على الرغم من ابتعاد مجلس الوزراء الذي وصف اجتماعه «بالتقني» عن الحدث الكبير المتمثل بـ«عاصفة الحزم» التي انطلقت عند الساعة صفر من فجر أمس، من أجل دعم الشرعية في اليمن، ولوضع حدّ للنفوذ الإيراني عبر الحوثيين في هذا البلد العربي الخليجي، حيث ان من شأنه ترك الأمور، سائرة فيه على النحو التي كانت ان يُشكّل تهديداً للملاحة الدولية وللامن القومي العربي على حساب نمو النزعة الامبراطورية لإيران، فإن تداعيات هذا الحدث فرضت نفسها بقوة على مواقف الأطراف الممثلين في الحكومة، في ظل البحث عن موقف لا يحدث أزمة في مجلس الوزراء، أو في الائتلاف المشكل لحكومة المصلحة الوطنية.
وشكل موقف وزير الخارجية جبران باسيل في اجتماع وزراء الخارجية العرب في شرم الشيخ منطلقاً لموقف لبناني جامع، وأبرز ما فيه قوله: «ان التخلي عن فكرة دعم الشرعية الدستورية المنبثقة من أي دولة تعرض لأي دولة عربية لمخاطر مشابهة»، في إشارة إلى اليمن.
ودعا باسيل إلى اعتماد الحلول السياسية، أي الحوار والتفاهم لا الحلول العسكرية التي أظهرت في لبنان وسوريا والعراق ان الركون إليها لا يؤدي إلى أي نتيجة سوى هدر الدماء والأموال والجهود والوقت.
وأكّد ان أي عمل عربي مشترك من ضمنه العسكري هو مرغوب فيه إذا ما اعتمد المعايير الواحدة التي تضمن الجميع وتطمئن الجميع وتضم الجميع، معتبراً ان «القوة العربية المشتركة» تعطينا القوة والقدرة لتبرير أي اندماج مباشر، أو غير مباشر، لأن الإرهاب يوحدنا.
على ان الموقف الرسمي للحكومة اللبنانية سيعلنه الرئيس تمام سلام في القمة العربية في شرم الشيخ التي يصلها غداً السبت يرافقه وفد وزاري يضم الوزير سجعان قزي، والوزير باسيل الذي توجه عصراً إلى نيويورك، ثم يعود السبت للانضمام إلى الرئيس سلام، وكذلك سيفعل وزير الداخلية نهاد المشنوق بعد ان ينهي زيارته الرسمية إلى واشنطن.
وأكّد وزير الاعلام رمزي جريج، بعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء «لدينا الثقة الكاملة برئيس الحكومة الذي سيتخذ الموقف المناسب إزاء هذا الموضوع الخطير».
وقال مصدر وزاري ان الموقف اللبناني سيتخذ بعين الاعتبار الانقسام السياسي حول الحدث اليمني، ففي حين وصف الرئيس سعد الحريري قرار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بالتدخل في اليمن «بالقرار السليم والحكيم والشجاع، لأنه لا يمكن للمملكة العربية السعودية ان تترك الشرعية في اليمن وحدها امام ميليشيا تحاول ان تسيطر على الشعب اليمني، هاجم «حزب الله» بعنف القرار السعودي، واعتبره «مغامرة تفتقد إلى الحكمة والمبررات الشرعية والقانونية، ويسير بالمنطقة نحو مزيد من التوترات والمخاطر على حاضر ومستقبل المنطقة».
وأعلن الحزب ان أمينه العام السيّد حسن نصر الله ستكون له كلمة متلفزة مساء اليوم يتطرق فيها إلى آخر التطورات في لبنان والمنطقة.
لكن مصادر مطلعة ربطت الإعلان عن كلمة لنصر الله بالتطورات العسكرية في اليمن، وانعكاساتها على الوضع اللبناني، وعلى الحوار مع تيّار «المستقبل» ولا سيما بعد المواقف المثيرة للجدل التي اعلنها رئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة في شهادته التي استمرت أربعة أيام امام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في لاهاي.
الحريري
وإذ لاحظ الرئيس الحريري في حديث أدلى به إلى قناة «العربية» الإخبارية، ان ما يحصل في اليمن هو تداعيات لما يحصل في سوريا والعراق وفي أماكن أخرى، قال ان «المملكة العربية السعودية لا يمكن ان تترك جوارها، وخاصة اليمن ان تتحكم بها بعض الميليشيات في إشارة إلى الحوثيين».
اضاف: «كلنا نريد علاقات جيدة مع إيران، ولكن عندما تتدخل إيران في اليمن بالشكل السافر الذي تقوم به مع الحوثيين فسيترتب على ذلك ردة فعل عربية واقعية لردع إيران من التدخل في الشؤون اليمنية.
وحرص الحريري علىان يُؤكّد بأن ما يحصل هو نفوذ إيراني اكثر مما هو نفوذ شيعي، وهو في نهاية المطاف محاولة إيرانية للتحكم في المنطقة، وليس صراعاً طائفياً، متمنياً ان لا يتأثر لبنان بما يحصل في اليمن، مؤكداً الاستمرار في الحوار مع حزب الله، لأن حماية لبنان هي الأساس.
تجدر الإشارة إلى ان الرئيس الحريري يرافقه مدير مكتبه نادر الحريري زار السبت أنقرة وقابل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس وزرائه أحمد داوود أوغلو، حيث تطرق البحث إلى «ضرورة توحيد الجهود المبذولة لمواجهة المخاطر التي تُهدّد المنطقة ولتدعيم غالبية الاعتدال في العالمين العربي والاسلامي»، على حدّ تعبير مكتبه الإعلامي.
ومن جهته، أكد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الوقوف إلى جانب المملكة لكون أحداث اليمن تشكّل تهديداً لأنها القومي وأمن الخليج ومصالح اللبنانيين، داعياً إلى العودة إلى الحوار والمبادرة الخليجية.
مجلس الوزراء
وكان مجلس الوزراء تحاشى في جلسته الأسبوعية أمس الدخول في مناقشة التطورات السياسية الراهنة، على الصعيدين المحلي واليمني، وطلب الرئيس سلام بعد مداخلته السياسية حول الاستحقاق الرئاسي، الولوج مباشرة إلى مناقشة جدول الأعمال، من دون ان يتطرق الوزراء، لا إلى كلام الرئيس السنيورة امام المحكمة الدولية ولا إلى المقابلة التلفزيونية الأخيرة لوزير العدل اللواء اشرف ريفي، ولا حتى إلى موضوع التوقيع على المراسيم.
وإذ وصفت مصادر وزارية المناقشات «بالعادية والتقنية» لفتت إلى ان بنود جدول الأعمال لم تتضمن أي موضوع خلافي، وأن البحث انحصر في بعض التوضيحات، كما ان تعديلات ادخلت على بعض البنود، في حين ان البنود ذات الصلة بعمل وزارتي الخارجية والداخلية ارجئت بسبب غياب الوزيرين المختصين.
وقالت المصادر انه كان واضحاً حرص الرئيس سلام على تجنيب حكومته أي خضات متوقعة، أو تشنج على خلفية الأجواء السياسية الملبدة، ومن هنا كانت دعوته إلى المباشرة بدراسة جدول الأعمال.
ووصف وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية نبيل دو فريج النقاش داخل مجلس الوزراء بالتقني، وقال رداً على سؤال من «اللواء»: «بعد كل ما جرى في اليمن والمواقف العربية والدولية فإن كلام نصر الله اليوم الجمعة سيكون مؤشراً لما ستكون عليه المرحلة المقبلة، وما إذا كان هناك من قرار في اتجاه التصعيد أم لا، آملاً في عدم حصول توتر، لأن لبنان لا يتحمل ذلك».
وعلم ان وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس اعترض على قرار إحالة جريمة بتدعي على المجلس العدلي، باعتبار ان الإحالة استنساب للسلطة السياسية وليس لأصحاب الدعوى، مشيراً إلى انه لا يرى داعياً لاحالة الجريمة بعدما صدر القرار الظني بحق المتهمين، وبالتالي لا بدّ ان نعطي ثقة بالقضاء العادي ليستطيع ان يحكم من دون ضغط، خاصة وأن الجريمة ليست سياسية ولا طائفية، بل هي مجرّد جريمة عادية.
وأيد في موقفه عدداً من الوزراء، لكن وزير العدل أصرّ على إحالة الجريمة احتراماً لمشاعر الأهالي ولخلق شعور لديهم بأن الدولة إلى جانبهم.
السنيورة شاهداً
إلى ذلك، أنهت غرفة الدرجة الأولى في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أمس، الجولة الأولى من الاستماع إلى شهادة الرئيس السنيورة، والتي استمرت أربعة أيام، ورفعت المحكمة جلساتها إلى يوم الخميس في 9 نيسان المقبل لاستكمال الاستماع إلى شهود آخرين، وإلى الرئيس السنيورة مرّة ثانية، وهو كان صارح المحكمة بأنه قد لا يتمكن من الحضور إلى لاهاي نظراً لانشغالاته في بيروت، مبدياً استعداده بأن يكمل الشهادة من خلال نظام النقل التلفزيوني المباشر، لكن رئيس الغرفة القاضي ديفيد راي تمنى عليه العدول والحضور إلى لاهاي، فوعده في حال ارجئت جلسته إلى نهاية الشهر.
وفي شهادته أمس امام المحكمة، أكّد السنيورة ان النظام السوري كان يحاول مع الرئيس السابق اميل لحود ضرب شعبية الرئيس الشهيد رفيق الحريري، من دون ان يجد وسيلة لقيام تعاون بين الرئيس الحريري ولحود لمصلحة لبنان، وكشف بأن الحريري عمل بكل جهده من أجل التمديد لولاية الرئيس المرحوم الياس الهراوي في العام 1995 للحؤول دون وصول لحود إلى السلطة، وأن لحود اعتبر ان ذلك اضاع عليه 3 سنوات من حياته، إلا انه عوض عن ذلك بالتمديد لولايته ثلاث سنوات جديدة، مشيراً إلى ان الحريري كان معارضاً للتمديد للحود في حين ان حزب الله كان مؤيداً للتمديد، وأكّد ان الحزب لم يؤيد يوماً الحريري على مدى جميع الحكومات التي الفها، ولم يعطه الثقة يوماً.
ونفى السنيورة ان يكون للحريري علاقة بالقرار الدولي 1559، لأنه كان يحمل لبنان أكثر ما يستطيع ان يحمله.
وفي ردّ على سؤال من محامي الدفاع عن المتهم مصطفى بدر الدين انطوان قرقماز، قال السنيورة: «لست في موقع استطيع فيه ان اقول ان حزب الله هو من ارتكب جريمة اغتيال الحريري»، واضاف: «نحن امام محكمة نريد منها أن تقول من الذي قتل الرئيس الشهيد».