ميشال عون، العمل على إيجاد حل لعقدة تمثيل سني من نواب 8 آذار السنة في الحكومة، ان مبادرته لم تتوقف، وسط معلومات عن لقاء عقده مع النائب عبد الرحيم مراد بعيداً عن الأضواء، للتداول في ما يمكن وصفه باقتراح ان يتوزّر سني من هذا الفريق ومن حصة الرئيس عون، باعتباره «أم الصبي»..
وربطت مصادر سياسية بين نضج اقتراح تسوية، وانهاء تريث بيت الوسط في تحديد موعد للقاء الرئيس المكلف سعد الحريري وفداً أو نائباً من نواب «اللقاء التشاوري»..
وقالت المصادر ان رفع وتيرة الخطاب الإعلامي، لن تفيد في المقاربة الهادئة والجارية للتسوية.. بعد سلسلة من الإشارات الإيجابية، الآيلة إلى الخروج من المأزق الراهن، وتداعياته الخطيرة..
ولم يقتصر المشهد على التوتر، بل تحرك الشارع ليلاً، وقطع شبان غاضبون طريق الناعمة بيروت، احتجاجاً على التصريحات التلفزيونية (L.B.C) لرئيس حزب التوحيد العربي وئام وهّاب التي حمل فيها على الرئيس المكلف، معتبراً انه «لا يمكن للحريري ان يوقف البلد عند احقاده ولا يستطيع احتكار السنة»، مؤكداً ان هناك أزمة غير حرزانة، محصورة بالوزير السني.
وأشار إلى ان هناك كتلة نيابية لديها حلفاء ولن يتركوها.. وان حزب الله لو مارس الاستقواء لكان عبد الرحيم مراد أو فيصل كرامي رئيس حكومة وجميل السيّد وزير داخلية..
وتهجم وهّاب على الرئيس الحريري بصورة شخصية، معتبراً ان سيدر لن ينقذ لبنان، بل على الدولة ان تقوم بإقامة البنى التحتية.
ورد النائب السابق مصطفى علوش على وهّاب واصفاً اياه بأنه «ينضح بالنتائن» كما وصفه بالتافه.. كما ردّ وليد سرحال مُنسّق عام تيّار المستقبل في جبل لبنان الجنوبي، واصفاً اياه بـ«الكراكوز» برتبة وزير فاسق، ووصفه «بالرخيص» حتى قيام الساعة.
وليلاً، اعيد فتح طريق الناعمة، والاوتوستراد الجنوبي باتجاه الناعمة.
وتعقد كتلة المستقبل النيابية اجتماعاً اليوم برئاسة الرئيس المكلف، تتناول فيه استمرار التعطيل، وضرورة الاحتكام للدستور في عملية التأليف..
ومن المتوقع ان يكون للرئيس الحريري موقف يرد فيه على ما يثار، وصف بأنه «عالي السقف»..
لقاء باسيل – مراد
وعلى الرغم من تأكيد جميع القوى السياسية من مختلف الكتل السياسية والتيارات، على انه لا بدّ من ان ترى الحكومة النور في القريب، سواء كان عاجلاً أم آجلاً، فإن أي تطوّر جديد لم يطرأ على موضوع عقدة تمثيل نواب سنة 8 آذار الذي ما يزال يعيق عملية توليد الحكومة العتيدة، فلا موعد محدداً بعد لهؤلاء النواب للاجتماع مع الرئيس المكلف، ولا تراجع عن الموقف الذي أكده مراراً وتكراراً عن سبب رفضه توزير أحد منهم، كما لا استقالة ولا اعتذار، إلى ان يتم إيجاد حل لهذه العقدة، محملاً «حزب الله» مسؤولية تعطيل التأليف.
لكن التطور الوحيد الذي سجل أمس، تمثل باللقاء الذي جمع عضو «اللقاء التشاوري» للنواب الستة المستقلين، النائب عبد الرحيم مراد، ممثلاً زملائه الخمسة برئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، بناء لطلب الاخير.
وعلمت «اللواء» ان النائب مراد طلب من باسيل مواصلة مسعاه لحل المشكلة، فأكد الاخير استمرار مسعاه لمعالجة تأخير تشكيل الحكومة، وهوتمنى على مراد مواصلة السعي للقاء الرئيس المكلف سعد الحريري معتبرا انه «من حقهم عليه ان يستقبلهم فربما توصلوا معه الى حل مشترك مقبول». لكن باسيل اكد وجوب تنازل كل الاطراف لمصلحة التعجيل بتشكيل الحكومة، إلا أن مراد ابلغه انه لا شيء لدى النواب الستة للتنازل عنه فهم يطلبون مقعدا وزاريا واحدا ولأي حقيبة.
واوضحت مصادر «اللقاء التشاوري» ان باسيل وعد بالتحرك لدى الرئيس الحريري من اجل محاولة ترتيب موعد بينه وبين النواب الستة. وقالت: انه اذا رفض الحريري اللقاء بهم فهو يكون الذي يقفل كل الابواب امام الحل، ومن غير الوارد بالنسبة اليهم ان يلتقوه فرادى كما تردد بل كمجموعة واحدة..
وحول اتهام نواب اللقاء بالسير في اجندة خارجية ايرانية وسورية؟ قالت المصادر: «انها حجة الضعيف للتهرب من مسؤولية معالجة المشكلة، وهذا الاتهام يمكن الرد عليه باتهام الاخرين بالسير في اجندة اميركية – خليجية الخ…».
الحريري: لا تراجع ولا تنازلات
في المقابل، تُشير مصادر قريبة من «بيت الوسط» إلى ان الرئيس الحريري قدم الكثير من التنازلات، ولم يعد باستطاعته تقديم المزيد، خصوصاً وأن الدستور واضح في ما خص صلاحيات الرئيس المكلف، وانه مستمر على مواقفه ولن يتراجع عنها، سواء بالنسبة إلى توزير أحد من النواب السنة الستة، أو استقبالهم ككتلة، خصوصاً وأنه بات مدعوماً بتأييد قيادي وديني وشعبي سني واسع بدأت اصداءه تتردد بالتفاف القيادات السنية حوله، على غرار ما فعل الوزير السابق اللواء اشرف
ريفي، رغم الخصومة التي باعدت بين الرجلين منذ التسوية الرئاسية.
ومع ذلك، تُشير المصادر إلى ان الأمور غير مغلقة تماماً كما يصور البعض، وهي تعتقد ان هناك حلاً يلوح في الأفق، لكنه ما يزال يحتاج إلى مزيد من المشاورات والاتصالات لبلورة كل الأفكار التي تطرح من أجل التوصّل إلى قواسم مشتركة تحفظ ماء الوجه للجميع، حيث لا يكون هناك لا غالب ولا مغلوب.
وتتوقع المصادر ان يُبادر الرئيس عون لاستيعاب المأزق الحالي من خلال الموافقة على تمثيل سنة 8 آذار من حصته، وان يكون الشخص الذي سيتم التوافق على تسميته يحظى برضى النواب السنة والرئيس عون وحتى الرئيس الحريري، كما تمّ في موضوع العقدة الدرزية، حيث وافق في نهاية الأمر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط والوزير طلال أرسلان على شخص حظي برضاهما معاً.
وحول ما إذا كان هؤلاء النواب سيوافقون على عدم توزير أحد منهم، كما يطالب «حزب الله»، اشارت المصادر إلى ضرورة ان تكون هناك تنازلات متبادلة، إذا كان يراد للبلد ان ينطلق ويخرج من «عنق الزجاجة» خصوصاً إذا وافق الرئيس عون على توزير شخصية تمثلهم، مع العلم ان رئيس الجمهورية يرفض توزير النائبين فيصل كرامي وجهاد الصمد لانهما ينتميان إلى كتلة «المردة» التي ستتمثل في الحكومة من خلال وزارة الاشغال، وهناك أيضاً استبعاد لإمكانية توزير النائب الوليد سكرية كونه عضواً في كتلة «الوفاء للمقاومة»، وكذلك النائب قاسم هاشم العضو في كتلة «التنمية والتحرير»، وهناك أيضاً استبعاد لأن يكون النائب عدنان طرابلسي وزيراً لاعتبارات معروفة، ويبقى فقط النائب مراد لكنه لا يحظى بتوافق على توزيره باعتراض من قبل الرئيس الحريري.
لكن المصادر لاحظت انه بالإمكان معالجة إشكالية ازدواجية ولاء هؤلاء النواب، من خلال إعلان انسحابهم رسمياً من الكتل النيابية التي أمنت فوزهم في الانتخابات، رغم ان هذا الحل قد يثير إشكاليات عديدة امام جمهورهم، وتداعيات في كتل أخرى قد تقلب الانتماءات والتحالفات داخل المجلس والحكومة على أساس طائفي بحت.
المشنوق: الصبي لن يضيع
وفيما شددت المصادر القريبة من «بيت الوسط» على ان لا حل غير موافقة الرئيس عون على توزير أحد من هؤلاء النواب أو من يمثلهم في حصته لإنقاذ عهده والافراج بالتالي عن محاولات تعطيل تشكيل الحكومة، للمباشرة بالعمل الجدي والسريع لمواجهة الاستحقاقات والالتزامات الدولية، كانت لافتة للانتباه اشادة وزير الداخلية نهاد المشنوق بالرئيس عون، في سياق تعليقه على استحضاره قبل أيام لمثل سليمان الحكيم مع «أم الصبي»، فقال ان «الرئيس عون واحد من هؤلاء الرجال المسؤولين عن حماية لبنان من أي كبوة يقع فيها، وهو على قدر المسؤولية بصفته المؤتمن على الوطن وحامي الدستور»، مؤكداً «ان الصبي لن يضيع، وهذه ليست الأزمة الأولى التي يمر بها لبنان»، مشدداً على ان «لا بدّ للفراغ الحكومي ان ينتهي».
غير ان زوّار الرئيس عون، نقلوا عنه أمس، ما قصده بكلامه عن مثل سليمان الحكيم، هو التشجيع على ما يمكن ان يجمع بين الفريقين، ويساهم في الوصول إلى الحل، على ان يكون الفريقان المتخاصمان هما المعنيين بانضاج هذا الحل بالتفاهم.
ولفت هؤلاء الزوار إلى ان هذا لا يعني ان يأتي الحل على حساب الرئيس عون في ما خص العقدة الحكومية، مكررين القول ان رئيس الجمهورية يسهل ويساعد ويتدخل عند الضرورة، لكن ان يتم تصوير الأمور بأن يأتي الحل على حسابه، فهذا تصوير خاطئ.
واكد الزوار ان رئيس الجمهورية يريد من الفريقين المتنازعين ان يتفاهما على المعالجة، والمقصود بأم الصبي انه مستعد لرعاية ما يقوم بينهما، ورأى الزوار ان مهمة الوزير باسيل لم تنته وهي مستمرة قائلين ان هناك اتصالات ومساعي لكن من غير المعروف الى أين ستؤدي.
«التجربة البلجيكية»
إلى ذلك، لم تغب أزمة تأليف الحكومة، عن محادثات رئيس مجلس النواب البلجيكي سيغريد براك الذي يزور لبنان حالياً بدعوة من الرئيس نبيه برّي، خاصة وان بلجيكا سبق ان عانت في السنة الماضية أزمة مماثلة، استمرت سنة ونصف السنة، إلى ان تمّ حلها، فحضرت «التجربة البلجيكية» في صلب المحادثات التي أجراها براك مع الرؤساء الثلاثة: عون وبري والحريري، ومع رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب تيمور جنبلاط مساء، إلى جانب العلاقات بين البلدين، وأزمة النازحين السوريين والقضية الفلسطينية.
لكن الرئيس برّي الذي وقع مع نظيره البلجيكي بروتوكولاً للتعاون البرلماني في مجال تطوير تبادل الخبرات والمعلومات، اعتبر ان «التجربة البلجيكية» في مسار تشكيل الحكومة مختلفة عن الوضع في لبنان، لأن اللامركزية القائمة في بلجيكا لا تجعل الشعب يتحمل ما يتحمله اللبنانيون، مستحضراً في السياق كلمة الرئيس عون من انه لم يعد هناك من مجال للترف، داعياً إلى الإسراع بتشكيل الحكومة اليوم قبل البارحة، إلا انه استبعد ان تكون الطرق مقفلة، مردداً بأنه «ليس لدينا إلا أن نتفاءل بالخير والدعاء».
اما الرئيس البلجيكي، فأمل بعد لقائه الرئيس الحريري ان يتم تشكيل الحكومة اللبنانية في وقت سريع جداً، لأننا نحتاج إلى الاستقرار في المنطقة، ولبنان هو اللاعب الأساسي في الترويج لهذا الاستقرار، وبعد تشكيل الحكومة يمكن القيام بأسرع وقت بالاصلاحات التي أقرّت في مؤتمر باريس (سيدر) ونحن سنساعد في ذلك».
وأكد الرئيس عون من جهته على ان «الحل الأمثل لازمة النازحين السوريين هو في عودتهم إلى المناطق الآمنة في بلادهم، منتقداً ربط هذه العودة بالتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، مشدداً على ان الحكومة المقبلة ستعطي للاصلاحات أولوية لمواكبة نتائج مؤتمر «سيدر» إضافة إلى تطبيق «الخطة الاقتصادية الوطنية» التي انجزت وتنتظر ان تقرها الحكومة الجديدة لتوضع موضع التنفيذ».
أمنياً، دارت اشتباكات بين وحدات من الجيش اللبناني وعناصر مسلحة استخدمت فيها قذائف الار بي جي، وتعتبر الأكثر عنفاً منذ وقت غير قصير، أي منذ بدء تنفيذ.
وكانت الاشتباكات تجددت بين عناصر من عشيرة آل جعفر وعناصر من الجيش اللبناني، وسط تعتيم اعلامي منذ يومين.