«التخبُّط العوني» يُهدِّد بنسف مساعي حزب الله نحو «هدنة الفطر»
سلام يتمسَّك بالجلسة والآلية المنتجة.. وبري يلوذ بالصمت.. وتحذيرات أمنية من استخدام الشارع
بالضبط، ماذا يريد ميشال عون؟
فهو لم يشحذ الرئاسة ولن يشحذها, وهو ابن الدولة وليس ابن النظام، وهو يتهم أجهزة رسمية بالتشويش على «إعلامه الحر»!
وهو ينفي خبر اتصال البطريرك الماروني بشارة الراعي به لثنيه عن التحرّك في الشارع، وهو نصف الوطن، إذا انشق ينشق الوطن!
وهو أنهى الآلية المعمول بها في مجلس الوزراء إنفاذاً لنص المادة 62 من الدستور التي تنيط صلاحيات رئيس الجمهورية بمجلس الوزراء وكالة في حال حدوث شغور في سدة الرئاسة.
ويقفز النائب عون من المشكلات القائمة إلى المطالبة بإقرار قانون الانتخاب، معتبراً مجلس النواب غير شرعي، وأن الأكثرية الحالية غير شرعية، وهو أيضاً غير شرعي، ولا يجوز له إنتخاب رئيس.
هكذا تحكم «الديماغوجية» و«السفسطة» أداء النائب عون، الذي لم يكتف بتحريف الوقائع، بحيث اعتبر بأن كسروان فقط والمتن هي وحدها التي تدفع فاتورة المياه والكهرباء، متجاهلاً أن بيروت هي التي تسدد قبل سواها فواتير المياه والكهرباء والبلدية والضريبة على العقارات المبنية والدخل.
فما هي معركة الجنرال عون بالضبط؟
لا أحد يعرف، حتى هو، من أين يبدأ وماذا يريد، فقط يطالب أنصاره بأن يتحضّروا للمساهمة بمعركة يعتبرها معركة مصير!
وخارج الوقائع التاريخية غير الدقيقة التي ساقها منذ العام 2004 إلى المرحلة التي انتهت بانتخاب الرئيس ميشال سليمان رئيساً للجمهرية، هاجم عون ممثلي الكتل والأحزاب، متهماً إياهم بأن «لا ذرّة كرامة لديهم»، مؤكداً بأنه لن يتراجع، وغامزاً من قناة أتباعه أن يتوقفوا عن دفع الضرائب، لأنه يجزم لهم أن العماد عون «سيذهب حتى النهاية، وهو حرّ بقراره ولن يتراجع».
وساطة حزب الله
والثابت من المطالعة المفككة التي ساقها عون بعد اجتماع تكتل الإصلاح والتغيير، أنه تجنّب الإشارة إلى حركة الشارع، تاركاً، حسب أوساط الرابية، التوقيت بما يمكن أن تسفر عنه الاتصالات الدائرة، والتي بدأها حزب الله، عبر خطوتين:
الأولى، تمثلت بزيارة وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمّد فنيش لرئيس الحكومة تمام سلام في السراي الكبير، راغباً إليه أن يُعيد النظر بآلية عمل الحكومة، وعدم تعريض جلسة مجلس الوزراء للاهتزاز من زاوية إعادة وصل ما انقطع بين عون والسراي، شارحاً لرئيس الحكومة موقفه ببعديه: الأول التمسك بالحكومة باعتبارها ضامنة لوحدة مؤسسات الدولة، وهي شرعية ودستورية، والثاني: الحرص على دعم مطالب النائب عون وعدم تركه وحيداً.
والثانية تمثلت أيضاً بزيارة وفد من «حزب الله» إلى الرابية في مهمة مزدوجة: الأولى: إبلاغ الرابية ما تمّ التداول فيه بين الرئيس سلام والوزير فنيش والنتائج التي انتهت إليها الزيارة، والثانية: مناقشة خطط التحرّك العوني في الشارع، وموقف الحزب منها.
وعلى هذا الصعيد، تقول المعلومات، أن حزب الله لا يحبذ الذهاب إلى الشارع لأسباب تتعلق بتقويمه للوضعين السياسي والأمني: فالشارع يحمل في طيّاته بذور الفتنة والتصادم، وهو أمر غير مرغوب في هذه المرحلة، وثانياً أن المعلومات التي هي في حوزة الأجهزة الأمنية لا تستبعد عمليات اندساس عناصر إرهابية وتجمعات وإحداث تفجيرات في صفوف الجموعات الشعبية على نحو ما هو حاصل في بعض العواصم العربية والإقليمية.
وتضيف المعلومات أن القوى الأمنية التي لم تبلغ أو لم تحظ علماً بطلب التجمّع والتظاهر وفق الأصول المعمول بها، قد تكون غير قادرة على توفير الحماية، في ظل الانشغالات الهائلة للجيش والقوى الأمنية، سواء في مواجهة محاولات التسلل عبر الحدود الشرقية والشمالية، أو الانكشاف في بعض التجمعات التي يمكن أن تختبئ فيها «خلايا نائمة»، سواء من المجموعات المتشددة أو من المسلحين السوريين.
«هدنة الفطر»
وعليه، علمت «اللواء» من مصادر الوسطاء، أن ثمة تريثاً عونياً في الدعوة إلى الشارع، وأن «حزب الله» يحرص على إقناع عون بالتزام التهدئة، على الأقل إلى ما بعد عيد الفطر السعيد، لا سيما وأن أمينه العام السيّد حسن نصر الله ستكون له إطلالتان: الأولى غداً الخميس لمناسبة ليلة القدر الكبرى في 23 رمضان، والثانية عند الخامسة والنصف من عصر يوم الجمعة، وهي الجمعة الأخيرة في رمضان لمناسبة إحياء «يوم القدس».
وأشارت المصادر إلى أن باب الأخذ والردّ فتح، وأن هناك إمكانية لولادة «هدنة الفطر» في ضوء استكمال الاتصالات في غضون الأربع وعشرين ساعة المقبلة.
ومن مؤشرات ذلك، امتناع كافة الأطراف المعنية بالاستقرار عن الانجرار إلى تهجمات النائب عون، وحفلة الجنون الكلامية التي أطلقها أمس، لدرجة أن الرئيس نبيه برّي لاذ بالصمت، وأن كتلةالمستقبل النيابية التي اجتمعت أمس، اكتفت بالإعراب عن انتقادها السياسي للهجمة العونية، واعتبار أن الحفاظ على مصالح المسيحيين يكون بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، واصفة كل تصرفات عون بأنها «محاولة تهدف لأغراض شخصية ومصالح عائلية»، معلنة رفضها تحكّم الأقلية بالأكثرية، ومجاهرة صراحة بتأييدها فتح دورة استثنائية لمجلس النواب، داعية حزب الله لمراجعة سياسته العبثية التي تمعن في توتير الأجواء في لبنان.
تجدر الإشارة إلى أنه ستكون للرئيس سعد الحريري غروب يوم الأحد المقبل إطلالة إعلامية في الإفطار المركزي الذي يقيمه تيّار «المستقبل» في «البيال» وفي سبع مناطق لبنانية أخرى.
مرسوم الدورة
وفي سياق موضوع الدورة، أرجأ وزراء الرئيس سليمان زيارة السراي لإبلاغ رئيس الحكومة موقفاً يتعلق بجدول أعمال الجلسة والتوقيع على مرسوم فتح الدورة الاستثنائية، وسيجتمع الوزراء الثلاثة بالرئيس سليمان اليوم لتقييم الأوضاع وتقرير الموقف في شأن مرسوم فتح الدورة، حيث تمايز وزير «المردة» روني عريجي بالتوقيع على المرسوم من دون حلفائه في تكتل «التغيير والاصلاح».
وعلم أن اتصالات جرت مع الرئيس سلام عبر موفدين للحصول منه على ضمانة شخصية بالنسبة لإقرار قوانين قد تكون موضع خلاف أو قابلة للطعن بها أو ردها فيما لو كان رئيس الجمهورية موجوداً، بالإضافة إلى تحديد جدول جلسات التشريع.
وأكدت مصادر سليمان أن الوزراء لن يوقعوا المرسوم إذا لم يحصلوا على هذه الضمانة، والتي يبدو أن دونها «قطبة مخفية» أو قطباً عدّة، ليس أقلها وجود عقدة قانون الانتخاب الذي يُصرّ عليه العماد عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، فيما يواجه بتوجس إلى حدّ المعارضة الشديدة من قبل الرئيس سليمان الذي يرفض تضمين المشروع أفكار «اللقاء الارثوذكسي» الذي يطالب بأن ينتخب المسيحيون نوابهم.
وغرد الرئيس سليمان عبر حسابه على «تويتر» مستخدماً عبارة المفكر اللبناني الراحل ميشال شيحا الذي قال فيها: «اذا كانت كل طائفة تعيش والميزان في يدها، وتضع وزيراً قبالة وزير، وحاجباً مقابل حاجب، تسوق لبنان إلى حدود الحلول المستحيلة».
وكان وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس قد نقل عن الرئيس سلام انه أضاف على النموذج العادي المتبع في فتح الدورة كلمة: «لأن الضرورة تقتضي بعض التشريعات»، أي انه ربط الأمر بأن تقوم المؤسسات الدستورية بعملها على الأقل، وفي الحد الأدنى بحدود الضرورة التي لا تحتمل التأجيل»، وفي ذلك إشارة إلى أن جدول أعمال جلسات تشريع الضرورة قد لا يلحظ قانون الانتخاب، ولا حتى قانون استعادة الجنسية.
وكشف درباس عن مشكلة جديدة تحتم ضرورة التئام مجلس الوزراء لاتخاذ قرارات، تتعلق بالهبة الإضافية التي قررها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح بدعم المجتمع اللبناني المضيف للنازحين السوريين، حيث يقتضي قبول مجلس الوزراء هذه الهبة، ولهذا لا بدّ له ان يجتمع ويتخذ قراراً في هذا الصدد.
سلام: الجلسة مستمرة
وفي المعلومات، أن الرئيس سلام أبلغ زواره أمس، وبينهم الوزراء فنيش ودرباس وبطرس حرب، أن جلسة مجلس الوزراء لا تزال قائمة، وانه ليس من سعي إلى الصدام، لكن الآخرين هم الذين بدأوا، آملاً أن تتغلب الحكمة على لغة التصعيد، وأن يتجنب القادة السياسيون اللجوء إلى خطوات من شأنها ان تطيح بالاستقرار في البلد، لافتاً النظر إلى ان العودة إلى صيغة التوافق السابقة غير منطقية، وسبق ان تخطيناها، بعدما اتفقنا في جلسات سابقة على العودة الى الدستور، في شأن القضايا الاساسية التي تحتاج إلى توافق، لكن الأمور التي تتعلق بتسيير عجلة الدولة يجب أخذ قرارات في شأنها بالأكثرية، مثل قرار دعم المزارعين والذي يتعلق بحياة آلاف المزارعين.
اما بالنسبة إلى الآلية، فقالت مصادر الرئيس سلام انه يتصرف وفق صلاحياته، وهو دأب على توزيع جدول الأعمال قبل 72 ساعة من موعد الجلسة لاطلاع الوزراء عليه، لكنه لا يستطيع التخلي عن صلاحياته، أو أن تفرض عليه اولويات الآخرين.
ولاحظت أن كل هذا النقاش الدائر هو تفصيلي والأحرى بكل القوى السياسية أن تخرج منه، ومن تصوير بأن هناك معركة وجود وحقوق مهدورة، وهذا الأمر كلّه غير صحيح، خصوصاً وأن الأوضاع المحيطة بنا خطيرة إلى حدّ يقتضي من الجميع التنبه والحذر والحفاظ على البلد.