التفاؤل بالحكومة يتراجع… وخياران يتقدّمان لشرعنة الإتفاق والرواتب
إستياء «حزب الله» من تصريحات باسيل في دافوس يطرح مخاوف من تأثيرات سلبية على التأليف؟
طرح الاجتماع المالي في بعبدا، لجهة الانفاق المالي، في ظل عدم إقرار موازنة العام 2019، إمكان اتخاذ إجراءات جدية، اخذا في عين الاعتبار تأخر تأليف الحكومة.
وإذا كانت هذه المحصلة تشكّل مؤشرا غير إيجابي، على احتمال ان يكون الأسبوع المقبل أسبوع الحسم، فضلا عن مؤشرين آخرين، هما سفر الرئيس المكلف سعد الحريري، في زيارة خاصة، وجمود حركة المشاورات وان بدت المعطيات لا توحي بأن الحلحلة انتهت، فالأوساط المعنية تؤكد لـ «اللواء» ان جوّ التفاؤل ما يزال في الواجهة، وان الأطراف اللبنانية تدرك ضرورة إنهاء التأليف، وعليه، المشاورات تركز على وضع رتوش على تبادل الحقائب، وإيجاد «تخريجة» مقبولة «للوزير الملك» الذي يمثّل اللقاء التشاوري من حصة رئيس الجمهورية.
وكشفت الأوساط ان زيارة الرئيس الحريري العائلية إلى باريس، سريعة، وضرورية من دون ان تحدّد موعد العودة..
انكفاء أم فرملة؟
غير ان مصادر سياسية متابعة، لاحظت ان انكفاء حركة مشاورات تأليف الحكومة، بفعل سفر الرئيس الحريري إلى باريس، في زيارة وصفها مكتبه الإعلامي بأنها «عائلية قصيرة»، لا يعني ان زخم اندفاعة الرئيس المكلف لتوليد الحكومة، التي دخلت أمس شهرها التاسع، منذ انتهاء أعمال القمة الاقتصادية في بيروت، قد توقف أو أن عوامل جديدة طرأت فرملت هذه الاندفاعة، لا بل قالت ان الزيارة الباريسية التي تستمر حتى نهاية الأسبوع الحالي، قد تكون فرصة لاجراء لقاءات بعيدة عن الأضواء، سواء مع رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، لدى عودته من «دافوس»، أو مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، لدى عودته أيضاً من الولايات المتحدة، علماً ان مصادر في «القوات» أبلغت محطة «أو.تي.في» ان اللقاء بين الحريري وجعجع سيكون ضمن المهلة التي حددها الرئيس المكلف لحسم موضوع الحكومة أي في الأسبوع المقبل.
لكن المصادر السياسية، استدركت بأن اتجاه الرئيس الحريري نحو حسم موضوع الحكومة، لا يعني ايضا ان أمور التأليف قد حسمت بدورها، على الرغم من تأكيد مصادر «المستقبل» ان بورصة الحكومة في أعلى تداول لأسهم التشكيل منذ «التكليف» ذلك ان الأمور ما زالت بحاجة إلى جهود في أكثر من اتجاه، وتحديداً في ما يتصل بعقدة تمثيل نواب سُنة 8 آذار، التي لم تذلل بعد، حيث المفاوضات تركز على اسم الوزير الذي سيمثل هؤلاء النواب، وعلى تموضعه في مجلس الوزراء، وان كانت الترجيحات تُشير إلى انه لن يكون في عداد تكتل «لبنان القوي»، في وقت أثارت مواقف رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط بعد لقاء الحريري أمس الأوّل، ظلالاً من الشك حول مدى قدرة المعنيين على الخروج من الأزمة التي تؤخّر الولادة الحكومية حتى الآن.
وبانتظار ما سيقوله الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله غداً السبت في ما يتصل بتطورات الملف الحكومي، فضلاً عن أوضاع المنطقة والصواريخ وإسرائيل فإن المشاورات التي بدأها الرئيس المكلف مع القيادات السياسية، يرجح أن تفضي إذا ما سارت الأمور بالطريقة الصحيحة إلى الخروج من الأزمة القائمة بتشكيل حكومة ثلاثينية على أساس ثلاث عشرات بعد طَي صفحة الـ32، انطلاقاً من الحرص على تجنيب لبنان تداعيات المخاطر الاقتصادية والمالية التي تلوح في الأفق، مع ما لها من انعكاسات بالغة السلبية على البلد الذي هو بأمس الحاجة إلى ما يوفر له الرافعة الاقتصادية المطلوبة للخروج من واقعه الحالي، بعدما قاربت أرقامه الاقتصادية الخطوط الحمر، من خلال مقررات مؤتمر «سيدر» التي تتطلب وجود حكومة جديدة في لبنان حتى يتمكن من الاستفادة من الأموال التي رصدت لدعم الاقتصاد اللبناني.
وتوقعت مصادر نيابية في كتلة «المستقبل»، ان يتصاعد الدخان الأبيض الأسبوع المقبل، بعد بروز إيجابيات لتحرك الرئيس المكلف الأخير، إلا إذا كان للأمين العام لـ«حزب الله» كلام آخر من خلال المواقف التي سيعلنها السبت، وبالتالي فإن مصير الحكومة معلق على ما سيقوله، فإما أن يسير في الأجواء الإيجابية السائدة، وإما أن يضع الشروط مجدداً ويفرض إملاءاته بوضع العراقيل التي ستعيد تأزيم الأمور وتشيع أجواء تشاؤمية، كما هي الحال عليه منذ تكليف الرئيس الحريري تشكيل الحكومة، حيث يعمل «حزب الله» وحلفاؤه على أسر الحكومة وتكبيل الرئيس المكلف بالشروط، ما جعله عاجزاً عن إنجاز مهمته وتشكيل الحكومة التي يراها قادرة على القيام بدورها في التصدي للأزمات التي يواجهها البلد.
وكان لافتاً للانتباه، عشية إطلالة السيّد نصر الله غداً، عبر قناة «الميادين» والذي سيتركز الحديث في جانب منه إلى الوضع الحكومي، والعلاقة بين الحزب و«التيار الوطني الحر»، الاستياء الذي ابدته أوساط حزب الله من تصريحات الوزير باسيل لمحطة CNN الأميركية وخطابه الأخير في «دافوس»، والذي اعتبرته بأنه يتناقض مع الكلام الذي يسمعونه منه في بيروت، خاصة بالنسبة لتبريره امتلاك إسرائيل وسائل عسكرية بحجة الدفاع عن نفسها.
مبادرة الحريري
وبالنسبة لمسار تشكيل الحكومة، لاحظت مصادر الكتلة، وكذلك زوّار «بيت الوسط» ان الرئيس الحريري يتجنب الحديث عن مسار تأليف الحكومة، خشية ان يتعرّض مسعاه الى انتكاسة جديدة، رغم تأكيد هؤلاء بأن جميع القوى وصلت إلى قناعة بضرورة قيام حكومة، لأن وضع البلد لم يعد يحتمل.
ولفتت هذه المصادر إلى ان المبادرة الجديدة تقوم على سلّة متكاملة وضعها الحريري مع الوزير باسيل، من عناوينها تمثيل نواب سُنة 8 آذار، أو ما يسمى «اللقاء التشاوري» بوزير من الأسماء الثلاثة المقترحة منه، أي عثمان المجذوب وحسن مراد وطه ناجي، على ان يكون من حصة رئيس الجمهورية من دون ان يُشارك في اجتماعات تكتل «لبنان القوي» أو يصوت ضد رئيس الجمهورية في مجلس الوزراء، إضافة إلى اجراء تبديل محدود في الحقائب الوزارية، تشمل فقط وزارات البيئة والإعلام والصناعة والمهجرين.
موضحة بأن الرئيس نبيه برّي وافق على التخلي عن حقيبة البيئة لمصلحة «التيار الحر» مقابل حصوله على الصناعة، التي كانت أعطيت لجنبلاط الذي لم يقفل الباب ولم يفتحه، حينما التقي الرئيس الحريري أمس الأوّل، ربما في انتظار ما سوف يطرأ من تطورات، استناداً إلى وجهة نظره التي تشكك في إمكان خروج الحكومة من «عنق الزجاجة»، هذه المرة أيضاً، لأسباب إقليمية، تتصل بمحاولات النظام السوري العودة بقوة إلى الساحة اللبنانية، عبر الشروط التي وضعها حلفاؤه لتعطيل تشكيل الحكومة، وليس السماح بولادتها، لا سيما قبل «مؤتمر وارسو» التي تدعو إليه الولايات المتحدة في منتصف شباط المقبل لمحاصرة إيران.
ويلاحظ في هذا السياق، ان أي اتصال لم يجر مع نواب «اللقاء التشاوري»، الا ان الاجتماع الذي سيعقده هؤلاء اليوم الجمعة في منزل النائب جهاد الصمد، قد يكون مؤشرا إلى طبيعة الموقف الذي سيتخذ على صعيد تموضع وزيرهم، وما إذا كان ثمة شروط جديدة قد يطلبونها، في حال تأكدت المعلومات التي تحدثت عن اتجاه للبحث عن اسم شخصية جديدة يمثلهم، يكون شبيهاً بشخصية جواد عدرة الذي رفض من قِبل اللقاء، مع العلم ان عضو هذا التكتل النائب فيصل كرامي لم ير موشراً إلى وصول مسار تشكيل الحكومة إلى خواتيمه السعيدة، بسبب عقدة تبديل بعض الحقائب، وانقطاع الاتصالات مع «اللقاء التشاوري»، مرجحاً العودة إلى خيار تفعيل حكومة تصريف الأعمال الذي ما يزال مطروحاً.
وعليه تجزم المصادر المطلعة لـ«اللواء» ان ما من تطوّر جديد على صعيد ملف تشكيل الحكومة، ولا تزال المشاورات دائرة حول تدوير هذه الحقائب، مع العلم ان ما من معطى جديد، بعدما ظهرت أجوبة على ما طرح لا توحي بالانتقال إلى المرحلة الثانية، أي مرحلة التفاوض لحل العقدة السنَّية.
الملف المالي
في غضون ذلك، تقدّم إلى الواجهة مجدداً الوضع المالي، الاقتصادي، ولكن هذه المرة من باب الانفاق المالي للدولة، في ظل انتهاء المهلة الدستورية لإنجاز موازنة العام 2019، في 31 كانون الثاني الحالي، بما يفرض على الدولة الانفاق وفق القاعدة الاثني عشرية، فكان هذا الموضوع موضع بحث مفصل في بعبدا، في الاجتماع الذي عقده رئيس الجمهورية ميشال عون مع وزير المال علي حسن خليل ورئيس لجنة المال والموازنة النيابية النائب إبراهيم كنعان، في حضور المدير العام لرئاسة الجمهورية انطوان شقير.
وبحسب معلومات «اللواء» فإنه عرضت في الاجتماع الأوضاع المالية، والخيارات المتاحة امام الدولة للانفاق المالي، خاصة وان وزير المال يعتبر ان الدستور يجيز له الصرف وفق القاعدة الاثني عشرية لشهر كانون الثاني، تم التداول بأفكار عما يمكن فعله بعد ذلك. وكان واضحا ان هناك خيارين الاول يقضي باللجوء الى الموافقة الاستثنائية التي يتم اعتمادها لتصريف الأمور وتصدر عن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وتكلف وزير المال الاستمرار في الصرف وفق القاعدة الاثني عشرية ريثما تصدر موازنة العام 2019.
اما الخيار الثاني فيقضي بإنجاز اقتراح قانون معجل مكرر بالإجازة للحكومةالصرف وفق القاعدة الاثني عشرية حتى صدور الموازنة. وافيد ان هذين الخيارين سيخضعان للدرس من اجل اعتماد احداهما تبعا للتطورات.
وقالت مصادر وزارية انه اذا شكلت الحكومة فإن الامكانية كبيرة بعقد جلسة لمجلس الوزراء بعد نيل الحكومة الثقة من مجلس النواب من اجل درس الموازنة وتحويلها، وفي هذه الاثناء يتم الصرف وفق الاثني عشرية. وان لم تتشكل يتم اللجوء الى احد الخيارين المذكورين.
وأوضح الوزير خليل بعد الاجتماع، بأنه «نتيجة التأخر في تشكيل الحكومة كان هناك اضطرار إلى الانفاق على القاعدة الاثني عشرية خلال شهر واحد من هذه السنة، وكنا متفقين على ان تبقى الأمور سائرة على الطريق الصحيح الذي يضمن انتظام الدفع إلى كل المستحقين، خصوصاً في ما يتعلق بالرواتب والأجور والسندات وغيرها»، مشيراً إلى انه تمّ الاتفاق على بعض الأمور التي تنظم هذه العملية وتضعها في إطارها القانوني والدستوري، لكي لا يكون هناك أي اشكال مستقبلاً.
وقال: «كان اللقاء فرصة تفاهمنا في خلالها على روحية التعاطي مع الاصلاحات المطلوبة عند البدء في نقاش الموازنة كي تأتي متلائمة مع التوجهات التي أقرت في مؤتمر «سيدر»، وما نناقشه ونبحث فيه حاليا باتجاه تخفيف العجز واقرار مسار اصلاحي جديد على الصعيد المالي».
وفي إشارة إلى ما تلقاه لبنان من دعم من جانب أشقائه، ولا سيما الخطوة القطرية بشراء سندات خزينة لبنانية بـ500 مليون دولار، وتأكيد وزير المال السعودي محمّد الجدعان من استعداد للمساعدة، طمأن خليل إلى ان الأمور بمجملها مريحة نتيجة ما أعلن عنه بعد القمة العربية الاقتصادية، معتبراً انها «امور مشجعة تريح الأسواق، بالقدر نفسه الذي يجب علينا ان نكون حذرين ومنتبهين والتركيز على إعادة عمل مجلس الوزراء من خلال الإسراع في تشكيل الحكومة»، لافتاً الانتباه إلى انه «إذا ما تمعنَّا بقراءة التقرير الأخير لمؤسسة «موديز» لوجدنا ان التركيز في معظمه على وجوب تشكيل الحكومة التي عليها فور تشكيلها ان تبدأ بمسار إصلاحي جديد نحن متفقون عليه».
أما سفير المملكة العربية السعودية وليد بخاري فد أكّد من دارة الرئيس أمين الجميل في بكفيا ردا على سؤال عن كلام وزير المالية السعودية أمس الاول عن مساعدة لبنان وكيفية تبلور هذه المساعدة، قال: «سنتابع تصريحات معالي الوزير من دافوس وسيكون فيها ان شاء الله بعض الآليات التي ستتخذ».