رسالة مصارحة أميركية للحريري: مشاركة حزب الله بنزاعات خارجية تزعزع الإستقرار
برّي متخوِّف على «التضامن الوزاري».. وبرلين تطالب لبنان بتسليمها مدير المخابرات الجوية السورية؟
تتتالى الأسئلة في الأوساط السياسية، وحتى الرسمية حول المسار الحكومي: هل تقلع الحكومة التي نالت الثقة بـ111 صوتاً ليل الجمعة – السبت الماضي، أم ان الحكم على عمل الحكومة غير ممكن قبل فترة السماح التي منحتها لنفسها (100 يوم)، مع العلم ان الرئيس نبيه برّي، الذي حث الحكومة على العمل وفقاً للبيان الذي نالت الثقة على أساسه، مشدداً على مكافحة الفساد الذي لا دين ولا طائفة له، وضع يده على قلبه، متخوفاً على الحكومة من نفسها، وليس من أي شيء آخر..
ومن الأسئلة قيد التباحث في أوساط المهتمين والرأي العام: هل يعمل الوزراء كفريق واحد، أم ان الخلافات حول أصل المقاربات من شأنه ان ينعكس سلباً على الانتاجية في مجلس الوزراء؟
غداً، الاختبار الأوّل، بعد الجلسة الأولى لمجلس الوزراء، التي وزّع جدول أعمالها بـ103 بنود، بعضها المستجد والبعض الآخر مرحل من مجلس وزراء سابق ومن فترة تصريف الأعمال الطويلة..
على ان الأخطر في مسار البلبلة التي احدثتها زيارة وزير شؤون النازحين السوريين صالح الغريب إلى سوريا، الرسالة الخطية والصريحة التي تلتها السفيرة الأميركية في بيروت اليزابيث ريتشارد، من السراي الكبير بعد لقاء الرئيس سعد الحريري، على مسمع من أركان السفارة، سواء في ما يتعلق بالمساعدات للجمعيات اللبنانية التي تتعامل مع مطالب فرضها هروب «الجيران السوريين من وحشية نظام الأسد» (الرئيس بشار الأسد)، فضلاً عن كلامها المباح من «أنني كنت صريحة ايضاً مع رئيس الوزراء حول قلق الولايات المتحدة بشأن الدور المتنامي في الحكومة لمنظمة في هذه الحكومة لا تزال تحتفظ بميليشيا لا تخضع لسيطرة الحكومة. وهي تستمر في اتخاذ قراراتها الخاصة بالامن القومي. وهي قرارات تعرض لبنان للخطر، وتستمر في خرق سياسة النأي بالنفس من خلال المشاركة في نزاع مسلح في ثلاثة بلدان أخرى على الأقل. ان هذه الحالة لا تسهم في الاستقرار، وفي الواقع انها تزعزع الاستقرار بشكل اساسي».
بالتزامن كشفت مجلة «دير شبيغل» الألمانية أن «برلين طلبت من السلطات اللبنانية تسليم أحد كبار قادة المخابرات السورية، بتهم تتعلق بجرائم ضد الإنسانية». وذكرت انه «بعد أيام من اعتقال عنصرين من المخابرات السورية متهمين بتنفيذ آلاف عمليات القتل والتعذيب الممنهج، اتبعت برلين خطوة هي الأولى من نوعها في الإطار الديبلوماسي، وقدمت إلى لبنان طلب تسليم اللواء جميل حسن، مدير إدارة المخابرات الجوية السورية، وذلك بعد حصول المحققين على معلومات تفيد بأن الأخير يعتزم السفر إلى لبنان لتلقي العلاج».
وأشارت الى أن «النيابة العامة الاتحادية الألمانية تتهم حسن بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وأصدرت بالفعل مذكرة توقيف دولية بحقه الصيف الماضي»، مضيفة أن «هناك معلومات تفيد بأن مكتب المدعي الفيدرالي في كارلسروه يحقق اﻵن ضد حوالى عشرين شخصا من المسؤولين السوريين السابقين».
وذكرت «دير شبيغل» انه «من خلال طلبها من لبنان تسليم جميل حسن، تسعى السلطات الألمانية إلى تضييق نطاق تحركات الرجل المطلوب من جهة، وممارسة الضغط على لبنان، الذي يسافر إليه بشكل متكرر مسؤولو الحكومة السورية، من جهة أخرى».
ومع ذلك، تعتبر المجلة أن «الآمال لدى ألمانيا في أن تقوم السلطات اللبنانية باعتقال جميل حسن وتسليمه تبقى منخفضة، حيث يلعب «حزب الله»، أحد حلفاء دمشق الأساسيين، دورا محوريا في هيكلية السلطة اللبنانية بحسب المجلة».
رياح تعاكس الحكومة
وفيما جاء جدول أعمال أوّل جلسة تعقدها «حكومة إلى العمل» غداً الخميس في قصر بعبدا، مخيباً للآمال، وعبارة عن «بداية غير مشجعة»، إذ خلت بنوده الكثيرة (103 بنود) من طرح أي من الملفات الحيوية، التي تحدث عنها بيانها الوزاري، ولا من أية إشارة إلى بنود سياسية ملحة، مثل التعيينات في أمانة مجلس الوزراء والادارة والمجلس العسكري، كان لافتاً للانتباه كلام الرئيس نبيه برّي، حول انه «ليس خائفاً على الحكومة الا من الحكومة نفسها» مع إشارة كتلة «المستقبل» النيابية إلى ان «التضامن الحكومي قاعدة جوهرية لمواجهة استحقاقات المرحلة»، بالتزامن مع الرسالة الأميركية التحذيرية المباشرة والصريحة للبنان وحكومته، حول قلق الولايات المتحدة من الدور المتنامي في الحكومة لمنظمة لا تزال تحتفظ بميليشيا لا تخضع لسيطرة الحكومة»، على حدّ تعبير بيان السفيرة الأميركية اليزابيث ريتشارد، ما أعطى انطباعاً بأن الرياح لا تواكب سفن الحكومة، بقدر ما تعاكسها، بفعل الخروقات التي بدأت تظهر لسياسة النأي بالنفس المدرجة في البيان الوزاري، وسط تعقيدات المنطقة التي يتطاير شررها في دول الجوار.
وبحسب المعلومات، فإن الحكومة ستواجه غداً، خلال جلسة مجلس الوزراء، أوّل امتحان للتضامن الوزاري، في ضوء اعتزام وزراء «القوات اللبنانية» والحزب الاشتراكي، طرح موضوع زيارة وزير الدولة لشؤون النازحين السوريين صالح الغريب إلى دمشق، من دون علم رئيس الحكومة سعد الحريري أو أخذ موافقة مجلس الوزراء عليها، بالإضافة إلى المواقف التي اعلنها وزير الدفاع الياس بو صعب في مؤتمر ميونيخ للأمن، والتي اعتبرتها أوساط معراب، بمثابة خرق لمبدأ النأي بالنفس، ومخالفة لمضمون البيان الوزاري، في حين رأت فيه كتلة «لبنان القوي» التي اجتمعت أمس برئاسة الوزير جبران باسيل «بأنه كان واضحاً ويرتكز على توافق عربي ودولي ولم يعترض على كلامه أحد، معتبرة بأن كل ما حكي من خرق للتضامن الوزاري غير مبني على أسس سليمة».
الغريب في السراي وبعبدا
وكان الرئيس الحريري استدعى الوزير الغريب للقائه في السراي الحكومي، بعدما كان زار صباحاً رئيس الجمهورية ميشال عون في قصر بعبدا، ونفت مصادر الحريري ان يكون الغريب قد اطلعه على عزمه زيارة سوريا، لكن وزير شؤون النازحين بقي على اصراره بأن الزيارة تمت بعلم المعنيين، وانه هو الذي طلب موعداً للقاء الرئيس الحريري لوضعه في أجواء الزيارة، واصفاً إياها بأنها «طبيعية واستطلاعية»، مكرراً دعوته لإخراج هذا الملف من التجاذبات السياسية، مشيراً إلى ان ملفاً بهذه الحساسية يستحق منا جميعاً ان تكون لدينا مقاربة تأخذ بالاعتبار مصلحة لبنان أولاً.
وبالنسبة للغط الدائر حول ما إذا كان وضع الرئيس الحريري في اجواء الزيارة قبل حصولها، اكتفى الغريب بالقول: «ما هو بيننا وبين الرئيس الحريري يبقى بيننا وبين الرئيس الحريري»، مضيفاً بأن «الحريري عودنا دائماً انه يأخذ مصلحة لبنان أولاً».
ولاحقاً أعلن «تكتل لبنان القوي» تضامنه مع الوزير الغريب، مؤكداً ان «موضوع النازحين السوريين يجب الا يخضع للتجاذبات السياسية، وان الزيارة كانت بعلم المعنيين قبل وبعد الزيارة، ولا شيء تحت الطاولة».
«المستقبل» للتضامن الحكومي
وفي المقابل، شددت كتلة «المستقبل» النيابية على «اعتبار التضامن الحكومي قاعدة جوهرية لمواجهة الاستحقاقات في المرحلة الراهنة»، مشيرة إلى انها «تتطلع إلى تجاوب بعض القيادات والقوى السياسية مع موجبات هذا التضام والتخفيف من حدة السباق الجاري لتسجيل النقاط في هذا الاتجاه أو ذاك، وتعكير الأجواء الإيجابية التي سادت بعد تأليف الحكومة والالتزامات التي وردت في البيان الوزاري».
وفيما لم تشر الكتلة إلى زيارة الغريب ولا إلى موقف بو صعب، الا انها لاحظت وجود «مواقف تصب في خانة المزايدات التي اعتاد عليها اللبنانيون، ويتفهمون اسبابها وخلفياتها وأهدافها في ظل الخلافات القائمة على غير صعيد، ولكن سيكون من غير المقبول استخدام تلك الخلافات والتباينات سبيلاً لتعطيل الفرصة المتاحة، وصرف الأنظار عن الجهد الذي يبذل لاطلاق ورشة العمل الحكومية والتشريعية».
بري: خائف على الحكومة
اما الرئيس برّي، فقد أعلن من جهته، خلال استقباله مجلس نقابة الصحافة، انه ليس خائفاً على الحكومة الا من الحكومة نفسها، لافتاً إلى انه لا يريد ان يكون كل وزير فيها حكومة مستقلة، أو فاتح على حسابو، إلا انه أكّد ان الحكومة مضطرة بأن تنجح، وانه ليس عندها باب آخر غير النجاح.
وجدد التأكيد على تطبيق القانون لمكافحة الفساد قائلاً «ان البلد التي لا تخضع للقانون تكون مرتعاً للفساد او غير الفساد وللفوضى وللافلاس».
وعن تعيين خمسة الاف موظف كما قيل على لسان النواب في جلسة الثقة قال: غداً (اليوم) لدي لقاء مع رئيس لجنة المال والموازنة وسيكون هناك استدعاءات من لجنة المال والموازنة لكل الجهات التي وظفت والمساءلة على اي اساس تم التوظيف.
مجلس الوزراء
وبالنسبة إلى مجلس الوزراء الذي يعقد أوّل جلسة له عند الحادية عشرة والنصف غداً الخميس، فقد تضمن جدول أعماله الذي وزّع أمس 103 بنود معظها بنود قديمة، فمن البند رقم 1 الى البند الرقم 59 عن الموافقات الاستثنائية التي منحت خلال فترة تصريف الأعمال، كما ان هناك بندا يتصل بعرض رئيس مجلس الوزراء. لموضوع اللجان الوزارية التي شكلت بقرارات صادرة عن مجلس الوزراء في خلال الحكومة السابقة والتي لم تنجز أعمالها من اجل بت وضعها.
اما المواضيع الجديدة فتتصل ببت استقالة الوزيرة ريا الحسن من رئاسة مجلس ادارة الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية الخالصة في طرابلس بعد منصبها الجديدوهناك بنود اخرى متفرقة وسفر الرئيس الحريري الى قمة شرم الشيخ اما من البند 67 الى البند 93 سفرعلى سبيل التسوية اما من البند 94 الى الـ102 فهي بنود قبول هبات وفن ثم هناك بند ابرام اتفاقية بين لبنان والبنك الاوروبي لإعادة الاعمار والتنمية بشأن التعاون ونشاطات البنك.
ولوحظ ان الجدول لا يتضمن اي تعيينات وليس معروفا ما اذا كانت ستطرح من خارج جدول الأعمال ام لا، كما انه لم يشر إلى موضوع مشروع موازنة العام 2019.
وقالت مصادر رسمية ان مشروع الموازنة، سبق ان أنجزته وزارة المال منذ شهر اب من العام الماضي، لكن طرأت عليه تعديلات وأضافت لا بدّ من لحظها، مشيرة الى ان هذا الموضوع سيأخذ وقتاً، إذ لا بدّ اولا من ان يُحدّد مجلس الوزراء السياسية المالية للحكومة، سواء بالنسبة لمشاريع «سيدر» والاصلاحات التي تتضمنها، وانه في ضوء ذلك سيتقرر وضع الاضافات على المشروع.
وكان الرئيس الحريري قد تطرق خلال رعايته في السراي أمس، حفل توقيع مذكرة تفاهم بين الدولة اللبنانية، واتحاد المهندسين اللبنانيين ونقابة مقاولي الاشغال العامة والبناء، لاطلاق مشروع النظم الالكترونية إلى الإصلاحات التي يتضمنها برنامج الحكومة، نافياً ما قيل في مداخلات بعض النواب في جلسات الثقة عن الفساد في الإدارة بأن الإدارة كلها فاسدة، معتبراً ذلك خطأ وظلماً لأن هناك الكثير من الأشخاص الاوادم والشرفاء والامناء على المال العام ومصلحة المواطنين، مؤكداً ان هدفنا جميعاً هو إغلاق أبواب الفساد، ولكن دون ان نظلم الموظفين الاوادم، وألا «يذهب الصالح بعزا الطالح» كما يقول المثل الشعبي، معلناً تعهده بإقرار قانون دفتر الشروط الذي حوله مجلس الوزراء عام 2007، إذ لا يعقل اننا ما نزال نعتمد دفتر شروط صدر عام 1944 أي منذ 74 عاماً، واصفاً ذلك «بالخطوة الإصلاحية من ضمن إصلاحات «سيدر» التي تضمن الشفافية والنزاهة في تلزيم كل مشاريع «سيدر».