الحريري يتهم «حزب الله» بالخروج على الإجماع الوطني
باريس تكشف عن إنجاز عقد تسليح الجيش .. وتجدٌُّد الإشتباكات بين الحزب والنصرة
سلكت طريق ضهر البيدر وعادت الحركة بين بيروت والبقاع تجارياً واقتصادياً وشعبياً، وتحولت حركة ضغط الأهالي الى وسط بيروت، حيث مجلس النواب الذي دعي الى جلسة اليوم لانتخاب رئيس للجمهورية لن يكتمل نصابها، وحيث مقر مجلس الوزراء، وهو الهدف المباشر لتحرك الأهالي «لإقناع الوزراء الذين ما زالوا يعارضون اتخاذ قرار في حكومة الرئيس تمام سلام يقضي بقبول مبدأ التفاوض من أجل التبادل»، وذلك بعد تدخل النائب وليد جنبلاط، بالتنسيق مع الرئيس سلام، بتكليف وزير الصحة وائل أبو فاعور باستخدام النفوذ الاشتراكي بنقل الاعتصام من ضهر البيدر الى ساحة رياض الصلح.
أما في السياسة، وبالتزامن مع إعلان وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان من أن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أبلغ الرئيس سعد الحريري أن المشروع الأساسي والضروري لأمن لبنان (الهبة السعودية للجيش اللبناني) سينفّذ، وأن الحكومة الفرنسية حريصة عليه جداً، فقد طرأ تطور غير مسبوق منذ تأليف حكومة الرئيس سلام، جاء هذه المرة علي لسان الرئيس الحريري شخصياً، طرح فيه مواقف سياسية قديمة – جديدة، بعضها جاء عبر أسئلة وبعدها الآخر جاء عبر طرح رؤية.
فانطلاقاً من معركة جرود بريتال وتفجير عبوة ناسفة بدورية اسرائيلية في مزارع شبعا، تساءل الرئيس الحريري: «هل يصح الصمت وغضّ النظر عما يجري بدعوى عدم تعكير الأجواء ووجوب التزام مقتضيات التضامن؟».
وتخوّف الحريري من أن يجعل حزب الله الممثل في الحكومة «مجلس الوزراء مجتمعاً شاهد زور على سياسات ووظائف أمنية وعسكرية غير مسؤولة عن إدارتها»، في إشارة الى تصرف حزب الله في شؤون الحرب والسلم على هواه وعلى هوى حلفائه الإقليميين.
ومضى الحريري متسائلاً: «أي معنى يبقى كي تحتاج مسألة التفاوض أو المقايضة لإطلاق العسكريين اللبنانيين الى إجماع وزراء الحكومة، في حين يتفرّد الحزب بأجندة خاصة به؟».
وإذ أكد الرئيس الحريري أن «لبنان يحتاج الى سياسات تجمع ولا تفرّق تحت سقف الدولة ومؤسساتها لحمايته ودرء خطر الارهاب عنه»، قال أن هذا الأمر لن يستقيم في ظل الخروج على الاجماع الوطني، «واستدراج الجيش والقوى الرسمية العسكرية الى مهمات قتالية وأمنية تحددها غرف العمليات التابعة لحزب الله»، مشيراً الى أن «استخدام الحدود منصة لتوجيه الرسائل الأمنية والعسكرية في هذا الاتجاه أو ذاك مغامرة جديدة وخطوة في المجهول، لا تضيف الى لبنان أي مصدر من مصادر القوة».
وقال أنه «آن الأوان لوعي المخاطر الناجمة عن ذلك، وتكريس الجهود في كل الاتجاهات لحماية الدولة من الفراغ الكامل والذهاب فوراً الى الاتفاق على إنهاء الشغور في موقع رئاسة الجمهورية والتأسيس لمرحلة جديدة من التماسك الوطني».
وشدد على أن «ألف باء الشراكة الوطنية توجب رفع النداء مجدداً لقيام صحوة وطنية توقف توريط لبنان في حروب الاخرين على ارضنا او في الحروب على اراضي الاخرين».
واكدت مصادر مطلعة ان الحريري سيلتقي البطريرك الماروني بشارة الراعي في روما مساء الاثنين المقبل، الى مائدة عشاء، وسيكون هذا الموقف، الى جانب موقفه من ضرورة انتخاب رئيس الجمهورية في صدارة المحادثات بينهما.
تسليح الجيش
في هذه الاثناء، توقع مصدر مطلع ان تبدأ عمليات تسليح الجيش اللبناني براً وجواً، في غضون الاسابيع الثلاثة المقبلة، وان تصل كمية لا بأس بها من الاسلحة الفرنسية قبل عيد الاستقلال، بعد ان ذللت كل العقبات امام عقد التسلح الذي تغطيه مالياً الهبة السعودية، سواء عبر ثلاثة مليارات او المليار الذي وضعه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في عهدة الرئيس الحريري.
وكان وزير الدفاع الفرنسي لودريان اعلن امس امام الجمعية الوطنية انه تم وضع تصور لعقد وافقت عليه لتوها السلطات السعودية، مضيفاً بأن فرنسا طورت خطة تجهيز من شأنها أن تتيح للقوات المسلحة اللبنانية الحصول على معدات برية وبرية – جوية وبحرية.
وقال انه بإمكان لبنان تسلم معدات عسكرية تنفيذاً لعقد فرنسي – سعودي تبلغ قيمته ثلاثة مليارات دولار، كاشفاً بأن هولاند أبلغ الرئيس الحريري ان الشروط قد توافرت لإنجاز هذا المشروع.
أضاف «إن هذا المشروع الاساسي الضروري لأمن لبنان سينفذ، والحكومة (الفرنسية) حريصة عليه جداً».
وكانت فرنسا قد أعلنت في الأوّل من أيلول اثر محادثات بين هولاند وولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أن الاتفاق بين البلدين، في مرحلة «وضع اللمسات الاخيرة عليه». وأوضحت الرئاسة الفرنسية أن «العقد قد أنجز ولا ينقص سوى بعض العناصر التقنية».
مجلس الوزراء
وهذا الموضوع، بالإضافة إلى التطورات العسكرية الأخيرة والمواقف السياسية منها، سيكون على طاولة مجلس الوزراء اليوم، الذي نقل موعد اجتماعه إلى بعد الظهر لتمكين الوزراء من حضور الجلسة النيابية، على الرغم من تطيير نصابها على غرار الجلسات السابقة.
ولم تستبعد مصادر وزارية أن يعمد بعض الوزراء إلى طرح احداث جرود بريتال وعبوة مزارع شبعا، على طاولة البحث، من خارج جدول الأعمال، انطلاقاً من الخشية من تكرار هذه الحوادث واستخدام الحدود منصة لتوجيه الرسائل، من غير علم الدولة، مما وضع الحكومة في موضع حرج، خصوصاً وان العملية وقعت في منطقة عمليات «اليونيفل».
وإذ لفتت المصادر إلى أن هناك رغبة قوية في إبقاء التضامن الوزاري قائماً، توقعت أن لا يكون البحث في ما جرى مستفيضاً، وأن يتم تجاوز الحرج الحكومي من زاوية الهواجس الأمنية من إمكان توريط الجيش في مواجهات مع إسرائيل، في ما لو اعيدت الكرة، في خضم انغماسه بمواجهة الإرهاب المتسلل من جرود عرسال، مشيرة إلى ان اللحظة السياسية الراهنة بحساسيتها الأمنية، محلياً واقليمياً، لا تسمح بفتح ثغرات أمنية تورط الجيش والأجهزة الأمنية في أتون مواجهة مع إسرائيل ليس الوقت اوانها، خصوصاً وسط القلق المتنامي من تحركات مسلحي «داعش» و«النصرة» في الجرود وامكان استهداف قرى ومناطق بقاعية حيث الغالبية الشيعية لفتح منافذ تموينية وانسانية لهم في فصل الشتاء.
تجدر الإشارة هنا إلى أن المعارك بين حزب الله ومسلحي «داعش» و«النصرة» تجددت مساء أمس في جرود عسال الورد داخل الأراضي السورية امتداداً إلى جرود نحلة القريبة من بريتال، حيث رددت معلومات عن وقوع أسير للحزب لدى المسلحين.
الا أن المصادر الوزارية أكدت أن أي طرح لما حصل سيتم التنسيق بشأنه بين الوزراء الراغبين في ذلك، ولا سيما بين وزراء قوى 14 آذار الذين يأخذون على «حزب الله» تفرده في قرارات السلم والحرب، وانه اعتاد على تغييب الحكومات التي يكون شريكاً رئيسياً فيها مثل هذه القرارات، أياً كان شكل الحكومة وهوية رئيسها، وهم يعتقدون ان عملية الحزب في مزارع شبعا لا تعدو كونها عملية موجهة إلى جمهوره بأنه لا يزال مقاومة، وانه رغم تورطه في دعم النظام السوري ما زال مهتماً بالقضية الأساس وهي تحرير مزارع شبعا، رغم ان هذه المزارع خارج القرار 1701، وهي بموجب القانون الدولي أرض سورية محتلة من إسرائيل، بحسب ما يقول النظام السوري.
إلى ذلك، أفادت المصادر الوزارية أن ما من معلومات دقيقة حتي الساعة في شأن تصعيد تحرك أهالي العسكريين المخطوفين في الأيام المقبلة، وإمكانية أن يطاول طريق المطار أو غير ذلك، لكنها لاحظت أن الرئيس سلام سيطلع الوزراء على آخر تطورات هذا الملف.
وتعليقاً على هذا الموضوع أعلن وزير الإعلام رمزي جريج لـ «اللواء» أن المفاوضات بشأن ملف العسكريين تعثرت لكنها تحرّكت مجدداً، وهي سائرة في مسعاها، وإن ما من عصا سحرية لإنهاء هذا الملف سريعاً.
وقال: لا يمكن إنهاء المفاوضات من خلال يوم أو يومين، ولا بدّ من إعطاء المزيد ليتم الإفراج عن العسكريين من دون تنازلات غير مقبولة، مؤكداً أن الرئيس سلام يتابع مع المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، وان هذا الملف يبقى الشغل الشاغل للحكومة ولرئيسها والمعنيين به.
وكشف مصدر متابع ان رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط الذي يسعى لتجنيب البلاد الأسوأ، سيدعو، من خلال وزرائه في مجلس الوزراء، الحكومة إلى مناقشة فعلية لآلية المقايضة، بدءاً من مسألة المسجونين في رومية، مروراً بأزمة النازحين السوريين وضرورة معالجتها بالطريقة التي تناسب الدولة اللبنانية وتحفظ كرامة المهجرين، ومعالجة وضع عرسال بما يضمن حياة الأهالي، وعدم التوقف أمام الشعار الذي يطرحه البعض من باب المزايدة عن هيبة الدولة، لأن هذه الهيبة لا تحفظ إلا من خلال الحفاظ على حياة العسكريين.
وفي اعتقاد المصدر السياسي، فإن معالجة هذه القضية يستدعي اعترافاً من كل الأفرقاء السياسيين بخطورة المرحلة التي تمر بها البلاد في ظل الأوضاع الأمنية الخطيرة التي تعصف بالمنطقة والحرب القائمة على الإرهاب، وبالتالي التعالي عن المزايدات السياسية والقبول بمبدأ المقايضة انطلاقاً من موقع قوة وليس من موقع ضعف، وتفعيل خلية الأزمة وحثها على الإسراع في إجراء المحاكمات للإسلاميين المسجونين.