إنعاش جهود التأليف يسابق محاولات إقليمية لزرع الفوضى
عون يلتقي موفد الحريري: المؤسّسات قادرة على معالجة التجاوزات..
بعد أربعة أيام، على حوادث الجاهلية، ترسخت مساعي الاحتواء، والتمسك بالاستقرار، غير قابل، للأخذ والرد، وإعادة تركيز الاهتمام على انتشال تأليف الحكومة من الركود، فضلاً عن الانصراف إلى توفير السيولة لصرف رواتب الموظفين والاجراء والمتقاعدين في القطاع العام، قبل الأعياد المجيدة..
ومسح اثار حوادث الجاهلية، والعودة إلى الحوار الهادئ بعيداً عن الإساءات والاهانات، ضمن معادلة شدد عليها الرئيس ميشال عون، في كلمة له لدى تدشين مبنى المكتبة الوطنية الجديد، بعد ترميمه، في محلة الصنائع، ومؤداها انه من غير المقبول إعادة «عقارب الساعة إلى الوراء، وهذا ما لا نسمح به ابداً، لأن الاستقرار الذي ينعم به لبنان لن يستطيع أي طرف أو أي جهة سياسية أو حزبية انتمى، ان يستهدفه، لا سيما وأن المؤسسات القضائية والأمنية قادرة على وضع حدّ للتجاوزات..
وكشفت مصادر مطلعة لـ«اللواء» ان إطلاق إسرائيل عملية درع الشمال، ومسارعة البيت الأبيض إلى دعم العملية، تنطوي على مخاطر، مع مسارعة تل أبيب إلى استدعاء الإعلام التلفزيوني الدولي، لتغطية العملية، في إطار ما قاله جيش الاحتلال الإسرائيلي من انه رصد انفاقاً لحزب الله تسمح بالتسلل من لبنان إلى داخل الكيان المحتل.. معلناً مباشرة العمل لتدميرها..
وقالت ان زوّار بعبدا لمسوا قلقاً لدى رئيس الجمهورية ويشاطره هذا القلق الرئيسان نبيه برّي وسعد الحريري..
وأشارت المصادر إلى ان هذا التطور الإقليمي الخطير، معطوفاً على الإشارات التي حملتها حوادث الجاهلية في الشوف، دفع كبار المسؤولين لانعاش عملية تأليف الحكومة، انطلاقاً من فكرة توزير سني من 8 آذار، من حصة الرئيس عون، شرط الحصول على ضمانات بأن هذا المخرج يُشكّل حلاً للعقدة القائمة، من دون استيلاد عقدة جديدة..
ولم تخف المصادر ان ضغوطاً إقليمية أخرى ما تزال تؤثر على الوضع الداخلي، على الرغم من لملمة ذيول ما جرى في الجاهلية السبت الماضي، وما سبقه، من محاولات من شأن تكرارها زرع الفوضى في البلاد، في ضوء تفاقم المواجهة الأميركية – الإيرانية على خلفية العقوبات النفطية، وتهديدات المسؤولين الإيرانيين، بمنع تصدير النفط الخليجي ككل، في حال مُنع تصديرها للنفط الإيراني..
الحكومة لا تحجبها «درع الشمال»
وإذا كانت عملية «درع الشمال» الإسرائيلية أعادت تصويب البوصلة لبنانياً باتجاه الجنوب، ونحو «الحالة الاستثنائية الشاذة» الوحيدة التي يواجهها لبنان، وهي العدو الإسرائيلي، بحسب المعاون السياسي للأمين العام «لحزب الله» الحاج حسين الخليل، فإن هذه العملية التي لا يستبعد الإعلام الإسرائيلي ان تكون محاولة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لصرف الأنظار عن تهم الفساد التي يواجهها بأختراع حكاية «انفاق حزب الله» في الجنوب، لم تحجب الاهتمام عن متابعة التطورات السياسية والأمنية في الداخل، وما يتصل بها بموضوع الحكومة، على الرغم من ان معظم المعنيين بعملية التأليف يعتقدون انها دخلت في نفق لا يبدو في نهايته أي ضوء، بعد الذي حصل في بلدة الجاهلية، والذي زاده تعقيداً سقوط ضحية ودماء، ما يرتب على ذلك من تداعيات سياسية وأمنية، بدأت طلائعها بالتفاف دروز 8 آذار حول الوزير السابق وئام وهّاب، وإنهاء القطيعة معه سواء من قبل النائب طلال أرسلان أو سفير النظام السوري علي عبد الكريم علي، رغم الخلافات العميقة، الأمر الذي يؤشر إلى وجود سيناريو لمحاصرة المختارة وزعيمها وليد جنبلاط، وهو ما دفعه إلى إعادة احياء تنظيم العلاقة مع «حزب الله»، على ذلك يبعد الحزب من ان يكون طرفاً في أمن الجبل واستقراره.
وكشفت مصادر مطلعة لـ«اللواء» ان الجواب على خيار الـ32 وزيرا جاء سلبيا من قبل رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري وغيره وبالتالي سقط ويجري البحث حاليا عن الية تتصل بالـ30 وزيرا يجري فيها توزير سني يسميه اللقاء التشاوري او سنة 8 اذار.
وقالت المصادر ان الطرح يقوم على ان بكون هذا الوزير من حصة رئيس الجمهورية ولم تستبعد ان يأتي ذلك من ضمن آلية معقولة للبحث بحيث تتكرر تجربة الوزير الدرزي من خلال رفع لائحة باسماء يجري الاتفاق عليهاو لا تضم الوزراء السنة المستقلين الى رئيس الجمهورية لاختيار اسم لكن هذا الطرح لم يعرف مصيره والى اي مدى يمكن السير به مكررة القول انه طرح للبحث وليس للتأكيد.
ولهذه الغاية، استقبل أمس الرئيس عون الوزير غطاس خوري موفداً من الرئيس المكلف.
عون: لأمن الجبل والاستقرار
وفيما غابت الاتصالات في شأن تأليف الحكومة عن التداول، في انتظار عودة وزير الخارجية جبران باسيل اليوم من العراق، واستئناف حركته المكوكية باتجاه الأطراف المعنية، كوسيط مكلف من قبل رئيس الجمهورية، لفت الانتباه ان موضوع الحكومة غاب عن كلمة الرئيس ميشال عون في خلال افتتاحه مبنى المكتبة الوطنية في الصنائع، وحضرت بدلاً منه تطورات الجبل، حيث كانت له مواقف اتسمت بالوسطية، إذ ارضى الرئيس المكلف سعد الحريري الذي حضر معه الاحتفال، من خلال انتقاده الاساءة إليه ووصفها بأنها «اساءة للوطن»، وفي نفس الوقت تحدث عن «تصحيح أخطاء في الاداء».
في إشارة إلى ما حدث في الجاهلية، لكنه أكّد ان «المؤسسات القضائية والأمنية قادرة على وضع حدّ للتجاوزات».
أذ أعلن الرئيس عون ان «ما سمعناه في الأيام القليلة الماضية من كلام وما استتبعه من ردود فعل، لم يسء الى شخص أو فريق أو جماعة، بل أساء الى الوطن والى جميع أبنائه من دون تمييز، وكاد أن يعيد عقارب الساعة الى الوراء، وهذا ما لن نسمح به أبدا».
واكد «أن الاستقرار الذي ينعم به لبنان لن يستطيع أي طرف، الى أي جهة سياسية أو حزبية انتمى، أن يستهدفه، لا سيما أن المؤسسات القضائية والأمنية قادرة على وضع حد للتجاوزات، في القول أو في ردود الفعل، وعازمة على تصحيح الأخطاء في الأداء عندما تقع، وذلك بتوجيه من السلطة السياسية، واستنادا الى القوانين والأنظمة المرعية الإجراء».
تزامناً، كان لافتاً للانتباه أيضاً، استقبال الرئيس الحريري للمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان ورئيس شعبة المعلوات العميد خالد حمود، حيث عرض معهما الأوضاع الأمنية في البلاد، بحسب ما أفاد المكتب الإعلامي للرئيس الحريري، الذي اضاف: ان الحريري أثنى خلال اللقاء على الجهود التي تبذلها قطاعات قوى الأمن للحفاظ على أمن واستقرار المواطنين في مختلف المناطق اللبنانية، من دون ان يُشير المكتب الإعلامي الى منطقة معينة، كالجبل مثلاً، أو إلى ما حصل في الجاهلية.
كتلة «المستقبل»
غير ان كتلة «المستقبل» النيابية، التي اجتمعت أمس برئاسة السيدة بهية الحريري، وضعت ما جرى في خانة «مسلسل الفتنة الذي طاول المقامات والبلد والامن»، وقالت في بيانها انه «مسلسل يقوم ابطاله بنبش القبور وحقن الصدور من دون ان ترف لهم عين، ويفترون على الاحياء والاموات ويثيرون الفتن المذهبية والمناطقية ليتلطوا خلفها بعيداً عن اعين العدالة»، وهو «مسلسل يريد ابطاله ان ينتهي المشهد بمظلومية وهمية تحول المعتدي إلى ضحية، وترى في تطبيق العدالة مسألة استنسابية وتصور قيام الأمن بواجباته غزوة جاهلية».
وإذ أهابت الكتلة بالجميع ترك الأمر للقضاء الذي يستطيع وحده تحديد المسؤولية وتحقيق العدالة، وانه (أي القضاء) يملك من القدرة على استعمال الوسائل العلمية التي من شأنها تحديد اتجاه الرصاصة وتحديد الجهة التي يكون قد صدر منها إطلاق الرصاصة التي أصابت المرحوم محمّد بو ذياب، فإنها وجهت مجموعة تساؤلات كانت بمثابة مجوعة ردود على اتهامات وهّاب من دون ان تسميه.
وخلصت الكتلة إلى أن «الوطن غال كما الحريات، وان لا وطن بدون سيادة حكم القانون، وان قوى ترفع الخطوط الحمر بوجه قضائها وأمنها لا تبقي على وطن، وان الالتفاف حول الحليف بعصبية عمياء هو سقوط في أحضان الجاهلية البغضاء. حمى الله لبنان».
لقاء التقدمي – «حزب الله»
في المقابل، وفي إطار مساعي احتواء حوادث الجاهلية زار وفد من الحزب التقدمي الاشتراكي ضم النائب وائل أبو فاعور والوزير السابق غازي العريضي، المعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» حسين الخليل، في حضور مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا، وكان تشديد من الطرفين على أهمية الحفاظ على الأمن ليس فقط في الجبل وإنما في كل المناطق اللبنانية.
وكشفت معلومات حزب الله عن اللقاء (موقع العهد الاخباري) ان النائب السابق غازي العريضي، بناءً على طلب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، أجرى اتصالاً بالمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين خليل، طالباً اللقاء بالحزب، فأجابه: اهلاً وسهلاً، الثلاثاء (أمس).
اللقاء استمر ساعة، وبدأ من حادثة الجاهلية، وانطلاقاً من الرسالة التي بعث عبر خطاب له، السيّد نصر الله، عندما قال له: «زبط أنتيناتك»، وكاشف الحاج خليل ضيفيه، العريضي والنائب وائل أبو فاعور، ان ما حدث في الجاهلية خطأ كبير جرى ارتكابه..
وكرر العريضي المسار التاريخي للعلاقة بين التقدمي وحزب الله، لينتهي اللقاء إلى الاتفاق على: الاستقرار الأمني أولوية وضرورة استمرار التشاور وعقد اللقاءات الدورية.
أنفاق «حزب الله»
وكان الوضع الأمني على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة، قد خطف الأضواء أمس، على خلفية مزاعم الاحتلال الإسرائيلي عن وجود انفاق حفرها «حزب الله» في الجنوب ولا سيما قرية كفركلا وتصل إلى مستعمرة المطلة في الداخل الفلسطيني المحتلة.
وقالت معلومات رسمية ان رئيس الجمهورية تابع التطورات في منطقة الحدود الجنوبية بعدما باشرت إسرائيل القيام بحفريات قبالة الاراضي اللبنانية. واجرى لهذه الغاية سلسلة اتصالات شملت رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري وقائد الجيش العماد جوزف عون.
وتم خلال الاتصالات التي أجراها الرئيس عون، تقييم الموقف في ضوء المعطيات المتوافرة حول ابعاد العملية الاسرائيلية، وطلب من الأجهزة الأمنية متابعة الموقف بدقة.
وعرض الرئيس عون امس في قصر بعبدا مع سفيرة الولايات المتحدة الاميركية اليزابيت ريتشارد، الاوضاع العامة في لبنان والعلاقات اللبنانية – الاميركية.
واشارت ريشارد الى ان البحث «تناول ايضا التطورات في منطقة الجنوب»، واكدت دعم بلادها «للبنان واهمية تشكيل حكومة جديدة».
وعلم ان السفيرة الأميركية أبلغت الرئيس عون ان ما يقوم به جيش العدو من حفر، لا يشمل الأماكن التي تقع خارج الأراضي المحتلة، كما ان قوات اليونيفل تقوم بدورها في المراقبة.
تمويل الخزينة من المصارف
مالياً، حسم الاجتماع الذي جمع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مع وزير المال علي حسن خليل، الاتفاق على إجراءات تمويل الخزينة اللبنانية، عبر اكتتابات بالعملة اللبنانية من القطاع المصرفي، سيباشر بها مصرف لبنان خلال الأسبوع المقبل.
وأوضح سلامة ان البحث تناول آليات التمويل التي يحتاجها لبنان خلال العام 2019، واتفقنا على خطة نستطيع بموجبها استقطاب أموال إلى اصدارات الدولة بموجب فوائد السوق، مشيراً إلى ان البنك المركزي سيتفق مع المصارف لتحويل ودائعها بالليرة اللبنانية إلى سندات خزينة بالليرة وبفوائد السوق، كاشفاً ان هذه السندات لن تكون قصيرة المدى بل على 10 أو 20 سنة بفائدة تصل إلى 10.5 في المائة.
اما الوزير خليل، فأكد من جهته ان الاجتماع ثبت عملياً انتظام دفع كل الرواتب والأجور وملحقاتها والالتزام بتسديد المستحقات أو المترتبات على الدولة من سندات الدين الداخلية والخارجية حفاظاً على موقع وسمعة وتصنيف لبنان.
وإذ شدّد على وجوب اجراء إصلاحات جدية تتعلق بالانفاق، كشف انه جرى توظيف أكثر من 5000 موظف جديد في سنة 2018 نصفهم في السلك العسكري، وهذا أدى إلى خلق أعباء إضافية، لافتاً النظر إلى ان الانفاق الاستثماري لا يتجاوز الـ8 في المائة مقابل 92 في المائة الذي هو الانفاق الجاري بين رواتب واجور وخدمة دين وعجز الكهرباء، قائلاً: «نحن لا نستطيع ان نستمر هكذا».
ونفى خليل، ان تكون تقديرات وزارة المالية لسلسلة الرتب والرواتب قد تجاوزت هذه التقديرات، مؤكداً انها كانت مطابقة مائة في المائة وان كل الأرقام التي طرحت خلال الفترة الماضية على لسان خبراء واقتصاديين ووزراء ونواب هي أرقام لا تمت إلى الحقيقة بصلة، الا انه أقرّ بأن الزيادة التي سجلت على السلسلة كانت لرواتب العسكريين والامنيين بسبب الزيادة في التوظيف، إضافة إلى زيادة تعويضات نهاية الخدمة نتيجة ازدياد اعداد المتقاعدين في السنة الحالية، ما نسبته 220 مليار ليرة افتتح لها اعتماد إضافي في الأسبوع الماضي.