بيروت تختنق بالنفايات بين جشع المحاصصات والإخلال بالوعود!
سلام لن يقبل باقتراحات تعطّل صلاحياته.. ولا إستمرار لحكومة بلا قرارات
بين سياسة النفايات ونفايات السياسة، وضع لبنان امام مفترق, ومسار هذا المفترق يتقرر في ضوء مسار جلسة مجلس الوزراء اليوم، حيث يأتي الوزراء إليها و«اليد على الزناد»، وسط أجواء مشحونة سياسياً ونفسياً، إلى درجة ان «العصاب» هو الذي يتحكم بسير المناقشات والقرارات.
وفي ضوء هذا الترقب المنتظر، ثمة إجماع في الأوساط السياسية على نقطتين:
الاولى: ان الجهود التي بذلها «حزب الله» لإيجاد تفاهم على الآلية الخاصة باتخاذ قرارات في مجلس الوزراء لم تسفر عن نتائج عملية، واكتفت الوساطة، بالاعراب عن النيّات الحسنة لجهة الحفاظ على الاستقرار والحكومة.
والثانية تتعلق بانعدام المخارج لازمة النفايات في ضوء إصرار المناطق والبلديات خارج العاصمة على «حياكة» الحلول الخاصة بها، من دون الاكتراث بوضع العاصمة، إضافة إلى «حنث» جهات صديقة بوعود قطعتها، سواء في الجنوب أو الشمال، للمساعدة على تدارك الآثار السيئة لتراكم النفايات وتشويه وجه العاصمة، وبث السموم البيئية والمرضية والجرثومية، في طقس مرتفع الحرارة والرطوبة يزيده تفاقماً الانقطاع المتكرر والمدروس للتيار الكهربائي في الاحياء والمنازل، حيث تعم أصوات المولدات وهديرها آذان المواطنين، الأمر الذي يحول العاصمة بيروت إلى مدينة غير صالحة للسكن، مطيحاً بموسم السياحة، وفرص الاستثمار الضئيلة.
وكشف مصدر نيابي لـ«اللواء» ان لقاء الرئيس تمام سلام ونواب بيروت، في حضور الوزيرين محمّد المشنوق ونبيل دو فريج، تحول إلى جلسة «نق» و«تذمر وقرف ونعي وتشكي» من الوضع الذي آلت إليه مشكلة النفايات التي تخفي وراءها اهدافاً ومصالح وحسابات وسمسرات ومحاصصات على قاعدة «من بعدي الطوفان».
وبدا من سير التداول، استناداً إلى المصدر نفسه، ان الحكومة سقط من يدها مجموعة من الوعود والاقتراحات أو أخذت على حين غرة، بسبب تراجع النائب وليد جنبلاط عن وعد قدمه للرئيس سلام بتأجيل اقفال مطمر الناعمة، ريثما يتم تدبر الوضع في ما اعتبر فرصة أخيرة لطمر النفايات هناك، فضلاً عن تعطيل المناقصات، وعدم وفاء «اهل البيت» بوعود مماثلة.
وقال المصدر النيابي ان احتمالات التوصّل إلى تسوية قريبة لملف النفايات مستبعد، ما لم يُعيد النظر أصحاب الوعود بمواقفهم لجهة الالتزام بما قطعوه، لأن مسألة النفايات لا تهم حياً أو مدينة أو فئة أو طائفة، بل هي مسألة وطنية باعتبار بيروت عاصمة لبنان.
آلية الحكومة
اما على صعيد الآلية، فإن النقاش متوقع أن يأخذ مجراه، وأن وزيري حزب الله سيحرصان على تدوير الزوايا بين الرئيس سلام والوزيرين العونيين، بحيث تأتي المناقشات سلسة بعيداً عن العصبيات وفرض الآراء، على إلاَّ تستأثر هذه القضية بمعظم الوقت، نظراً إلى التداول بقضية النفايات والمخرج الذي اعده وزير الدفاع سمير مقبل في قضية التعيينات العسكرية، إذ انه يرغب، بعد انتهاء ولاية كل من مدير المخابرات ادمون فاضل وقائد فوج المغاوير العميد شامل روكز باستدعائهما إلى الخدمة وتسليمهما نفس المهام التي يشغلانها اليوم، وذلك من أجل توفير الفرصة امام العميد روكز لتولي قيادة الجيش بعد انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية.
وتجدر الإشارة إلى ان ولاية قائد الجيش العماد جان قهوجي تنتهي في 22 أيلول، وقبلها بيومين، أي في 20 أيلول تنتهي ولاية العميد فاضل، وفي 15 تشرين أوّل يحال العميد روكز إلى التقاعد.
ولم يعرف ما إذا كان الفريق العوني سيقبل بهذا التوجه، أم انه يُصرّ على موقفه ببت التعيين قبل بحث أي بند آخر في مجلس الوزراء، مع العلم ان طلاب «التيار الوطني الحر»، وضعوا في تدبير الجهوزية، فيما عززت الإجراءات الأمنية في محيط السراي الكبير لمنع أي محاولة لدخولها ومن أية جهة.
وفيما تؤكد أوساط السراي أن الرئيس سلام لن يقبل بأي تصوّر أو اقتراح يشكّل انتهاكاً لصلاحياته أو إخلالاً لما نصّت عليه المادة 65 من الدستور، لم يشأ وزير ناشط على خط الاتصالات الكشف عمّا يمكن أن تكون الجلسة عليه اليوم، لكنه اكتفى بالتأكيد أن الوضع ما يزال في دائرة الاحتقان أو الاختناق، وهو لم يخرج من وصف الأسوأ منذ تشكيل الحكومة.
وقال وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس أن توقعاته بالنسبة إلى الجلسة غير مشوبة بالتفاؤل، وأنه لا يرى بصيص نور ولا إحساساً بالمسؤولية، مذكّراً بأن الرئيس سلام سبق أن نبّّه الجميع في الحكومة بأن لا توصلوه إلى الخط الأحمر، معتبراً بأن الجلسة ستكون مفصلية، إذ لا يمكن أن نقبل بأن يجتمع مجلس الوزراء كي لا يفعل شيئاً، أو أن يبقى مرهوناً بإرادة بعض الأطراف.
وقال إن الجلسة مرهونة بإرادة الرئيس سلام، وهو عندما يلمس إصراراً على التعطيل، سيعلن أن الحكومة تحوّلت إلى تصريف أعمال، وهذا معناه أن الرئيس سلام سيترك الجلسة إلى الاعتكاف في منزله، وهو كان في الجلسة الماضية قبل أسبوعين قد هدّد الوزراء المعترضين بقوله: «لا تدعوني أخرج بأرجلكم فلديّ رجلان يمكنني أن أخرج بهما».
أزمة النفايات
وبالنسبة إلى أزمة النفايات، حتى مساء أمس لم يتم التوصل إلى صيغة واضحة لمعالجة الأزمة، وما قيل عن إيجاد مطمر مؤقت في عكار لا يُشكّل حلاً، خاصة في ظل الحركة الاعتراضية التي قامت من قبل نواب المنطقة على دفن النفايات فيها.
وكان اللافت، أمس، خروج رئيس مجلس إدارة شركة «سوكلين» ميسرة سكر عن صمته، معلناً استعداده لتسليم الدولة مسؤولية جمع النفايات في بيروت، معتبراً أن الحملة ضد «سوكلين» بدأت تأخذ منحى سياسياً ملتبساً، موضحاً بأن الأسعار التي تتقاضاها الشركة في بيروت هي الأرخص بين 28 مدينة تقوم سوكلين بجمع نفاياتها.
ومن المتوقع أن يؤدي استمرار تكدس النفايات في الشوارع إلى إعادة فتح باب المناقصات بسرعة في بيروت، لإفساح المجال أمام دخول شركات جديدة تكون قادرة على معالجة الأزمة في أسرع وقت ممكن، قبل أن يؤدي تكدس النفايات في الشوارع إلى تهديد السلامة العامة، وانتشار الأوبئة والأمراض، وهو الأمر الذي دفع المواطنين إلى إحراق تلال النفايات المكدسة عند الزوايا والمنعطفات مما يُشكّل ضرراً بيئياً بدوره.
ونقل عن وزير البيئة محمّد المشنوق، الذي ما يزال بدوره يلوذ بالصمت، قوله إن الوضع لا يحتمل أكثر من يوم أو يومين، لكنه لم يطرح حلاً سوى تأمين مطمر خارج بيروت لنفايات العاصمة، مشيراً إلى أنه كان تلقى وعوداً بالسماح بطمر هذه النفايات في كل من محرقة صيدا وعكار، لكن أصحاب هذه الوعود لم يلتزموا بها، حيث قامت قيامة أهالي عكار بزعامة النائب معين المرعبي، فيما اشترط المسؤولون عن محرقة صيدا إيجاد حل لمشكلة طمر العوادم، علماً أنه بإمكان هذه المحرقة استيعاب حوالى 300 طن من نفايات بيروت التي لا تتجاوز عادة 450 طناً، فيما تنتج الضاحية الجنوبية وحدها أكثر من ألف طن نفايات، بدأت بلدياتها بنقلها إلى «الكوستا برافا» حيث مكان ردميات حرب تموز 2006.
قباني
واكد رئيس لجنة الاشغال النيابية النائب محمّد قباني لـ«اللواء» انه لمس من الرئيس سلام الذي التقاه أمس مع نواب بيروت عدم تفاؤله على قدرة مجلس الوزراء حل ملف النفايات بسبب تعاطي فريق «التيار الوطني» داخل المجلس والاصرار على موضوع آلية العمل الحكومي.
وأشار النائب قباني إلى ان النوايا طيبة لدى الرئيس سلام، لكن التوقعات بأي حل غير مريحة، معلناً ان الوضع معقد وأن رئيس مجلس الوزراء متحسب لجلسة اليوم وللمشاكل التي يمكن ان تطرأ في ما خص الآلية.
وفي ردٍ على سؤال، قال قباني «ان هناك قضايا تتصل بملف النفايات في الإمكان ألاَّ تحتاج إلى مجلس الوزراء، موضحاً انه باستطاعة شركة «سوكلين» ان تكمل عملها، لكن في نهاية الأمر هناك حاجة إلى «مكبات» ووحده مجلس الوزراء يستطيع ان يُقرّر في ذلك، بما لديه من هيبة معنوية».
وأشار إلى ان بلدية بيروت بدأت بالتفتيش عن هذه المكبات في الشمال وتحديداً في عكار، وهي وقعت عقداً لاستملاك عقارين، غير ان نواب المنطقة تحركوا للوقوف ضد ذلك.
ورأى ان في الأمر مزايدة على حساب بيروت، مؤكداً انه كما بيروت للكل، فالكل يجب ان يكون لبيروت، معلناً ان المشكلة الأكبر تكمن في هذا الأمر.
وأكّد ان هناك ضرورة لأن تتفهم البلدات النائية مطلبنا وأن تحتضن بيروت، كما احتضنت العاصمة أبناء هذه البلدات، وقال: «نريد ان تُعامل بيروت بالمثل»، لافتاً إلى ان الرئيس سلام تفهم الموقف لكنه قال ان ليس في اليد حيلة.
ورأى ان المطلوب ان تنصرف الدولة إلى الاهتمام بتنمية المناطق في عكار والبقاع الشمالي، لكنه لاحظ ان التنمية تحتاج إلى وقت و«الزبالة» لا تنتظر.
اما بالنسبة إلى إمكانية استخدام المشاعات التي تملكها الدولة اللبنانية كمطامر، فأعلن ان الدولة لا تملك اراض كبيرة وأن هذه الأراضي في اغلبيتها املاك شخصية.