IMLebanon

اختبار قوّة في الجاهلية يُعيد الهيبة إلى الدولة

اختبار قوّة في الجاهلية يُعيد الهيبة إلى الدولة
تحذير من انتقال المواجهة إلى القضاء.. وحزب الله يدعم التهدئة
السؤال المحوري، الذي يشغل اللبنانيين هو: هل تفتح حادثة الجاهلية، التي ذهب ضحيتها أحد مرافقي الوزير السابق وئام وهّاب، محمّد أبو دياب الطريق مجدداً إلى تأليف الحكومة، لاحتواء فصول متوقعة من التجاذب، أم تفتح الطريق لتوترات إضافية، تتسع أو تضيق، وفقاً لساعة «التوترات الاقليمية»؟
الساعات 36 الماضية فعلت بمروحة واسعة من الاتصالات، بالاتجاهات كافة، وعنوانها الرئيسي سحب فتائل التفجير، والامتثال لمنطق التهدئة، والاحتكام إلى الإجراءات القضائية، بمعزل عن أية تأثيرات سياسية..
على ان الأهم هو ان اختبار القوة في الجاهلية أعاد الهيبة إلى الدولة، بصرف النظر عما احاط بالوضع من تداخلات وتدخلات..
وحذرت مصادر مطلعة من انتقال المواجهة إلى القضاء على خلفية ارهاقه بدعاوى ودعاوى مضادة ولدى أكثر من محكمة.
مساران قضائي وحكومي
وإذا كان من الصعب تقدير حجم ونتائج انعكاس حادث بلدة الجاهلية على المسار السياسي في البلاد وعلى مفاوضات تشكيل الحكومة، وان كان البعض يعتقد انها قد تؤخّر هذا الأمر نظراً لتبعاتها السياسية وارتباطها بقوى سياسية على خلاف كبير، فإن الأنظار ستتجه اليوم إلى مسارين، بعد ان نجحت الاتصالات في لملمة ما أمكن من تداعيات ما حصل، وتوفير ظروف أمنية آمنة لغاية الآن في مناطق الجبل، بخلاف الوضع الذي ساد العاصمة بيروت ليلاً حيث قطعت طرقات في البربير والمدينة الرياضية وبشارة الخوري بالاطارات المشتعلة سارع تيّار المستقبل إلى نفي علاقته بها.
المسار الاول: كيفية معالجة القضاء لاحداث الشوف والجاهلية، في ضوء التعقيد الذي نتج عن مقتل مرافق الوزير السابق وئام وهّاب في ظروف غامضة، وما سيتركه عدم مثول وهّاب امام القضاء للتحقيق معه في قضية الإساءة لعائلة الرئيس الحريري؟
المعلومات، ضمن هذا المسار، تؤكد ان وهّاب خلافاً للتوقعات، سيمثل اليوم امام مدعي عام التمييز القاضي سمير حمود أو من ينتدبه وليس أمام شعبة المعلومات، في مقابل ضمان عدم توقيفه، في حال العكس، بمعنى ان عدم حضور وهاب شخصياً، أو الاكتفاء بارسال محاميه، لا يكفي، وهذا الأمر سيترتب على القضاء إصدار مذكرة توقيف غيابية بحقه، بكل ما يعنيه هذا الأمر من تداعيات سياسية وأمنية.
الا ان ما يزيد الموقف ضبابية، هو تضارب التصريحات الصادرة عن مرجعيتي القضاء والأمن، ففي حين شدّد وزير العدل سليم جريصاتي على ان المسألة القضائية لن تستثني أحداً في دولة القانون، دافع وزير الداخلية نهاد المشنوق عن القادة الامنيين والقضائيين المسؤولين عن واقعة الجاهلية، ووصفهم «بالأبطال»، وان كان قد أكّد ان التحقيق القضائي سيحدد المسؤولية عن وفاة أبو دياب، ولا يترك الأمر لاجتهادات سياسية فتنوية، فأي كلام من الوزيرين سيأخذ مجراه اليوم؟
لكن وهّاب كشف ليلاً، في حوار مع قناة «الجديد» عن مفاجأة قضائية من العيار الثقيل، مؤكداً انه لن يغادر منزله في الجاهلية لأي سبب، على خلفية تقبل التعازي حتى الأحد المقبل.
اما المسار الثاني، فهو كيف ستنعكس هذه الأحداث على مسار تأليف الحكومة، وهل تخرج حوادث اليومين الماضيين عملية التأليف من جمودها درءاً للمزيد من الاخطار، أم انها على ما يرى البعض، أدخلت مسار التأليف في نفق إضافي؟ خاصة وأنه بات من الصعب التكهن بكيفية الخروج من تداعيات الحادثة التي سقط فيها الدم في الجبل، مع ما يعنيه بالنسبة لأهل الجبل والطائفة الدرزية بصورة خاصة؟
ومها كان من أمر، فإن مصادر رسمية أكدت لـ«اللواء» ان الرئيس ميشال عون لم يكن على علم مسبق بالمداهمة لمنزل وهّاب، وعلم بها متأخراً وتابع الوضع من خلال القيادات الأمنية ووزيرالعدل، الذي قرّر التحرّك القضائي فوراً لتبيان حقيقة ما جرى خلال المداهمة وأدى إلى وفاة أبو دياب ووضع الرئيس عون في نتائج التحقيق.
ومهما يكن من أمر النتائج السياسية، فإن عملية التأليف دخلت في «البراد» بانتظار ظروف أو معطيات أفضل، فيما يتوجه الرئيس المكلف إلى باريس في العاشر من الشهر الجاري لإلقاء محاضرة في غرفة الصناعة والتجارة الفرنسية، ويمكن ليومين أو ثلاثة قبل ان يتوجه إلى لندن للمشاركة في مؤتمر اقتصادي يعقد في العاصمة البريطانية.
وسط هذه الأجواء تتجه الأنظار إلى المخاوف من مواجهة جديدة بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله في ضوء التهديدات المتبادلة بين الطرفين.
تشييع غاضب وهادئ
وساهمت الاتصالات التي أجراها الرئيس عون وكذلك الرئيس نبيه برّي، والأمين العام «لحزب الله» السيّد حسن نصر الله، شخصياً في تهدئة الموقف في الجاهلية، مما سمح باجراء تشييع جثمان المغدور أبو دياب في أجواء هادئة نسبياً وان كانت مفعمة بالغضب والحزن، فيما جاء نعي وهّاب لمرافقه امام جثمانه الذي سجي في «بيت الضيعة» هادئاً أيضاً، إذ أكّد ان الجبل خط أحمر وسلامة لبنان خط أحمر، وطلب من جميع أنصاره عدم إطلاق أي رصاصة أثناء التشييع، وقال: «كلنا تحت سقف الدولة التي تحمينا، وكلنا ثقة بالجيش اللبناني الذي تلافى فتنة كبيرة، واني أؤكد بأني افعل كل شيء ضمن القانون، ولكن ليس القانون المنحاز».
ولوحظ ان وهّاب وجه نداء للنائب طلال أرسلان «لنكون صفاً واحداً مع فيصل الداوود والنائب السابق فادي الأعور والحزب السوري القومي الاجتماعي وكل القوى المؤمنة بعروبة لبنان كي لا يتم استفرادنا كل يوم».
الحزب الاشتراكي
اما الحزب التقدمي الاشتراكي، فقد توجه بالتعزية الى عائلة أبو دياب وعموم أهالي الجاهلية، مؤكداً «اننا كنا بغنى عن هذه الخسارة الأليمة، وعن كل ما جرى نتيجة الحالة الأمنية الشاذة التي يمثلها البعض، والتي استهدفت استباحة الجبل في امنه وسلمه وبسبب منطق الخروج عن القانون والعبث بالأمن».
وإذ أكّد الحزب في بيانه على مسؤولية القضاء في متابعة التحقيقات بكل عدالة وشجاعة، لاحظ ان ما حصل في الأيام الماضية كان بسبب التهاون القضائي الذي يسعى إليه البعض اليوم والذي قادنا إلى ما وصلنا إليه من مآسٍ وخسائر.
وكان رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط واكب من «بيت الوسط» مع الرئيس الحريري العملية الأمنية في الجاهلية عصر السبت، معلناً تأييده لها، ورافضاً استمرار ما وصفه «بالحالة الشاذة» في الجبل، مشدداً على ان ليس هناك من شيء يُهدّد كرامة الدروز.
كيف قتل أبو دياب
وفي انتظار مثول وهّاب امام القضاء أو امتناعه عن هذه الخطوة، تضاربت الروايات حول ظروف مقتل مرافقه محمّد أبو دياب، فبينما أكدت قوى الأمن الداخلي في بيان، ان أبو دياب قتل خلال إطلاق نار كثيف مصدره المباني المجاورة لمنزل وهّاب من قبل مجهولين، وان عناصر فرع المعلومات لم يطلقوا رصاصة واحدة، قال وهاب ان أبو دياب قتل برصاص قناص من سلاح أم-4، الذي يستخدمه فرع المعلومات، وانه يملك تقرير الطبيب الشرعي الذي كشف على الجثمان في مستشفى الرسول الأعظم، مع الرصاصة القاتلة وهي من بندقية أم – 4.
غير ان مصادر أمنية، كشفت ان تقرير الطبيب الشرعي افاد ان أبو دياب توفي في المستشفى ليل السبت – الأحد، متأثراً بجروحه، نتيجة اصابته بطلق ناري من مسافة غير قريبة، دخل خاصرته بشكل مائل، مما تسبب له بنزيف دموي كثيف أدى إلى وفاته لاحقاً.
وأشارت إلى ان الرصاصة أصابت أبو دياب من الأعلى إلى الأسفل، ولو كان من العناصر الأمنية لكانت الرصاصة اصابته بشكل مختلف، مشددة على ان هذه العناصر لم تطلق رصاصة واحدة.
ولاحقاً، اورد موقع تلفزيون «المستقبل» صورة لشخص قال انه من عناصر وهّاب ويدعى سماح حسام الدين يحمل بندقية أم -4 مجهزة بمنظار قناصة التي قال الوزير السابق انه لا يملك مثيلها، أو أن عناصره لا يستخدمونها، وانه لا يملك سوى سلاح الكلاشينكوف.
وكان التقرير الذي اذاعته المديرية العامة لقوى الامن، اورد رواية لمختار الجاهلية اجود بودياب الذي تواجد في المكان قبل واثناء وبعد وصول القوة إلى منزل وهّاب، صرّح ان القوة لم تقم بإطلاق أي عيار ناري، وبأن وهّاب أعلمه بأن قوة من شعبة المعلومات ستحضر إلى منزله بهدف احضاره، وطلب منه إبلاغ الضابط المسؤول عن القوة بأنه سيتوجه إلى التحقيق في شعبة المعلومات يوم الاثنين برفقة محاميه، كونه، بحسب افادة المختار، ان وهّاب كان على علم مسبق بحضور القوة الى منزله للعمل على احضاره.
لكن المختار أبو دياب نفى لاحقاً انه صرّح بأن القوة لم تطلق النار، موضحاً بأنه قال بأنه لم يشاهد القوة تطلق النار.
تجدر الإشارة إلى قرار بمنع سفر وهّاب من قبل النيابة العامة التمييزية.
«حزب الله»
إلى ذلك، كان لافتاً للانتباه، موقف «حزب الله» من عملية الجاهلية، والذي عبر عنه رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمّد رعد، حينما أعلن ان إرسال قوة عسكرية مؤللة إلى الجاهلية بحجة تبليغ دعوة قضائية هو تجاوز للقانون، معتبراً ان هذه الأساليب والتصرفات تنأى بالناس عن احترام قدرة من يقدمون أوراق اعتمادهم على حكم البلد وخصوصاً في هذه المرحلة.
ولاحقاً، نقلت محطة O.T.V الناطقة بلسان «التيار الوطني الحر»، عن الحزب الموقف الآتي: «كان الأجدى والاحرى بمن أعطى التعليمات للتوجه إلى الجاهلية ان يترجم مبدأ الدولة العاقلة وليس الدولة الغاشمة، فما حصل هو عملية أمنية وليس تنفيذاً لقرار قضائي، ووئام وهّاب – مع رفض حزب الله للكلام المسيء للرئيس الشهيد رفيق الحريري ولجميع الشهداء والمسؤولين والناس – ليس ارهابياً أو فاراً من وجه العدالة ليتم تكليف قوة متخصصة بمكافحة الارهاب بجلبه من عقر داره وتبليغه بشكل مغاير للأصول والأعراف والمعايير».
لبنان يحترق
والمنح والقروض ستطير!
على ان الأخطر، في هذا الخضم المضطرب، ما نشرته مجلة «دي هيل» الأميركية، وتناولت فيه مصير 11 مليار دولار التي اقرها مؤتمر سيدر في باريس في نيسان الماضي.
وجاء في المقال الذي كتبه رئيس مجلس إدارة «مجموعة العمل الأميركية من أجل لبنان» السفير الأميركي السابق في المغرب أدوارد غابريال انه: من 6 أشهر على انتخاب مجلس نواب جديد فيما يواجه الرئيس الحريري تحديات متعددة في محاولة تشكيله للحكومة الجديدة.
وشبه غابريال ما يجري في لبنان بالمنزل الذي يحترق فيما خمس شاحنات تعمل لاخماد الحريق، وبدلاً من العمل معاً لإطفاء الحريق، تشاجر رجال الإطفاء في أي جزء من المنزل يجب إطفاء النيران أولاً، ومن يتحكم بأول خرطوم مياه، مضيفاً: «الحريق ينتشر من دون السيطرة عليه، ويمكن ان يصل إلى نقطة اللاعودة!».